24 فبراير 2025

|

أخوف ما يخاف النبي ﷺ على أمته!

بلغ حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته مبلغاً عظيماً، حيث أوضح القرآن الكريم أن من أهم ما تميز به النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على أمته، فقد قال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128)، ومن دلائل حرصه على أمته أن أوضح لهم ما يخافه عليهم، ويتبين ذلك فيما يأتي:

1- فتنة الدنيا والتنافس فيها:

روى مسلم في صحيحه عَنْ ‌أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا ‌يُخْرِجُ ‌اللهُ ‌لَكُمْ ‌مِنْ ‌زَهْرَةِ ‌الدُّنْيَا»، قَالُوا: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «بَرَكَاتُ الْأَرْضِ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ». 

وروى البخاري، ومسلم، في صحيحيهما عَنْ ‌عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ ‌الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ ‌عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ «بَدْرًا» مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ؟»، فَقَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ ‌مَا ‌الْفَقْرَ ‌أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ».

2- الإشراك بالله:

روى ابن ماجه في سننه عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخْوَفَ ‌مَا ‌أَتَخَوَّفُ ‌عَلَى ‌أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا، وَلَا قَمَرًا، وَلَا وَثَنًا، وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً»؛ في هذا الحديث يحذِّر النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك الخفي، وهو الذي يعمل فيه المسلم أعمالاً قد تكون من العبادات أو الحسنات، لكنه لا يقصد بها وجه الله تعالى، أو يرائي بها الناس. 

وروى أحمد في مسنده عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَتَنَاوَبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَبِيتُ عِنْدَهُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ، أَوْ يَطْرُقُهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَبْعَثُنَا فَيُكْثِرُ الْمُحْتَسِبِينَ وَأَهْلُ النُّوَبِ، فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: «مَا هَذِهِ النَّجْوَى؟ أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنِ النَّجْوَى؟»، قَالَ: قُلْنَا نَتُوبُ إِلَى اللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّمَا كُنَّا فِي ذِكْرِ الْمَسِيحِ فَرَقًا مِنْهُ، فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَسِيحِ عِنْدِي؟»، قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ: أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ لِمَكَانِ رَجُلٍ». 

وروى أحمد في مسنده عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ»، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً».

3- عملُ قوم لوط:

روى الترمذي، وابن ماجه، بسند حسنه الألباني عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ»، وهو إتيان الرجال شهوة من دون النساء.

4- لسان السوء:

ففي صحيح ابن حبان، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: قُلْ: رَبِّيَ اللهُ، ثُمَّ اسْتَقِمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ قَالَ: ‌فَأَخَذَ ‌بِلِسَانِ ‌نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا»، والْمَعْنَى فِي أَخْذِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيه وسَلم لِسَانَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: «هَذَا»، وَقَدْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ: اللِّسَانُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ لِسَانَهُ، أَنَّهُ صَلى الله عَلَيه وسَلم كَانَ عَالِمًا بِالْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يُعِلِّمُ النَّاسَ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْبِقَ بنَفْسِهِ إِلَى الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ الَّذِي اسْتُعْلِمَ، فَعُلِمَ بِأَنَّهُ أَخْبَرَ السَّائِلَ بِأَنَّ أَخْوَفَ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُورِدَ صَاحِبَهُ الْمَوَارِدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ، وَلَا يُطْلِقَهُ.

5- كل منافق عليم اللسان:

روى أحمد في مسنده بسند صححه الألباني عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ»، والمنافق عليم اللسان هو الشخص الذي يمتلك القدرة على التحدث ببلاغة وفصاحة، لكنه يستخدم هذا الأسلوب لخداع الناس، وهو في الحقيقة منافق، يظهر الخير ويبطن الشر.

6 – الأئمة المضلون:

روى أحمد في مسنده أن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه قال لِكَعْبٍ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ فَلا تَكْتُمْنِي؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَكْتُمُكَ شَيْئًا أَعْلَمُهُ، قَالَ: مَا ‌أَخْوَفُ ‌شَيْءٍ ‌تَخَوَّفُهُ ‌عَلَى ‌أُمَّةِ ‌مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَئِمَّةً مُضِلِّينَ، قَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ، قَدْ أَسَرَّ ذَلِكَ إِلَىَّ وَأَعْلَمَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، والمعنى أن من أخطر الفتن على الأمة وجود قادة أو علماء يضلّون الناس عن الحق ويزيّنون لهم الباطل.


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة