20 فبراير 2025

|

مواقف الرؤساء الأمريكيين من القدس (2 - 2)

علي إبراهيم

18 فبراير 2025

5554

في المقال السابق، تناولنا موقف الرؤساء الأمريكيين تجاه القدس من الرئيس جونسون، وحتى الرئيس بيل كلينتون.

في هذا المقال سنتناول موقف باقي الرؤساء الأمريكيين من الرئيس جورج بوش الابن، وحتى الرئيس جو بايدن.

ثامنًا: الرئيس جورج بوش (الابن) (2001 – 2009م):

أسهمت إدارة بوش الابن في ترسيخ مبدأ الأمن في مقابل الاستيطان، فعلى أثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، تصاعد استخدام مصطلحات الأمن والإرهاب في السياسة الخارجية الأمريكية، في سياق الموجة العالمية المنتشرة في تلك المرحلة، وفي أعقاب الانتفاضة الثانية، أرسل بوش رئيس جهاز المخابرات (CIA) إلى الأراضي المحتلة ليعقد اتفاقيات أمنية بين الجانب الفلسطيني وسلطات الاحتلال.

وفي متابعة لمسار السياسة الأمريكية المنحاز إلى جانب الاحتلال، ففي 30/ 9/ 2002م، وقع الرئيس بوش على تشريع أقره الكونغرس، يعترف بالقدس عاصمة للاحتلال، وأشارت حينها مصادر في الخارجية الأمريكية إلى أن التعامل مع القرار متروك مع البيت الأبيض، وتضمن التشريع 3 بنودٍ تتعلق بالقدس وهي:

1- ربط الإنفاق على قنصليتها في القدس مع إشراف السفير الأمريكي لدى «إسرائيل» عليها.

2- الإشارة إلى أن القدس عاصمة «إسرائيل»، في أي مستند تصدره الحكومة الأمريكية.

3- السماح للرعايا الأمريكيين المولودين في القدس المحتلة، الإشارة إلى أن محل الميلاد هو «إسرائيل».

وشهدت مدة مكوث بوش في البيت الأبيض تصاعد المشاريع الاستيطانية، في القدس وفي مختلف المناطق الفلسطينية الأخرى، ففي عهده بدأ بناء جدار الفصل العنصري، ومواصلة توسيع المستوطنات وإقامة بؤر استيطانية جديدة، وحول الاستيطان عملت إدارة بوش على مساومة الفلسطينيين بين تجميد الاستيطان ووقف ما يعده الجانبان الأمريكي و«الإسرائيلي» بـ«العنف».

تاسعًا: الرئيس باراك أوباما (2009 – 2017م):

افتتح أوباما ترشيحه عن الحزب الديمقراطي بتصريحات أظهرت التزامه دعم الاحتلال، وفي خطاب ألقاه أمام الاجتماع السنوي لمجموعة الضغط اليهودية (إيباك) أعلن دعمه لأمن «إسرائيل»، وحرصه على ضمان استمرار تفوقها العسكري، معبرًا أن الذين «يهددون أمنها يهددون أمن الولايات المتحدة»، وأكد أن «القدس ستبقى عاصمة «إسرائيل» ويجب أن تبقى موحدة». 

ومع وصوله إلى البيت الأبيض، لم تشهد المدينة المحتلة أي تطورات إيجابية، فقد واصلت أذرع الاحتلال تهويد المدينة، واستهداف معالمها العربية والإسلامية، ولم يشهد الاستيطان أي تراجعٍ يذكر، واستمرت السياسة الأمريكية بإعلان الإدانات الشكلية.

وشهد العام الأخير من ولاية أوباما إدانة متـأخرة للاستيطان، ففي 23/ 12/ 2016م، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار رقم (2334)، الذي يطالب بوقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تستخدم حق النقض (الفيتو)؛ ما سمح للقرار بالصدور عن مجلس الأمن. 

وفي 28/ 12/ 2016م، أكد وزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري أنّ بناء المستوطنات تدمر «آمال السلام عند الطرفين»، وفي آخر مؤتمر صحفي لأوباما حذر من أن «نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يمكن أن يكون له نتائج متفجرة».

عاشرًا: الرئيس دونالد ترمب (2017 – 2021م):

شهدت مدة ترمب الانزياح الأبرز صوب الاحتلال، وقد حفلت سنواته الرئاسية بالقرارات التي تدعم الاحتلال وتؤسس لمرحلة مختلفة من التعامل الأمريكي مع المدينة المحتلة، في سياق ما عرف بـ«صفقة القرن»، ففي 6/ 12/ 2017م، أعلن الرئيس الأمريكي ترمب اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال، إضافة إلى نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، ووجه ترمب وزارة الخارجية إلى بدء نقل السفارة إلى المدينة المحتلة. 

