وهم يغردون..!

رغم الخذلان
الماحق الذي ما سبق به العرب والمسلمون قط.. حتى أيام المغول والتتار!
ورغم تكالب
شياطين الإنس والجن على نصرة صهيون، بما يفوق الخيال من أسلحة دمار شامل.
ورغم طبيعة
الأرض المحصورة ماء وغذاء وطاقة ودواء وكساء.. من البر والبحر والسماء منذ سنوات
طوال.. فربما يفوق ذلك العجب، أن نجد أسود «الطوفان»، وهم ينفذون عملياتهم تحت
جبال المستحيل، ينشدون الأشعار، ويهزجون بالأغاريد، ويتغنون بالأناشيد، ويقفزون في
الهواء نشوة وطرباً.. وليس في ذلك أدنى غرابة أو عجب، إنهم أحفاد ابن رواحة، الذي
كان يردد، على شفير الموت:
يا نفس إلا
تقتلي.. تموتي
هذا حمام الموت
قد صليت
وما تمنيت فقد
أعطيت
إن تفعلي فعلهما
هديت
وينشد على إثر
استشهاد سابقيه زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب:
أقسمت يا نفس
لتنزلنه
لتنزلن أو
لتكرهنه
وكان علي بن أبي
طالب يهدر في حومات الوغى:
أنا الذي سمتني
أمي حيدرة
ضرغام آجام،
وليث قسورة
وهكذا كان
المجاهدون.. يرتجزون، ويهزجون، ويرملون وهم يزحفون ويركبون، ويرمون ويدكون.
سلف
وخلف
وبخصوص أسود «الطوفان»،
لنا أن نعلم أن سلفهم الحديث والقديم كان كذلك.. فالدكتور الفقيه المجاهد محمد
صيام، رئيس جامعة غزة الإسلامية، شاعر فحل، له عدة دواوين شعرية مطبوعة، ومعه على
الطريق كوكبة ماجدة من أمثال خالد أبو العمرين، والشاعر المجاهد الفخم د. عبدالرحمن
بارود، ود. عبد العزيز الرنتيسي، أسد غزة.
كما أن د. محمود
الزهار كاتب قصة متميز وكاتب سناريو وحوار مبدع، وله فيلم معروف «عاشق البندقية».
وكذلك، فإن خالد
مشعل، وإسماعيل هنية، وأسامة حمدان، خطباء فصحاء بلغاء.
ولا أحدثك عن
مئات العلماء الفقهاء المشاهير أمثال د. عبدالله عزام، ود. نزار ريان، وبينهما
طائفة يعز حصرها من الأكابر.
وشيخ الأقصى
الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر الذي كتب معظم أشعاره أغاريد
السجون في سجون الاحتلال الصهيوني، حيث كان يناجي ربه في سجنه بهذه الضراعات:
يا مؤنس كل غريب
ومغيث ندا
المكروب
محتار الدرب
سليب
والحال عليه
صعيب
حسبي أنت الله
يا جابر كل كسير
يدعو في الله
حسير
بجراح القلب
أسير
وغزير الدمع
صبور
حسبي أنت الله
ثم يقول:
يا أمتي والقدس
في صرخاتها هل من جواب
ماذا نقول
لربنا، والعرض تنهشه الذئاب؟
ويقول من قصيدة
أخرى:
قوموا إلى القدس
الشريف مهللين مكبرين
من كل أرض
أقبلوا بخطى البطولة واليقين
رغم اللئام
تقدموا والله خير الناصرين
والخزي كل الخزي
ثم العار للمتخلفين
التجنيد
الأدبي
هذا الأداء
الرسالي يسميه د. جابر قميحة «التجنيد الأدبي».
ولعلنا، لن يغيب
عنا أبداً، تلك الصرخات التاريخية المدوية «حلل يا دويري» التي أطلقها المجاهد
مهند رزق جبريل، خريج كلية الإعلام، جامعة فلسطين، بعد استهدافه قوة صهيونية مكونة
من 10 جنود، وقضائه عليهم جميعاً، التي غدت نشيداً:
حلل يا دويري..
حلل يا دويري
واللي أنا
عملته.. ما عمله غيري
في المحتل
الغاصب اللي بيسرق خيري
أو ذلك المجاهد
الذي أنشد:
ضع في يدي
القيد، ألهب أضلعي
بالسوط، ضع عنقي
على السكين
لن تستطيع حصار
فكري ساعة
أو نزع إيماني
ونور يقيني
فالنور في قلبي،
وقلبي في يدىْ
ربي، وربي ناصري
ومعيني
سأعيش معتصما
بحبل عقيدتي
وأموت مبتسماً
ويحيا ديني
ومن منا سينسي
يوماً تلك القفزة العالية، ذات الصرخة الخالدة المدوية: «ولعت»! بعد نسفه «ميركافا»
صهيونية بمن فيها، تلك التي أطلقها المجاهد ماهر عدنان أبو سنه، الذي استشهد فيما
بعد، أثناء مقاومته لجيش الصهاينة، أثناء قصفه لمسجد فلسطين في 19 يناير 2024م،
بخان يونس، هذه الصيحة، التي أوحت إلى عالمة البيولوجي، الشاعرة المصرية النبيلة د.
عبير زكريا برائعتها «قد ولعت»:
قد ولعت، قد
ولعت، قد ولعت، قد ولعت
قمم الجحيم
تحطمت وتأججت وتشعشعت
وتفحمت تلك
الحصينة في الركام بمن وعت
فخر العروبة يا
فتى من أرضعتك ومن رعت
بلغ رفاقك عذرنا
فجباهنا قد خضعت
وقلوبنا في
غلفها، باتت بجب ما وعت
ولنا أياد من
قرون في القيود، وما سعت
أنتم عصارة أمة،
للنور والحسنى دعت
سلم الحبيب أبو
عبيدة والسميّ ومن نعت
يشفي بدعوته
الصدور، ومهجة، قد أوجعت
الحرف منه
خميلة، وسط الجحيم ترعرعت
عذراً فتانا،
فالدروب أمامنا قد قطعت
أشعارنا عبر
العصور تطاولت وتنطعت
وتفاخرت وتمايلت
فوق الجباه وجعجعت
أعتى القلاع،
بشدونا حين النزال تصدعت
وتساقطت تيجان
فخر في الثرى وتضعضعت
والظلمة الظلماء
حلت حولنا وتربعت
حتى بزغتم يا
فتى من تحت أرض أينعت
أنفاقكم تلك
الرحابة بالإباء تشبعت
قدّ اليقين
ظلامها، والمعجزات تجمعت
إذ جرعت أهل
الفجور ببأسها ما جرعت
هلل وكبر يا
فتى.. قد ولعت، قد ولعت
أنتم أغاريد
الهدى ويد المهيمن أبدعت
رعد الحروف
غناؤكم.. ملء البسيطة أسمعت
سلام على أهل
فلسطين أجمعين، وسلام على أسود «الطوفان»، وسلام من الله على سيد شهداء العصر أبي
إبراهيم يحيى السنوار صاحب «الشوك والقرنفل».
نعم إنه الحداء
والغناء والفداء، لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكانوا على الحق ظاهرين،
لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وقد قدمت
أرواحهم من فراديس الجنان، تحوم في حواصل طير خضر، لترابط في بيت المقدس، وأكناف
بيت المقدس.