من المتحكم بتبرعات أهل الكويت؟

لطالما دار الجدل حول الجهة التي تتحكم بتوجيه التبرعات الخيرية في الكويت، وهل الجمعيات الخيرية ملزمة بصرفها في مشاريع معينة، أم أن وزارة الشؤون الاجتماعية هي صاحبة القرار في ذلك؟ وفي خضم هذا النقاش، يغفل البعض عن الحقيقة الأساسية: المتبرع هو المتحكم الفعلي في توجيه التبرعات، فالجمعيات الخيرية ليست إلا وكلاء عنه، ودور الوزارة يقتصر على الرقابة والتنظيم، لا على فرض التوجهات.
الإسلام ووضع قواعد العمل الخيري
لم يترك الإسلام العمل الخيري دون تنظيم، بل وضع له قواعد واضحة تحفظ
التوازن بين حرية التبرع وتوجيهه نحو النفع العام. فقد جعل للزكاة مصارف محددة لا
تخرج عن ثمانية أبواب، لكنه في الوقت ذاته فتح المجال واسعًا للصدقات التي يُراعى
فيها تحقيق المصلحة العامة، بحيث يمكن للمتبرع توجيه أمواله وفق احتياجات المجتمع.
كما أحاط هذه القواعد بمجموعة من المحفزات الشرعية، سواء من حيث الأجر العظيم الذي
يُكتب للمتصدق، أو من خلال الضوابط التي تساعده في تحديد أولوياته الخيرية.
إلى جانب ذلك، وضع الإسلام أسسًا واضحة للعاملين في المجال الخيري، من حيث
آليات العمل وصلاحياته، ومن أبرزها:
• خدمة الناس بإخلاص وتحمل المسؤولية
• الصبر على الأذى وتحمل تبعات العمل الخيري
• الالتزام بشروط المتبرع وتنفيذ وصاياه
• الابتعاد عن الشبهات وعدم خلط المصالح الشخصية بالعمل
الخيري
وهي المبادئ التي يُطلق عليها اليوم مفاهيم مثل “عدم تضارب المصالح”
و”الشفافية”، والتي تضمن استقامة العمل الخيري ونزاهته.
التزام الجمعيات بالشفافية والتنظيم
رغم وضوح هذه المبادئ، فإن الجمعيات الخيرية والمبرات في الكويت لم تكتفِ
بالعمل وفق الضوابط الشرعية فحسب، بل التزمت أيضًا بالقرارات المنظمة الصادرة عن
وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي تهدف إلى تعزيز مبدأ الشفافية وضمان الاستخدام
الأمثل للتبرعات. ومن بين هذه الضوابط:
• الإفصاح المالي السنوي ونشر التقارير المالية في المواقع
الرسمية.
• الحصول على موافقات مسبقة لأي قرارات مالية قبل الصرف.
• إطلاق منصة مركزية للمساعدات لضمان وصول الدعم لمستحقيه
وفق نظام واضح.
التبرع قرار شخصي لا يجوز مصادرته
ورغم كل هذا التنظيم والالتزام، فإن الإحصاءات تكشف عن حقيقة مهمة: نسبة
38% من التبرعات التي جمعتها الجمعيات والمبرات الخيرية في الكويت تم توجيهها إلى
داخل الكويت، ليس بقرار من الجمعيات أو وزارة الشؤون، بل بقرار من المتبرعين
أنفسهم. وهذه الحقيقة تفنّد الادعاءات التي تروّج لفكرة أن الجمعيات هي من تحدد
وجهة التبرعات بعيدًا عن إرادة المتبرعين.
أما المطالبات بإجبار الجمعيات على توجيه التبرعات داخل الكويت فقط، فهي في
حقيقتها محاولة للتدخل في أموال خاصة يملكها الأفراد بحرية تامة، وهذا يشبه تمامًا
فرض قيود على رجال الأعمال في استثماراتهم، أو إلزام القطاع التجاري بنشاط محدد
دون غيره، وهو ما يتعارض مع طبيعة الاقتصاد الحر، بل يعيدنا إلى عقلية الأنظمة
الاشتراكية التي تحاول فرض السيطرة على الملكيات الخاصة.
خاتمة: احترام إرادة المتبرعين
إن العمل الخيري في الكويت يستمد قوته من ثقة المتبرعين وحريتهم في تحديد
أوجه إنفاق أموالهم. والجمعيات الخيرية ليست سوى وسيط لتنفيذ رغباتهم، أما وزارة
الشؤون، فدورها تنظيمي ورقابي، وليس توجيهيًا. ومن هنا، فإن الحفاظ على هذه
المنظومة يتطلب احترام إرادة المتبرعين، وعدم تحويل النقاش إلى صراع بين الجهات
الفاعلة، لأن المتبرع الكويتي هو صاحب القرار الأول والأخير في أين تذهب صدقاته
وزكاته.