وفي 14/ 5/ 2018م، تم نقل مبنى السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، وخلال حفل الافتتاح أكد ترمب، عبر رسالة مصورة، أن القدس عاصمة حقيقية لـ«إسرائيل». 

وقال نائب وزير الخارجية الأمريكي حينها جون ساليفان: إن الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال ونقل السفارة إليها خطوة لإحلال السلام في القدس والمنطقة وكل العالم والاعتراف بالواقع القائم منذ سنوات. 

ومن أبرز الملفات التي عملت إدارة ترمب على إنهائها وكالة «الأونروا»، عبر قطع مساهمات الولايات المتحدة في الوكالة بشكلٍ متدرج، ففي 5/ 1/ 2018م، جمدت الولايات المتحدة نحو 125 مليون دولار من مساهمتها في ميزانية «الأونروا»، وتشكل هذه المبالغ الدفعة الأولى من المساهمة الأمريكية في ميزانية الوكالة لعام 2018م، وكشف مسؤولون في إدارة ترمب أن هذا التجميد جزء من العقوبات الأمريكية على الفلسطينيين، لرفضهم الانخراط في «صفقة القرن». 

وفي 16/ 1/ 2018م، أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية تجميد مبلغ 65 مليون دولار مخصصة لوكالة «الأونروا»، وكان من المفترض أن تتلقى الوكالة هذه الأموال في يناير 2018م.

وبلغ استهداف مدينة القدس في عهد ترمب حجب إداراته مساعدات مالية كانت تقدم لمشافي المدينة المحتلة، ففي 7/ 9/ 2018م، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية حجب 25 مليون دولار أمريكي، كان من المقرر تقديمها إلى المستشفيات الفلسطينية في القدس المحتلة. 

وفي العام الأخير لترمب في البيت الأبيض، أعلن عن بنود «صفقة القرن»، في 28/ 1/ 2020م، وتعهد في مؤتمر صحفي عقد بالبيت الأبيض بمشاركة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بأن القدس ستظل عاصمة غير مقسمة لـ«إسرائيل».

وختم ترمب عهده برعاية اتفاقيات تطبيعٍ عربية مع الاحتلال، وتضمنت اتفاقية «أبراهام»، إشارة واضحة إلى المسجد الأقصى المبارك، فقد نصت على منح المسلمين حرية الوصول والعبادة إلى المسجد الأقصى، بينما يمنح أبناء الديانات الأخرى حرية العبادة في بقية المساحات المقدسة لهم.

وبطبيعة الحال، عني بهذا البند المستوطنون اليهود، وساوت الجهات الموقعة على الاتفاقية ومن بينها الولايات المتحدة بين حق المسلمين الأصيل بالصلاة والتعبد في أرجاء المسجد، وحق مختلق لليهود لممارسة صلواتهم وطقوسهم في الأقصى.

حادي عشر: الرئيس جو بايدن (2021 – 2025م):

خلال عهد بايدن، شهدت مواقفه من القدس عدة تطورات، أولها عدم العودة عن قرار نقل السفارة الأمريكية من القدس إلى «تل أبيب»، على الرغم من انتقاداته السابقة لترمب بسبب هذا القرار، وخلال حملته الانتخابية، أكد بايدن بأنه سيُبقي السفارة في القدس، وفي المقابل أطلق بايدن وعودًا بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في الشطر الشرقي للقدس، التي أغلقها ترمب، وكانت تقدم خدمات للفلسطينيين، ولكن هذا الوعد لم يتحقق حتى نهاية ولايته. 

ولم تتوقف التصريحات الأمريكية الداعمة للاحتلال منذ انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، وهي تصريحات أكدتها إدارة بايدن عبر الدعم اللامحدود لدولة الاحتلال، إنْ من خلال السلاح ومنظومات الدفاع الجوي، وتقديم مليارات الدولارات لتمويل الإبادة بحق الفلسطينيين، ومن خلال المواقف السياسية، وتأمين الغطاء للاحتلال في المحافل الدولية، وتقديم ما تقترفه قوات الاحتلال من جرائم ومجازر مروعة على أنه دفاع عن النفس، والتساوق مع الأكاذيب التي قدمها الاحتلال.

خاتمة

لم تغير قرارات ترمب حول القدس المزاج الدولي العام، الذي بقي يتعامل مع المدينة على أنها أراضٍ محتلة، ولكن الدعم الأمريكي المتصاعد منذ احتلال المدينة، وعدم وجود أي معارضة عربية وإسلامية قادرة على المواجهة، دفعت نحو المزيد من الدعم والانزياح باتجاه الاحتلال، وهذا ما سمح لرئيس على غرار ترمب أن يقوم بما قام به، ومن ثم ما قام به بايدن من دعم مهول للمجازر في غزة ولبنان. 

وتؤكد القراءة الموضوعية لمواقف الرؤساء الأمريكيين، بعدم قيام أي رئيس أمريكي بأي مواقف جادة لوقف تغول الاحتلال، بل كانت السياسة الأمريكية الخارجية في بعض المراحل، تؤكد أن القدس أرض محتلة، وفي الوقت نفسه تعرقل صدور قرارات تحرج الاحتلال، ما سمح للأخير أن يمضي قدمًا في مخططات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

فهل سنشهد المزيد من هذا التغول في عهد ترمب الحالي، وفلسطين والمنطقة على صفيح ساخن؟

 

 

 

 

 

____________________________

1- محمد رشيد حسين، موقف الولايات المتحدة من قضية القدس، 18/10/2008، https://bit.ly/3qgGRuX.

2- الجزيرة نت، 1/ 4/ 2010م، https://bit.ly/3g6G5w4.

3- عبدالناصر الفرا، القدس في القرارات الدولية والأمم المتحـدة، موقع مدينة القدس.

4- الموسوعة الفلسطينية، 5/ 11/ 2020م، https://bit.ly/36Eirnq.

5- مواقف الإدارات الأمريكية من القدس.. تاريخ من التواطؤ، موقع الترا صوت.

6- القدس في سياسة الإدارات الأمريكية، ص 170.

7- السياسات الأمريكية إزاء قضية الدولة الفلسطينية بعد الاتفاق الفلسطيني- «الإسرائيلي»، المركز الديمقراطي العربي، 15/ 12/ 2014م، https://democraticac.de/?p=7186.

8- معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11/ 8/ 2017م، http://bit.ly/2ObOV1u.

9- وكالة الأناضول، 1/ 12/ 2017م، https://bit.ly/36Uwl4R.

10- منى نصولي، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي- «الإسرائيلي»، المجلد الخامس: 1992-1998، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2001، ص 615.

11- الجزيرة نت، 4/ 6/ 2008م، https://bit.ly/3lUGmDv.

12- الجزيرة نت، 24/ 12/ 2016م، https://bit.ly/3lZ7qS0.

13- عرب 48، 28/ 1/ 2016م، https://bit.ly/37Iz2WI.

14- ياسين محمد حمد، تطور الموقف الأمريكي من قضية القدس، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية، عدد 20، عام 2012، ص 142.

15- أحمد جميل عزم، تحولات عملية صنع القرار الأمريكي بشأن القدس، مجلة سياسات عربية – المركز العربي لدراسة السياسات، العدد 43، مارس 2020م، ص 38.

16- Csmonitor، 2/ 4/ 1984م، http://bit.ly/3bBPwSg

17- نيويورك تايمز، 18/ 3/ 1992م، http://nyti.ms/2MqoJjd.

18- وكالة وفا، مشاريع قرارات لمجلس الأمن اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو بحقها، http://bit.ly/3aRYaNo.

19- الجزيرة نت، 1/ 10/ 2002م، http://bit.ly/3q4ydOT.

20- كاثلين كريستيسون، نهاية حقبة سوداء فلسطين – إسرائيل في عهد بوش الابن، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 20، العدد 78 (ربيع 2009)، ص 99، https://bit.ly/3dZQTwS.

21- الجزيرة نت، 11/ 4/ 2005م، http://bit.ly/3kKmCUp.

22- علي إبراهيم، القضية الفلسطينية في عهد ترمب أعوامٌ عجاف، مؤسسة القدس الدولية، بيروت، 2019، ص 5-6، https://bit.ly/3bGaEH8.

23- وكالة الأناضول، 19/ 10/ 2018م، http://bit.ly/3uxpQyN.

24- وكالة الأناضول، 7/ 9/ 2018م، http://bit.ly/2O66hg9.

25- BBC، 28/1/2020، http://bbc.in/3kw0KM.i


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة