الضفة تحت النار.. معاناة يومية وصمود لا ينكسر

تعيش الضفة
الغربية واحدة من أكثر الفترات دموية في تاريخها الحديث، حيث تتصاعد انتهاكات
الاحتلال «الإسرائيلي» بشكل غير مسبوق، مخلفة وراءها واقعًا مأساويًا يطال جميع
جوانب الحياة الفلسطينية، ولم يعد القمع مقتصرًا على لحظات المواجهة المباشرة، بل
أصبح نمط حياة قسريًا يفرضه الاحتلال على الفلسطينيين ليلًا ونهارًا، محاولًا كسر
إرادتهم وإخضاعهم بالقوة.
الاقتحامات
والاعتقالات والتصفيات الميدانية
تكاد لا تمر
ليلة دون أن تجتاح قوات الاحتلال مدن ومخيمات الضفة، حيث تتكرر الاقتحامات العنيفة
للمنازل، وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل الصوت والغاز، الهدف ليس فقط اعتقال
المطلوبين، بل ترهيب السكان المدنيين، وتحويل حياتهم إلى جحيم يومي.
والاعتقالات
التعسفية تطال الجميع، من الأطفال إلى الشيوخ، وغالبًا ما تتم دون تهم واضحة، حيث
يقبع آلاف الأسرى الفلسطينيين خلف قضبان السجون «الإسرائيلية» تحت مسمى «الاعتقال
الإداري»، وهو إجراء يسمح باعتقال الفلسطينيين دون توجيه تهم أو محاكمة.
في الأشهر
الأخيرة، تصاعدت عمليات التصفية الميدانية بذرائع أمنية واهية، حيث أصبح إطلاق
النار على الفلسطينيين عند الاشتباه بهم أمرًا شائعًا، العديد من الشبان تم
إعدامهم بدم بارد، دون أي محاولة لاعتقالهم أو تحييدهم، ما يؤكد أن الاحتلال يعتمد
سياسة ممنهجة تهدف إلى ترهيب السكان وتكريس حالة من الرعب الدائم.
الحواجز
العسكرية وخنق الحياة اليومية
تنتشر الحواجز
العسكرية «الإسرائيلية» في كافة أرجاء الضفة الغربية، حيث تحوّلت الطرق الرئيسة
إلى نقاط تفتيش دائمة تعيق حركة الفلسطينيين وتعزل المدن والقرى عن بعضها بعضاً،
هذا الحصار الممنهج يجعل الوصول إلى المستشفيات، والمدارس، وحتى أماكن العمل،
معاناة يومية لا تنتهي.
إلى جانب
الحواجز، تنفذ سلطات الاحتلال عمليات إغلاق متكررة للمدن الفلسطينية، خاصة بعد أي
عملية مقاومة، الإغلاق التام للطرق الرئيسة، ومنع الدخول والخروج، يعكس سياسة
العقاب الجماعي التي يمارسها الاحتلال، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية.
الاستيطان
ونهب الأراضي
لا تقتصر جرائم
الاحتلال على القتل والاعتقال، بل تمتد إلى محاولات تهويد الضفة الغربية من خلال
التوسع الاستيطاني المحموم، فقد صادقت «إسرائيل» خلال السنوات الأخيرة على آلاف
الوحدات الاستيطانية الجديدة، بينما يتعرض المزارعون الفلسطينيون لهجمات
المستوطنين المدعومة من الجيش «الإسرائيلي»، التي تشمل حرق المحاصيل، تدمير أشجار
الزيتون، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم.
في ظل هذا
المشهد القاتم، يعيش الفلسطينيون في الضفة مقاومة يومية للبقاء على أرضهم، رافضين
الاستسلام لمخططات الاحتلال الرامية إلى تهجيرهم قسرًا.
المقاومة
الشعبية وصمود الفلسطينيين
ورغم القمع
الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون في الضفة الغربية، فإن إرادتهم لم تنكسر، بل
زادت صلابة في مواجهة الاحتلال، فقد أبدع الفلسطينيون في تطوير أساليب المقاومة
الشعبية، التي باتت تشكل عنصر ضغط دائم على الاحتلال ومستوطنيه.
وفي عشرات القرى
والمناطق المهددة بالمصادرة، تنظم مسيرات أسبوعية ضد الجدار الفاصل والاستيطان، هذه
المسيرات، التي بدأت قبل سنوات، تحولت إلى رمز للصمود الفلسطيني، حيث يواجه الشبان
العزل جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، مستخدمين الحجارة وأجسادهم كدروع بشرية
للدفاع عن أرضهم.
إلى جانب ذلك،
نشأت لجان الحراسة الشعبية، خاصة في القرى المستهدفة من قبل المستوطنين، حيث يقوم
الأهالي بتنظيم ورديات ليلية لحماية ممتلكاتهم من الهجمات المتكررة، مؤكدين أن
الاستيطان لن يمر دون مقاومة.
تصاعد
العمليات الفدائية
لم تتوقف
المقاومة عند حدود الاحتجاجات الشعبية، بل تصاعدت وتيرتها في الأشهر الأخيرة، مع
ظهور جيل جديد من المقاومين الفلسطينيين الذين قرروا أخذ زمام المبادرة في مواجهة
الاحتلال، عمليات إطلاق النار ضد المستوطنين وجنود الاحتلال أصبحت أكثر تنظيمًا،
حيث نفذ المقاومون عمليات نوعية في قلب الضفة، من جنين إلى نابلس والخليل.
هذا التصعيد
يؤكد أن الشعب الفلسطيني لم يفقد بوصلته النضالية، بل أصبح أكثر إصرارًا على
مواجهة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، حتى في ظل تفوق «إسرائيل» العسكري.
وأمام كل هذه
الجرائم والانتهاكات، يقف المجتمع الدولي موقف المتفرج، مكتفيًا ببيانات الإدانة
التي لا تقدم ولا تؤخر، رغم أن القانون الدولي واضح في تصنيفه للاستيطان كجريمة
حرب، ورغم أن الاحتلال «الإسرائيلي» يرتكب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان، فإن
العالم يكتفي بالتعبير عن «القلق العميق» دون أي تحرك فعلي لمحاسبة «إسرائيل».
ازدواجية
المعايير!
يتجلى الانحياز
الدولي في الدعم غير المشروط الذي تتلقاه «إسرائيل» من بعض القوى الكبرى، وخاصة
الولايات المتحدة، التي تستخدم «الفيتو» بشكل متكرر لإجهاض أي قرار يدين الاحتلال
في مجلس الأمن، هذا الدعم السياسي والعسكري يمنح «إسرائيل» الضوء الأخضر للاستمرار
في جرائمها، دون خوف من أي عقوبات دولية.
وعلى المستوى
العربي، تبقى القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الشعوب، التي لا تتردد في التعبير
عن دعمها من خلال المظاهرات والفعاليات التضامنية، لكن على المستوى الرسمي، تتباين
المواقف، حيث تنخرط بعض الدول في اتفاقيات تطبيع مع «إسرائيل»؛ ما يشكل طعنة في
ظهر الشعب الفلسطيني.
رغم ذلك، يدرك
الفلسطينيون أن معركتهم الأساسية ليست في أروقة السياسة، بل في الميدان، حيث
أثبتوا عبر التاريخ أن صمودهم أقوى من أي قرارات دولية لا تترجم إلى أفعال.
ورغم النار التي
تشتعل في الضفة، ورغم البطش الذي تمارسه «إسرائيل»، فإن الشعب الفلسطيني يثبت
يومًا بعد يوم أن إرادته لا تُكسر.
الفلسطينيون لا
يدافعون عن أنفسهم فقط، بل يدافعون عن حق إنساني أصيل، وعن وطن سرق منهم بالقوة،
وهم يعلمون أن الاحتلال مهما طال عمره، فإن مصيره إلى زوال، وتبقى الضفة شوكة في
حلق الاحتلال، ويبقى الفلسطيني بصموده الأسطوري عنوانًا للنضال الذي لن ينتهي إلا
بتحقيق الحرية.