توزيع الزكاة في غزة موادَّ تموينيةً عبر التطبيق البنكي

سأل فضيلة أ.د.
صالح حسين الرقب، وهو من علماء غزة الكرام، يقول: هناك من أهل غزة من يصلهم من
الخارج زكاة مال أو زكاة فطر، كي توزع على الفقراء والمحتاجين عبر الحساب البنكي
أو عبر التطبيق البنكي، والبنوك لا تعطي صاحب التطبيق أو الحساب البنكي مالاً
نقدياً بيده (كاش) لعدم توفر السيولة النقدية في قطاع غزة، فهل يجوز شرعاً إخراج
زكاة المال أو الفطر مواد تموينية تعطى للفقراء ثم يحول المبلغ للبائع من حساب -من
تصله الزكاة- عبر البنك أو عبر تطبيقه البنكي؟
وقد أجاب د.
وصفي عاشور أبو زيد، أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية، فقال:
إن الأصل في
الزكاة تحقيق مصلحة الفقير؛ فحيثما كانت مصلحته وسد حاجته فثمّ شرعُ الله ودينه.
ونحن نعلم أنَّ
رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَث معاذاً إلى اليمن، فقالَ له بصريح العبارة:
«خُذِ الحَبَّ منَ الحَبِّ، والشّاةَ منَ الغَنَمِ، والبَعيرَ منَ الإِبِلِ،
والبَقَرةَ منَ البَقَرِ» (الحاكم، المستدرك على الصحيحين (1451)، إسناده صحيح على
شرط الشيخين).
وذهب معاذ إلى
أهل اليمن، وكان أهل اليمن في ذلك الوقت أصحاب حضارة باذخة في الرقي والتقدم، فقال
لهم: «ائتوني بخَميصٍ أو لَبيسٍ مكانَ الذُّرةِ والشَّعيرِ، أهونُ عليكم، وخيرٌ
لأصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالمدينَةِ» (الكمال بن الهمام، شرح فتح
القدير (2/ 200)، معلق صحيح).
ولنا أن نسأل
هنا: من الذي كان في المدينة وتصل إليه هذه الزكوات؟ إنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم صاحب الشرع، ولم يرد عنه ما يفيد الإنكار على معاذ ورد تصرفه، فتأمل!
وحتى في زكاة
الفطر، فالأمر فيها واسع، ولا يجوز التعصب لرأي من الآراء، فهناك الرأي القائل
بإخراج الحبوب، وهو رأي له اعتباره، وفيها رأي بإخراج القيمة، وهو رأي ثابت فقهاً،
وقول معتبر، لا يمكن لأحد أن يشكك فيه، أو أن يرده، وبه قال عدد وافر من العلماء
قديماً وحديثاً.
إذا ثبت هذا من
حيث الأصل؛ فإن لأهل غزة ظروفاً خاصة وأوضاعاً استثنائية، يعرفها القاصي والداني،
والصورة التي عُرضت علينا في السؤال أعلاه هي صورة لا بأس بها، وليس فيها أي
شبهات، والبنك لا يأخذ أي أموال في هذه الحالة، وحتى لو أخذ مالاً فهو من باب
الجعالة، أو من باب مقابل القيام بالخدمة؛ فليس في هذه المعاملة أي شبهة؛ فضلاً عن
أن يكون فيها ربا، أو ما يخالف السُّنة.
وحتى لو كان
فيها شبهات؛ فإن هذه الشبهات تغتفر، ويقارفها المكلف أمام الضرورات الملحة التي
يمر بها أهل قطاع غزة، والضرورات تبيح المحظورات، كما أن الضرورة تقدر بقدرها، كما
هو مقرر في القواعد الفقهية.
وبناء على ذلك،
فإنني أرى -ولله العلم والحكمة والحجة البالغة- أن أهل قطاع غزة يجوز لهم أن
يتصرفوا في الزكاة بهذه الطريقة، ويجوز لهم أن يخرجوا زكاة المال أموراً عينية،
تعود بالنفع على الفقير، وتحقق مصلحته، كما أن هذه الطريقة نفسها تجوز في زكاة
الفطر.
والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وفي الحج قال: «خذوا عني مناسككم»، ولكنه لم يقل في الزكاة: زكوا كما رأيتموني أزكي، أو خذوا عني زكاتكم، وإنما حدد لنا المقادير، وترك الأمر في الزكاة يدور مع مصلحة الفقير وسد خلته، وهو معنى معقول تعتبر فيه العلل والمقاصد؛ فحيثما كانت مصلحة الفقير في الزكاة فثمّ شرعُ الله ودينه.