"تاجر" واشنطن على خطى "مرابي" البندقية

من المفارقات العجيبة تشابه أخلاق شايلوك مُرابي البندقة في مسرحية تاجر البندقية للكاتب الإنجليزي "وليم شكسبير" (1564 ـ 1616م)، وأخلاق الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية "دونالد ترمب" تاجر واشنطن.
طلب مُرابي
البندقية أن يُقتطع رطل من لحم أحد المدينين نظير قرض ربوي إذا عجز المدين عن سداد
الدين المطلوب في وقته.
التشابه بين
الاثنين – شايلوك وترمب - أن تاجر واشنطن ومُرابي البندقية يتصفان بالجشع وحب
المال بغض النظر عن مصدره، وفق مبدأ المصلحة تبرر الوسيلة.
وكلا التاجرين
يتفقان على استغلال الدائنين ولا يهمهم من الضحية ولا الوسيلة لتحقيق المصلحة عبر
نظرية، خبث الغاية وخبث الوسيلة.
اقتطاع أهل غزة
فإذا كان مُرابي
البندقية يقبل إقراض المال ولا يتردد في اقتطاع رطل من لحم المستدين عوضًا عن
ماله؛ فإن تاجر واشنطن – ترمب - يبادر إلى اقتطاع من بقي من أهل غزة من أرضهم بعد
أن قام "نتن ياهو" بتمزيق أشلاء قرابة ستين ألف شهيد، وتقطيع أطراف أكثر
من مائة وعشرين ألف جريح من أهلهم في محرقة غزة، التي استمرت نحو ثلاثة عشر شهرًا؛
صبّ فيها جام أحقاد الصهيونية المشبعة بنصوص التطرف التوراتية التي تعج بالتحريض
على القتل والحرق والتشريد.
إن تاجر واشنطن
الذي يتربع على عرش أكبر دولة اقتصادية وعسكرية في العالم يدرك تمامًا أثر هذه
القوة ويدرك كيفية إدارتها وفق عقليته التجارية الانتهازية الغالبة على روح
الليبرالية المهيمنة على خلق الحضارة الغربية المعاصرة في البعد السياسي
والاقتصادي، مع ما اتصف به من فجاجة غير مسبوقة في الأعراف السياسية التي تقتضي
الدبلوماسية وفن الخطاب ورقي الحوار.
تميز تاجر
واشنطن بالفجاجة والابتزاز المقيت مع الأغنياء الضعفاء والتضييق على الأغنياء
الأقوياء لانتزاع أكبر مكاسب يحققها لتنمية تجارته الخاصة المتمثلة في شركاته،
والعامة المتمثلة فيما يحصل عليه من أموال وصفقات عن طريق الابتزاز والتهديد.
ظهر تاجر واشنطن
في أبشع صور الجمع بين؛؛ الشايولكترمبية؛؛ في إعلانه دعوته الاستفزازية باقتلاع
سكان غزة من أرضهم بحجة جعلها منطقة تجارية تحت الإدارة الأمريكية، بعد إخلائها من
سكانها، وتهجيرهم إلى مصر والأردن الدولتين العربيتين المجاورتين لغزة، كثمن لما
تقدمه الولايات المتحدة من المساعدات المالية قال: إنها لن تكون بدون مقابل، وفق
المذهب "شايلوكي" الذي يقرض المال مقابل لحم الإنسان!.
استغل شايلوك
واشنطن ما يعطيه من مال تحت مسمى المساعدات لمصر والأردن ليقتطع أجزاءً من الأرض
ليقتلع أهل غزة من أرضهم؛ خدمة لأحفاد شايلوك البندقية أستاذه.
أراد شايلوك
واشنطن أن يقتطع أرض غزة ليمتلكها تيمنا بما فعله سلفه شايلوك البندقية في اقتطاع
لحم المدين، ليقيم عليها مشاريعه التجارية مقابل جزء من أرض فلسطين ينتزع قلبها -
الشعب الغزاوي- ليهجره إلى دول الجوار.
مصر والأردن
مدينتان له بمليارات الدولارات تحت اسم المساعدات التي حولها تاجر واشنطن إلى قروض
لا ترد مالا بل قبول إملاءاته التي تخدم مصالح دولة العدو الصهيوني على حساب أرض
وشعب فلسطين بأسلوب استفزازي مُهين لا يقل عن أساليب أحفاد "شايلوك
البندقية" المحتلين لأرض فلسطين جعلت من المستفيدين من الإعانات أسرى هذه
الأموال، ووضعتهم في موقف لا يحسدون عليه؛ فعند الحاجة تنكسر الإرادة! فوقعوا تحت
غلبة الإعانة وقهر ترمب.
وظف تاجر واشنطن
حاجة مصر والأردن، التي أسقطتهما رهينتا الإعانة والدعم بما تزودهما به واشنطن من
أموال في التضييق عليهما، في أبشع صورة ابتزازية لحكام دول حين قال: سوف يوافقون!
ثقة منه،
واعتمادا على ما يمدهم به من مال في شكل مساعدة حوله إلى قرض واجب السداد عند
حاجته إليه، وحبل في الرقاب يشده متى شاء؛ يذكرنا بدور وأثر الامتيازات الأوروبية
في سقوط الإمبراطورية العثمانية.
نعم إنها مساعدة
ظاهرها الرحمة والشفقة وتحقيق بعض المصالح، وباطنها المهانة والإذلال وفرض
الإملاءات على حساب المبادئ والقيم والأخلاق؛ بل على حساب أخوة الدم والدين وجيران
الأرض، وعلى حساب السيادة الوطنية والكرامة الشخصية والاعتبارية معًا.
أسس ترمب لسياسة
جديدة "الشايلوكية الترمبية" هي إخضاع وإجبار كل من يتردد في تنفيذ
رغباته أو يمتعض من جموحه أو يتهرب من جنوحه، القائم على خبث الغاية وخبث الوسيلة
ومنهج الربح اللاأخلاقي الطاغي في العقيدة "الشايلوكية الترمبية"، وهي
الأصل الذي لا فرع له، والمتلازمة التي لا تنفصل عنها، وهي منهج ربحي لا علاقة له
بالأخلاق والقيم الإنسانية؛ خالٍ من الرحمة فاق منهج المادية المجردة لدى أصحاب
المنهج المادي. وفق مبدأ أنه يعطي المال اليوم ليأخذ الدائن عبدًا غدًا.
وما أكثر العبيد
والمهرولين نحو العبودية طوعا لا كرها، بمحض إرادتهم وبلا ثمن!
(*) كاتب وباحث
ليبي.