الإنفاق الثقافي في العالم العربي.. الواقع والتحديات والآفاق المستقبلية

د .هبة جمال

07 أبريل 2025

195

يُعد الإنفاق الثقافي مؤشراً مهماً على مدى اهتمام الدول بتطوير قطاعاتها الإبداعية والفنية، حيث يُسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتحفيز الصناعات الثقافية ودعم الابتكار فيها، ومع ذلك فإن الإنفاق على الثقافة في العالم العربي لا يزال منخفضًا مقارنة بالمعدلات العالمية، على الرغم من الجهود المبذولة في بعض الدول العربية لزيادة معدل هذا الإنفاق.

بناًء عليه، يُرَكز على تحليل حجم الإنفاق الثقافي في بعض الدول العربية مقارنة بالمعايير الدولية، مع إبراز التحديات التي تعيقه، لذا تُعد كل من السعودية والإمارات أنموذجًا يحتذى به في المنطقة من حيث تخصيص الميزانيات المرتفعة لدعم القطاع الثقافي، ومن حيث استعراض المبادرات الناجحة التي أطلقتها هاتان الدولتان، كدعم الفنون والإبداع من خلال المهرجانات والمعارض الدولية، ودعم الصناعات الثقافية والإبداعية؛ ما يعزز من حضورهم الثقافي على الساحة الدولية.


الدول تستخدم الثقافة لبناء قوتها.. فما أسباب ضعف الثقافة العربية الحديثة؟ |  مجلة المجتمع الكويتية
الدول تستخدم الثقافة لبناء قوتها.. فما أسباب ضعف الثقافة العربية الحديثة؟ | مجلة المجتمع الكويتية
القراءة النقدية للإنتاج الثقافي العربي يجعلك تدرك...
mugtama.com
×


أولًا: حجم الإنفاق الثقافي في الدول العربية:

تشير البيانات المتاحة إلى أن نسبة الإنفاق على الثقافة في العديد من الدول العربية لا تزال محدودة، حيث تتراوح بين 0.03% و0.29% من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول، وذلك وفقًا للبنك الدولي، وفي المقابل يُقدر المتوسط العالمي للإنفاق على الثقافة بحوالي 6.1% من الاقتصاد العالمي؛ ما يشير إلى فجوة كبيرة بين الدول العربية ونظيراتها العالمية.


جدول يوضح حجم الإنفاق الثقافي في بعض الدول العربية مقارنةً بالعالم

الدولة

نسبة الإنفاق الثقافي من الناتج المحلي الإجمالي (%)

الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي)(1)

0.32% عام 2020م

المملكة العربية السعودية(2)

بين (1.7% - 2.6%) والمرتجى 3% بحلول 2030م.

متوسط بعض الدول العربية(3)

بين (0.03% - 0.29%)

متوسط دول الاتحاد الأوروبي(4)

1.0% عام 2023م

مالطا (أعلى معدل إنفاق ثقافي في أوروبا)

2.6% من إجمالي الإنفاق الحكومي على الثقافة

إستوانيا

2.2%

متوسط الإنفاق الثقافي العالمي(5)

6.1%

 

ثانيًا: التحديات التي تواجه الإنفاق الثقافي في العالم العربي:

1- ضعف الميزانيات المخصصة للثقافة: رغم أهمية الثقافة في بناء الإنسان وتعزيز الهوية الوطنية، فإن معظم الدول العربية تُهمِّش الثقافة لصالح قطاعات أخرى كالأمن والصحة والتعليم؛ ما يعيق تطوير البنية الثقافية ودعم الإبداع.

2- غياب الإستراتيجيات: يؤدي غياب الرؤى الثقافية المتكاملة إلى عشوائية الإنفاق وضعف التنسيق بين الجهات المعنية.

3- ضعف مساهمة القطاع الخاص: يُهيمن التمويل الحكومي على الأنشطة الثقافية في العالم العربي، في ظل غياب التشجيع وضعف الشراكات مع القطاع الخاص، مما يُقوّض دعم المبادرات الإبداعية.

4- ضعف البُنى التحتية: تعاني الدول العربية من قلة المؤسسات الثقافية وضعف تجهيزها، إلى جانب نقص الكوادر المؤهلة وغياب الصيانة والتطوير، ما يعيق نمو الصناعات الثقافية ويُحد من جذب الاستثمارات وفرص العمل.

5- ضعف التشريعات: فالأطر القانونية غير محدثة وتفتقر للمحفزات وحماية الملكية الفكرية، مما يُضْعِف جذب الاستثمار.

6- مركزية القرار: تُدار السياسات بشكل مركزي مع ضعف مشاركة المجتمع والمبدعين، فتفقد المبادرات فعاليتها واستدامتها.


النموذج الإسلامي للثقافة العربية (تراث) |  مجلة المجتمع الكويتية
النموذج الإسلامي للثقافة العربية (تراث) | مجلة المجتمع الكويتية
  ينهض «النموذج» بدور محوري في تحديد «الأسوة...
mugtama.com
×


ثالثًا: الآفاق المستقبلية.. كيف يمكن تعزيز الإنفاق الثقافي؟

1- زيادة الميزانيات الحكومية للثقافة: ينبغي للحكومات العربية زيادة المخصصات المالية للقطاع الثقافي والنظر إليه كاستثمار طويل الأجل، وذلك في إطار الاعتراف بالدور الحيوي الذي تؤديه الثقافة في التنمية الشاملة، فالفنون والإبداع محرك من محركات النمو الاقتصادي والاجتماعي، حيث تساهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتنمية رأس المال البشري، وخلق فرص عمل جديدة.

2- تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار الثقافي: يمكن للحكومات تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في الفنون والثقافة؛ ما يُحفز القطاع الخاص على دعم الأنشطة الثقافية ويساهم في توسيع نطاق المشاريع الثقافية.

3- تَبنِّي سياسات ثقافية مستدامة: يجب وضع إستراتيجيات ثقافية طويلة الأمد تشمل تعزيز التمويل وتطوير البنية التحتية الثقافية، مما يضمن استدامة القطاع الثقافي ويعزز الابتكار والحفاظ على التراث.

4- تعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية: الصناعات الثقافية كالسينما والموسيقى يمكن أن تُصبح مصدراً رئيساً للدخل إذا تم الاستثمار فيها بشكل صحيح، مع تشجيع المبدعين وتسويق الإنتاج الثقافي محليًا وعالميًا.

5- تطوير البنية التحتية الثقافية: يتطلب تعزيز الأنشطة الثقافية بناء مراكز ثقافية، كالمسارح والمتاحف ودور نشر حديثة، مما يوفر بيئة مناسبة للإبداع ويسهم في جذب السياحة الثقافية.

برغم التحديات، بدأت بعض الدول العربية كالإمارات والسعودية في تعزيز دور الثقافة ضمن اقتصاداتها، لكن لا تزال الحاجة قائمة لتبني سياسات تضمن استدامة هذا القطاع وتعزز مساهمته التنموية، فالاستثمار في الثقافة ضرورة لبناء مجتمعات متقدمة وقادرة على المنافسة عالميًا، وفي هذا السياق، يُطرح مشروع المدينة الثقافية الذكية كنموذج تطبيقي يُجسِّد إمكانية توظيف التكنولوجيا والابتكار في تنمية الثقافة وتحقيق أثر اقتصادي واجتماعي مستدام.


مشروع «المدينة الثقافية الذكية» 

البند

الوصف

فكرة المشروع

 

إنشاء مدينة ثقافية ذكية (افتراضية أو فعلية) في إحدى الدول العربية، تكون بمثابة منصة شاملة لإبراز التنوع الثقافي العربي، وتعزيز الإنفاق الثقافي المستدام، قائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.

حجم الإنفاق الثقافي (الواقع) في المشروع

 

1)       يتم تحليل الميزانيات الحكومية الحالية المخصصة للثقافة في الدول العربية المشاركة.

2)       تسليط الضوء على الفجوة بين ما يُخصص للثقافة وما تحتاجه المشروعات الثقافية الفاعلة.

3)       توثيق النماذج الحالية (دور وزارة الثقافة، المجالس الأدبية، المهرجانات الثقافية... إلخ).

التحديات التي تواجه الإنفاق الثقافي (كما تظهر في المشروع) 

 

1)       ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة.

2)       غياب التمويل المستدام، والاعتماد شبه الكامل على الموازنات الحكومية.

3)       عدم وجود بيانات دقيقة حول العائد الاقتصادي والاجتماعي من الثقافة.

4)       ضعف البنية التحتية الداعمة للمشروعات الثقافية التكنولوجية.

الآفاق المستقبلية – تعزيز الإنفاق الثقافي (المخرجات المقترحة للمشروع)

 

1)       منصة تمويل جماعي ثقافي: تطوير تطبيق إلكتروني يتيح للأفراد والمؤسسات تمويل المبادرات الثقافية (مثل: المكتبات، العروض المسرحية، ورش الفنون،...).

2)       صندوق استثماري ثقافي عربي مشترك: تدعمه الدول العربية بميزانيات محددة، يوفر قروضًا ومنحًا للمشاريع الثقافية الواعدة، خاصةً للشباب.

3)       احتضان الابتكار الثقافي: دعم الشركات الناشئة (Startups) العاملة في المجال الثقافي الرقمي (كتب إلكترونية، تطبيقات تراثية، متاحف افتراضية...).

4)       الشراكة مع القطاع الخاص: تحفيز المؤسسات التجارية، باقتراح تخصيص جزء من أرباحها لدعم الفنون مقابل مزايا ضريبية.

5)       مؤشر الإنفاق الثقافي العربي: تطوير مؤشر سنوي يقيس مستوى الإنفاق الثقافي وتأثيره على الناتج المحلي لكل دولة عربية.

كيف يحقق المشروع أثرًا ملموسًا؟

 

1)       اقتصاديًا: يخلق فرص عمل في الصناعات الإبداعية.

2)       اجتماعيًا: يعزز الهوية والانتماء العربي المشترك.

3)       سياسيًا: يدعم الاستقرار من خلال تمكين الشباب ثقافيًا.

4)       رقميًا: يجعل الثقافة العربية جزءًا من الحضور العالمي على الإنترنت.

 

 





__________________

1- Elena Raevskikh, Usman Khalid, Jorge Pinto,“The share of the culture sector in Abu Dhabi’s GDP Introductory report”, Submitted on 23 Sep 2022., P.17.

2-  “Preserving the Past, Building the Future: Saudi Arabia’s cultural heritage and business synergy”, March 28, 2025. https://bit.ly/4235gcB.

3- World Bank Data.

4- Eurostat, “Government expenditure on cultural, broadcasting and publishing services”. https://bit.ly/4crrgS2.

5- “The Vibrant Culture of Saudi Arabia Today”, August 05, 2024. https://bit.ly/4i4Hy4s.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة