24 فبراير 2025

|

المفكر الفلسطيني د. مازن النجار لـ«المجتمع»: من الخطأ محاولة التوصل لحل وسط مع خطة ترمب

السنوسي محمد

24 فبراير 2025

314

قال الأكاديمي والمفكر الفلسطيني د. مازن النجار: إن من الخطأ الشديد محاولة التوصل لحل وسط مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بشأن احتلال غزة وتهجير أهلها، وربما لو تجاهلها العرب، واتخذوا موقفًا سليمًا، سينسى ترمب مقترحه بعد بضعة أسابيع.

ورأى النجار، في حوار لـ«المجتمع»، أن كل ما يثار عن التهجير وبدائله يستهدف تجريد أهل غزة من أي إنجاز حققته المقاومة، وجعلهم مرة أخرى شعباً منكوباً لا يطالب بحقوقه.

كيف ترى خطة ترمب بشأن تهجير غزة؟

- في الحقيقة، خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هي التطور الطبيعي للمشروعات الاستيطانية، سواء في أمريكا الشمالية أو الجنوبية أو أستراليا أو جنوب أفريقيا أو الجزائر، فهذه الخطة، في مختلف الأماكن والأزمان، تبدأ بالاحتلال ثم العنف ثم الإبادة ثم التهجير، والعالم بالنسبة لترمب وللتيار السياسي الذي يمثله، تيار المستوطنين البيض، هو ساحة مستباحة! ومنذ 5 قرون ذاقت البشرية الويلات من الاستعمار الأوروبي، الذي اجتاح حضارات ودمر قارات ومجتمعات، وخطف عشرات الملايين من غرب أفريقيا وأكثرهم مسلمون.

إن تهجير غزة اختزال لمشكلات عميقة، سياسية وحضارية وإستراتيجية، وتحويلها إلى «مسألة عقارية» بحسب رؤية ترمب! وهذا الاختزال، كما خلص د. عبدالوهاب المسيري، إحدى خصائص الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية، التي تنكر التكريم الإلهي للإنسان واستخلافه في الأرض، وأي شريعة تحمي الإنسان من الإبادة أو الظلم والقهر، فهم يختزلون الظواهر الحضارية والبشرية، ويقومون بتنميطها بحيث ينزع المستعمِر عن المستعمَر صفة العقلانية والحضارة، ويتصوّره كائنات غريبة شاذة لا يصلح معها إلا العنف والقتل والإبادة!

نحن لسنا في موقف نقبل أن نعامل فيه معاملة المهزوم

فتهجير أهل غزة بالنسبة لترمب يبدو حلاً سهلاً! وسيناء التي تتجاوز مساحتها 60 ألف كيلومتر مربع يمكن أن يُهجَّر إليها مليون، ومليون آخر إلى الأردن، وتصبح الأرض خالية للمشروع الإمبريالي الصهيوني لتحويلها لـ«ريفيرا الشرق الأوسط»، هذه هي عقليتهم، دون أن يفكروا ماذا لو رفض أهل غزة التهجير، وتمسكوا بأرضهم!

وكيف ترى رد الفعل العربي على خطة ترمب؟

- رد الفعل العربي سياسياً مقبول بالحد الأدنى، والبلدان المقصودان بالتهجير؛ مصر والأردن، ليس من مصلحتهما أن يرفعا عبئاً عن المشروع الصهيوني ورعاته في الإمبريالية العالمية، ويتحملا المسؤولية بدلاً عنه، والأمر طبعاً يزداد تعقيداً بالنسبة للأردن، وينبغي ألا تستسلم الدول العربية للضغوط عليها لقبول التهجير، فلسنا في موقف نقبل أن نُعامَل فيه معاملة المهزوم، كما قال القيادي في «حماس» أسامة حمدان.

لقد تحملت غزة خلال الـ471 يوماً من الحرب قدراً هائلاً من الدمار غير مسبوق في تاريخ القضية، ولا حتى في «النكبة» الأولى، ورغم ذلك رفض الغزيون التهجير، والمفارقة غير المقبولة، أن الكيان يحاول استخدام المفاوضات كأيديولوجية وتكتيك لتحقيق ما فشل به في الحرب!

هل هناك فرصة لحلول بديلة تتلاقى مع خطة ترمب في المنتصف؟

- الحلول الوسط في هذا الصدد لا داعي لها ولا محل لها، ومن غير الممكن الالتقاء مع خطة ترمب بمنتصف الطريق؛ لأن ما اقترحه ترمب، أو ما سيقترحه العرب، سيؤدي لنزع سلاح المقاومة، وهو غير مقبول، ولا يليق بعربي أن ينزع سلاحه، خاصة إذا كان هذا السلاح شريفاً، لا يُشهَر إلا في وجه ظالم مغتصب.

لكن ما أخشاه هو أن يتخذ صناع القرار العربي موقفاً يشدد حصار غزة، وتُغلَق على أهلها سبل الحياة، عقاباً للغزيين على عدم الخضوع للخطة الأمريكية أو الخطة العربية.

ولهذا، من الخطل الشديد محاولة التوصل لحل وسط مع خطة ترمب؛ فهو متقلب، وربما لو تجاهلها العرب واتخذوا موقفاً سليماً بالحد الأدنى، سينسى ترمب مقترحه بعد بضعة أسابيع.

يريدون تحويل غزة إلى شعب منكوب لا يفكر في البحث عن حقوقه

إن كل ما يثار عن التهجير وبدائله يراد منه تجريد أهل غزة من أي إنجاز حققته المقاومة، وجعلهم مرة أخرى شعباً منكوباً غارقاً في كارثة هائلة تصرفه عن المطالبة بحقوقه، ولهذا، فبعد هذه الحرب وما حققته المقاومة فيها من صمود وقدرات، فلا حديث عن الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967م، ويفترض أن يكون المقترح العربي، ولا عن رفع الحصار، ولا عن حق أهل غزة في ميناء أو مطار. 

فالكيان يريد أن يُبقي الفلسطيني إنساناً منكوباً، ومعاقبة الشعب على إنجازات المقاومة، رغم كل ما فعله بالقطاع وتدمير ما يتجاوز 80% منه، وبنيته الأساسية وتجريف مظاهر الحياة المدنية، ولم يتورع عن إحراق المستشفيات! بل أصدر قوانين تجرّم وكالة غوث اللاجئين (أونروا) وتحظرها لئلا تكون هناك أي إغاثة تخفف ما وقع على الفلسطينيين من ظلم وعسف وتدمير.

إذاً، خطة ترمب عن التهجير ربما هي «قنبلة دخان» للتغطية على الهدف الحقيقي وهو حصار المقاومة؟

- نعم، فما يجري بعد وقف إطلاق النار محاولة حصار نتائج «طوفان الأقصى» وتصفيتها بنداً بنداً؛ فمن ذلك، مثلاً، أن أهل غزة خرجوا بعد وقف إطلاق النار من تحت الأنقاض والغارات والإبادة اليومية، ليُصدموا بحجم الدمار الشامل، فهم في حالة ألم؛ ولهذا يريد الاحتلال أن يُبقِي الصدمة والألم لابتزازهم، وذلك بمنع دخول الغذاء والدواء والوحدات السكنية المتنقلة ومعدات إزالة الأنقاض، وفي ذات الوقت، يطلق مشروعات التهجير أو فكرة «التهجير الطوعي»، ولا فرق بينهما فالمحصلة واحدة! فكل هذا محاصرة نتائج «طوفان الأقصى»، وإبطال ما تم إنجازه وما يترتب عليه، تحت ضغط الحاجات الإنسانية الضرورية.

عملية «طوفان الأقصى» وما تلاها اخترقت الحاجز المفروض على شعوب الغرب واحتلت مساحة في وعيهم؛ فإلى أي مدى حدث هذا على المستوى السياسي؟

- تحقيق المكاسب حصل على مستوى الشعوب، حتى رأينا تعاطفاً من يهود غربيين وأمريكيين، بل وأسلم بعض الغربيين بعد أن أخذتهم الدهشة بسبب صمود أهل غزة فراحوا يبحثون عن سر إيمانهم.

الكيان يحاول أن يستخدم المفاوضات لتحقيق ما فشل به في الحرب!

أما على مستوى النخب الحاكمة فلم تحدث تحولات، رغم فظاعة ما جرى من تدمير وإبادة؛ بل حدثت ارتدادات! فمثلاً، في ضوء الإبادة الجارية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قراراً باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، وأصدرت محكمة العدل الدولية قراراً بإيقاف القتال وإيقاف تسليح «إسرائيل»؛ لكن في اليوم التالي، نرى المستشار الألماني يقول: إنهم سيستمرون في إرسال الأسلحة لـ«إسرائيل»!

اللافت، أن أحد المحللين «الإسرائيليين»، ألون مزراحي، فضح هذا الانحياز الغربي، وقال: إن النخب الغربية ليس لديها الشجاعة لتفسر مواقفها من الإبادة في غزة؛ لأنها كلها تهتدي- أو بالأحرى: تضل- بقصص العهد القديم التي تُظهر العبرانيين يقومون بالإبادة ويحرقون القرى ويقتلون البشر ويدمون آبار المياه، كما جاء بـ«سفر التكوين»؛ ما مثّل لهم تراثاً يتبع في تعاملهم مع الشعوب الأصلية للمستعمرات والمستوطنات، والمشروع الإمبريالي إجمالاً يقوم على هذه التبريرات أو الديباجات.

أي أنه لا أمل في أن تقف هذه النخب ولو مرة واحدة مع العدالة أو مع حرمة النفس البشرية أو تعارض الإبادة، رغم كل هذه المعاهدات والقرارات الدولية التي أقرّوها بأنفسهم!


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة