إعمار.. أم استعمار!

تحوَّل المؤتمر الدولي لإعمار غزة الذي شهدته مدينة شرم الشيخ المصرية يوم الإثنين الماضي (2/ 3/ 2009م) إلى احتفالية دولية دعائية لتحقيق السياسات الغربية المتحالفة مع بعض السياسات الإقليمية في المنطقة، وهي السياسات الداعمة للكيان الصهيوني، ولتوجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وقد تمت إحاطة المؤتمر بهالة دعائية ألحت على توصيل رسالة للرأي العام مفادها أن المؤتمر مهتم بتعمير غزة وبأهمية فتح الكيان الصهيوني للمعابر مع قطاع غزة، وذلك لإيهام الرأي العام بأن دول العالم السبعين التي حضرت المؤتمر، وخاصة -الغرب- تقوم بواجبها الإنساني نحو القطاع المنكوب، لكن المؤتمر الذي كان سخياً في إعلان أرقام الدعم حتى وصلت خمسة مليارات شدد على أن هذه الأموال ينبغي -وفق وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون- ألا تصل إلى الأيدي الخطأ أي «أيدي حركة حماس»، في محاولة لتجاهل حركة حماس وتغييبها عن ساحة الإعمار، بينما أفسح المجال على مصراعيه لمحمود عباس وسلطته ليكون حاضراً وبقوة هناك، وذلك يعد استمراراً للسياسة الأمريكية والغربية وبعض الدول الإقليمية التي تعمل -منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2005م- على إسقاطها وإخراجها من الساحة بل واجتثاثها، ويشهد على ذلك المؤامرات والحملات التي شُنّت على تلك الحركة -وكان آخرها الحرب الشرسة على غزة- والتي فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق ما يريدون، حيث خرجت حركة حماس من تلك الحرب أقوى مما كانت ميدانيا، ومعنويا وسياسيا، فتواصلت المخططات عبر حملة سياسية لا تقل ضراوة عن حرب غزة، أملاً في تحجيم المقاومة وفي القلب منها حماس، وإبعادها عن الساحة مقابل التمكين لمحمود عباس وسلطته.

وقد كانت مفاوضات التهدئة مع العدو الصهيوني ومحاولات تحقيق المصالحة الفلسطينية، ثم مؤتمر إعمار غزة قنوات مهمة لتحقيق هذا الغرض، كما كان مؤتمر إعادة الإعمار محاولة جديدة لاقتحام غزة والسيطرة عليها والتمكين لتيار المفاوضات والتطبيع والاستسلام بقيادة محمود عباس ليقود عمليات إعادة الإعمار، وعودة الحياة إلى طبيعتها في غزة، وبالتالي تعود إليه السلطة وإلى أجهزته الأمنية السطوة، وستكون الحجة أنهم جاؤوا ليُعمروا غزة، ويُعيدوا الحياة إليها، بينما كانت المقاومة -حسب مزاعمهم- السبب في تدميرها، وهكذا تروّج الدعاية الرخيصة، لكن هيهات هيهات أن يتحقق لهم ذلك، فالشعب الفلسطيني مازال ملتفاً حول حكومته المنتخبة انتخاباً ديمقراطياً ويدرك جيداً ما يبيت له بينما عباس فاقد للشرعية منذ انتهاء ولايته في 9/ 1/ 2009م.

إن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الذي أقام الكيان الصهيوني وسانده بكل ألوان الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي، ليقترف مجازره الإجرامية على امتداد تاريخ القضية الفلسطينية ضد الشعب الفلسطيني يتاجر اليوم في ميدان السياسة بقضية إعمار غزة، وآلام المشردين من الأطفال والنساء، مما يؤدي إلى حرمانهم من أبسط مقومات الحياة، وكان الأولى به أن يجنب تلك المأساة الإنسانية ألاعيب السياسة وصفقاتها الرخيصة.

وغني عن البيان هنا، فإن قيام دول مجلس التعاون الخليجي بتخصيص أكثر من مليار دولار للمساعدة في الإعمار عبر صندوق مفتوح لكل الدول العربية للمشاركة فيه، ويكون الإنفاق منه تحت إشراف الصناديق العربية والبنك الإسلامي بعيداً عن تسييس هذا الدعم، وبعيداً عن خلافات الفصائل هو نموذج جيد وجاد لأنه يبتغي أولاً وأخيراً سرعة إنهاء تلك المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، إن ذلك الموقف من دول الخليج يجب دعمه عربياً وزيادة رصيده، حتى لا يترك المجال للقوى الدولية والقوى الإقليمية الموالية لها من التلاعب بقضية «الإعمار»، وتحويلها إلى متاجرات ومساومات سياسية تزيد من مأساة الشعب الفلسطيني، وتعقد قضيته لصالح الكيان الصهيوني(1).

للمزيد: 

مؤامرة جديدة على القدس...!! 
لمن تدق الأجراس في «تل أبيب»؟! 
علاقة الصهيونية بالنازية 
الحركة الصهيونية عوامل النهوض والانهيار



________________

(1) نُشر بالعدد (1842)، 10 ربيع الأول 1430هـ/ 7 مارس 2009م، ص5.  

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة