20 فبراير 2025

|
ترمب حاول ابتزاز 4 دول بالقارتين..

هل تؤثر التوترات في القارة الأمريكية على دور أمريكا العالمي؟

محمد جمال عرفة

16 فبراير 2025

6584

تُعتبر أمريكا اللاتينية الباحة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية؛ أي مركز حماية لأمنها القومي؛ لذا كانت محط تدخلات مستمرة من جانب المخابرات الأمريكية لإسقاط حكومات يسارية بانقلابات أو تدبير مؤامرات لضمان أن تسير هذه الحكومات اللاتينية في ركابها، وبسبب هذه السياسات الأمريكية التدخلية في شؤون القارة أسفرت أغلب انتخابات دول أمريكا اللاتينية عن فوز حكومات معادية لواشنطن أو مستقلة عن سيطرتها.

مع مجيء الرئيس الأمريكي اليميني المتطرف دونالد ترمب للسلطة، شرع في سلسلة أعمال بلطجة اقتصادية تتضمن عقوبات وتهديدات ومحاولات لابتزاز أمريكا اللاتينية، وتصادَم مع 3 دول لاتينية، هي: بنما وكولومبيا والمكسيك، بحجج مختلفة هدفها الابتزاز المالي.

كما دخل في صدام مع كندا التي تحمي شمال أمريكا، حين طالب بضمها لأمريكا لتصبح الولاية الـ51؛ ما زاد الخلافات والتوترات في المنطقة بصورة يتوقع المحللون أن تنعكس بالضعف على دور أمريكا العالمي؛ إذ إنها خلافات تمس الباحة الخلفية لأمريكا وأيضاً حدودها في الشمال (كندا).

ورفضت كولومبيا استقبال 80 مهاجراً كولومبياً أعادتهم الولايات المتحدة على متن طائرتين عسكريتين، وهم مكبلون، منتقدة عدم احترام آدميتهم، ضمن إجراءات إدارة ترمب الجديدة بترحيل المهاجرين، وقد فرض الرئيس الأمريكي سلسلة عقوبات اقتصادية عليها، وردت عليها كولومبيا بعقوبات مضادة ضد أمريكا.

أمريكا اللاتينية تعتبر الباحة الخلفية للولايات المتحدة ومركز حماية أمنها القومي

وأراد ترمب معاقبة كولومبيا ليس فقط لتمردها على قراراته بإعادة مهاجرين، ولكن لموقفها السابق من «إسرائيل»؛ حيث عارضت الاحتلال وإبادة غزة وقطعت علاقتها مع «إسرائيل»، فكانت النتيجة رد كولومبيا على عقوباته بحرمان الولايات المتحدة من ثاني أكبر سوق في أمريكا الجنوبية بعد البرازيل، حيث تحتل كولومبيا المركز الثاني في عدد السكان، والثالث من حيث الاقتصاد والناتج المحلي.

وأعلنت كولومبيا فرض رسوم جمركية ضد البضائع الأمريكية بنسبة 50%، وهي نسبة ضخمة تجعل من الصعب تسويق المنتج الأمريكي داخل كولومبيا، وأي شركة تفكر في الاستثمار في ذلك تعرض أموالها للخطر.

وكان لافتاً في رد الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو على ترمب قوله: «نحن شعب تجري في عروقه دماء حضارة قرطبة والخلافة الأندلسية (الإسلامية)، وحضارة الإمبراطورية الرومانية في أثينا»؛ ما يشير ضمناً للاعتداد بحضارة المسلمين.

لم تثر كولومبيا فقط، بل تحركت أمريكا اللاتينية ضد ترمب، وقالت رئيسة الهندوراس: «في حالة الانتقام من مهاجرينا، سيتعين علينا إعادة النظر في سياسات التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى مدى عقود حصلوا على قواعد عسكرية على أرضنا دون دفع سنت واحد».

وضمن سعيه لتركيع دول أمريكا اللاتينية، وقع ترمب إعلاناً يحدد يوم 9 فبراير يوماً رسمياً يُعرف باسم «يوم خليج أمريكا»، وذلك بعدما قام بتغيير اسم «خليج المكسيك»؛ حيث أعلن بعد أدائه اليمين الدستورية أن إدارته سوف تعمد إلى تغيير اسم خليج المكسيك إلى «خليج أمريكا»؛ ما أثار غضباً لاتينياً ودولياً.

وفي لهجة ساخرة، قالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم: إن الولايات المتحدة كانت تسمى في القرن السابع عشر بـ«أمريكا المكسيكية»، مضيفة أنه اسم جميل مع احترامي لترمب!

حروب تجارية

بعد ساعات من إعلان كارولين ليفات، المتحدثة باسم البيت الأبيض، فرض الرئيس الأمريكي ترمب زيادة جمركية بنسبة 25% على البضائع الكندية والمكسيكية، و10% فقط على الصين، قالت صحف أمريكية: إن هذه الحرب التجارية لن تضر فقط الأمريكيين الذين سيعانون من ارتفاع أسعار السلع، ولكن أيضاً النفوذ السياسي والعالمي لأمريكا في أهم وأقرب منطقة لها تعتبر ساحتها الخلفية.

المخابرات الأمريكية تدخلت لإسقاط حكومات يسارية لضمان سير الدول اللاتينية في ركابها

وقد حذر خبراء عبر موقع «كونفرزيشن» الأمريكي، مطلع فبراير 2025م، من أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب بنسبة 25% على كندا والمكسيك سوف تزيد من خطر اندلاع حرب تجارية أوسع نطاقاً، وقالوا: إن الحرب التجارية في أمريكا الشمالية، التي تنبأت بها الحكومتان الكندية والمكسيكية، قد تكون مجرد نذير للأحداث القادمة، وهي ضرر اقتصادي كبير، وتآكل الثقة بين الشركاء التجاريين، وزيادة التقلبات في الأسواق.

وأكدوا أن التحرك الذي اتخذته الولايات المتحدة ضد جيرانها سوف يخلف تأثيراً فورياً تقريباً على الدول الثلاث المعنية وعلى المشهد التجاري في أمريكا الشمالية، ويمثل بداية لإعادة تشكيل جذرية للتجارة الدولية والحوكمة السياسية في مختلف أنحاء العالم.

وأوضح الخبراء أن حجم التجارة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك هائل، ويشمل مجموعة واسعة من السلع والخدمات، ومن بين القطاعات الأكبر حجماً تصنيع السيارات، والطاقة، والزراعة، والسلع الاستهلاكية، وسوف تكون صناعة السيارات، التي تعتمد على التجارة عبر الحدود، واحدة من أكثر الصناعات تضرراً، فالسيارة التي يتم تجميعها في كندا أو المكسيك أو الولايات المتحدة تعتمد إلى حد كبير على إمدادات الأجزاء من مختلف أنحاء أمريكا الشمالية.

وأضافوا أنه ستؤدي التعريفات الجمركية إلى رفع التكاليف على طول سلسلة التوريد هذه؛ ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين وجعل المصنعين في الولايات المتحدة أقل قدرة على المنافسة، مؤكدين أن كندا والمكسيك قد ترد باستهداف الصناعات الحساسة سياسياً مثل الزراعة أو البنزين؛ ما سينعكس على المستهلكين الأمريكيين الذين وعدهم ترمب بتخفيف العبء عنهم، وقد يلجؤون لخيارات قانونية من خلال آليات حل النزاعات المنصوص عليها في اتفاق الولايات المتحدة والمكسيك وكندا أو منظمة التجارة العالمية.

ترمب شرع بأعمال بلطجة اقتصادية لابتزاز دول القارة وتصادم مع بنما وكولومبيا والمكسيك

 

ورد رئيس وزراء كندا جاستن ترودو بالمثل على قرارات ترمب التجارية ضد بلده بفرض رسوم جمركية مضادة على السلع الأمريكية، كما بدأ الكنديون حملة مقاطعة للسلع الأمريكية؛ وهو ما أظهر أن الدول التي تحترم سيادتها ترد بحزم على القرارات التي تمس كرامتها، وأظهر أن سلوك ترمب وخلقه التوترات في أمريكا اللاتينية وكندا ضرب صورة أمريكا العظمي، وجعل الدول تتحدى النفوذ الأمريكي؛ ما سيضعف دور أمريكا العالمي لصالح الصين وروسيا.

وكان ترمب حاول أيضاً فرض البلطجة على بنما، وأعلن أنه سيسيطر على قناة بنما بحجة أن أمريكا ساهمت في بنائها، وكان هدفه مادياً يتمثل في تخفيض رسوم عبور السفن الأمريكية، وحين رفضت بنما أشاع أنهم قبلوا مرور سفن أمريكا «مجاناً»؛ وهو ما أثار سخرية العالم منه، ونفته بنما! مؤكدة أن سفن أمريكا ستدفع رسوماً مثل بقية السفن، لتنتهي معارك ترمب كلها بالخسارة وتراجع نفوذ أمريكا في المنطقة اللاتينية والعالم.


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة