المحادثات المباشرة بين «حماس» وأمريكا.. الأسباب والدلالات

لم يكن لقاءً
مصادفًا، ولم يكن مجرد تجربة تفاوضية، بل كان بداية شيء أكبر، فبعد اللقاء الأول،
جاءت لقاءات أخرى، وما بدأ كمحادثات حول أسرى، سرعان ما توسع إلى ما هو أبعد، إلى
اليوم التالي في غزة بعد الحرب ومستقبل القطاع، وربما إلى خارطة جديدة للمنطقة،
هكذا كان اللقاء التفاوضي المباشر بين «حماس» ومبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب
لشؤون الأسرى آدم بولر الذي وصفه بالبناء والمفيد للغاية.
سابقة
استثنائية
في سابقة لم
تحدث من قبل، أجرت الإدارة الأمريكية مباحثات مباشرة مع مسؤولي «حماس» في الدوحة،
وصفت بالإيجابية، وكانت على وشك الخروج بصفقة ثنائية، وهو ما أثار حفيظة الحكومة
الصهيونية التي رأت في هذا التحرك تطورًا استثنائيًا قد ينسف ما سعت لترسيخه منذ
عقود طويلة، وبسبب العقبات التي وضعتها حكومة نتنياهو تعثرت المفاوضات الأمريكية
مع قادة الحركة في التوصل إلى نتائج ملموسة، لكنها ما زالت قائمة ومستمرة؛ أي أنها
فتحت الباب أمام مسار التفاوض المباشر بين الطرفين، وهو التحول الذي يمكن البناء
عليه مستقبلاً، ويحمل الكثير من الرسائل والدلالات التي أقلقت الصهاينة بشكل لافت؛
ما دفعهم لإعادة تقييم المشهد مجددًا.
دارت المحادثات
ضمن «إطار ويتكوف» حول صفقة اقترحتها «حماس»، تتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى
الصهاينة الذين أسرتهم المقاومة في 7 أكتوبر 2023م، مقابل وقف إطلاق نار يتراوح
بين 5 - 10 سنوات، يتم خلال هذه الفترة غياب «حماس» عن المشهد السياسي ونزع
سلاحها، مع ضمانات أمريكية ودولية بعدم وجود مزيد من الأنفاق أو أي نشاط عسكري في
غزة، وهو تطور لافت إذا ما تم التوصل إلى اتفاق بهذا الشكل.
الآن، وبعد أن
فُتحت القناة المباشرة للتفاوض، لا يبدو أن أحدًا يريد إغلاقها، لا «حماس»، ولا
واشنطن، لأنها ربما قد تكون حاسمة في إعادة رسم خطوط السياسة في واحدة من أكثر
الصراعات تعقيدًا في العالم.
دلالات
وتحولات
إن هذه
المفاوضات المباشرة بين حركة «حماس» والولايات المتحدة تحمل دلالات معقدة وتعكس
تحولات كبيرة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، أهمها:
1- تشير إلى
تغيير في السياسة الأمريكية تجاه الحركة، التي صنفتها وصنفت قادتها على قوائم
الإرهاب الدولي خاصة في ظل الضغوط الدولية أو التطورات الإقليمية، وربما جاءت
نتيجة للتحديات الأمنية والإنسانية التي دفعت أمريكا إلى إعادة التفكير في أسلوب
تعاملها مع الأطراف المختلفة في النزاع الفلسطيني الصهيوني، بما في ذلك «حماس».
2- لعل الدافع
من وراء هذه المفاوضات المباشرة استجابة الولايات المتحدة لأزمات إنسانية دون
الانخراط في تسوية سياسية شاملة، أو أنها تهدف إلى تحقيق أهداف محددة، مثل تبادل
الأسرى أو التهدئة المؤقتة في غزة، أو تخفيف التوترات الأمنية دون الاعتراف الكامل
بـ«حماس» كطرف سياسي مشروع.
3- قد تكون
محاولة لتقليل تصعيد الصراع وتعزيز الأمن في المنطقة، مثل التركيز على وقف إطلاق
النار أو الحد من العنف، وتحجيم تأثيرات الصراع الفلسطيني- الصهيوني.
4- قد تكون
جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى إرسال رسائل إلى أطراف إقليمية تريدها الولايات
المتحدة، حول كيفية تعاملها مع القوى غير الحكومية في المنطقة التي تستجيب لرؤيتها
وأفكارها.
5- يُمكن أن
تؤدي إلى توترات بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، التي تعتبر «حماس» منظمة
إرهابية، وتعارض بشدة أي تفاوض معها، وقد تكون مصدر قلق لبعض الحلفاء الإقليميين
لأمريكا، أو الدول التي تدعم النظام الفلسطيني المعتدل.
6- تُعتبر دعماً
لموقف «حماس»، وتعزز من مكانتها وحضورها داخل الساحة الفلسطينية، وتعطيها شرعية
أكبر على الساحة الدولية، وتزيد من التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية التي
تعتبر «حماس» خصماً لها داخل الساحة الفلسطينية.
7- يُمكن أن
تكون بداية لعملية أوسع للوصول إلى تسوية شاملة بين الفلسطينيين والصهاينة في
المستقبل، لكن هذا يتطلب تغييرات كبيرة في مواقف الأطراف؛ «حماس» ودولة الكيان
والولايات المتحدة.
تحديات
جمة
في ظل التصعيد
الحالي والتوترات في المنطقة، يبدو أن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو
يواجه تحديات ضخمة على عدة جبهات؛ فمن جهة، هناك ضغوطات متزايدة من الشارع
الصهيوني الذي يعارض بعض سياسات حكومته، ومن جهة أخرى، تزداد الانقسامات داخل
حكومته نفسها بسبب مواقف وأولويات مختلفة لعدد من أعضاء الائتلاف الحاكم.
وفي حال قبوله
بـ«إطار ويتكوف» الجديد، الذي يبدو أنه مجرد إعادة صياغة وتسمية للاتفاق القائم،
قد يواجه انتقادات من خصومه السياسيين في الداخل الذين قد يرون ذلك بمثابة تراجع
أو استسلام لمطالب دولية قد تضر بمصالح دولته، ولكن إذا رفض هذا الإطار وتمسك
بالعودة إلى المفاوضات السابقة أو حتى التصعيد العسكري، قد يجد نفسه في مواجهة
معضلة أكبر؛ فمن ناحية، هناك إصرار من واشنطن على ضرورة تسوية سياسية؛ ما يجعله في
مواجهة علنية معها، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يتفاقم الوضع في الداخل؛ ما يعزز من
ضغوط الشارع والمنظمات الدولية.
ويبقى السيناريو
الأكثر احتمالية هو قبوله «إطار ويتكوف» مع بعض التحفظات أو التعديلات، التي تضمن
توازناً بين مصالحه السياسية والشروط الدولية، التي تحاول فرضها الولايات المتحدة،
ولكن في النهاية، المعادلة الصعبة التي يواجهها ستكون في كيفية إرضاء مختلف
الأطراف الداخلية والخارجية دون الانزلاق إلى أزمة سياسية، أو حتى العودة للحرب
التي قد تكون لها تبعات خطيرة على الجميع.
عوامل
متداخلة
وتتداخل عدة
عوامل محورية تؤثر على مسار المفاوضات الحالية، أهمها:
1- الضغوط
الشديدة التي تواجه نتنياهو من داخل حكومته، والانقسامات الداخلية التي تعكس
الواقع السياسي المعقد الذي يواجهه في اتخاذ أي قرار مصيري؛ ما يجعل من الصعب
اتخاذ قرارات حاسمة، سواء بالرفض أو القبول.
2- سعى الولايات
المتحدة إلى تسوية سياسية تؤمن الاستقرار في المنطقة وتحفظ مصالحها الإستراتيجية،
بما في ذلك أمن الدولة الصهيونية وضمان مصالحها في الشرق الأوسط، ولكن في الوقت
نفسه، تريد إحداث تقدم في مسألة السلام مع الفلسطينيين، وهو ما لا يتماشى دائماً
مع مواقف حكومة نتنياهو التي تشدد على عدم تقديم تنازلات كبيرة.
3- تأثر الشارع
الصهيوني بشكل كبير بمواقف الحكومة تجاه المفاوضات، وتزايد الانقسام بين نوعين من
المواطنين الذين يؤيدون التسوية مع الفلسطينيين، والذين يرون في ذلك تهديداً لأمن
دولتهم.
4- الفرص والأخطار
التي تحملها المحادثات الحالية في آن واحد، فتحقيق توازن صهيوني بين الضغط الداخلي
والخارجي، قد يؤدي ذلك إلى اتفاق يعزز الاستقرار النسبي في المنطقة، وأي خطوة غير
مدروسة قد تؤدي إلى تفجير الأوضاع من جديد؛ ما قد يضع دولة الاحتلال في مواجهة مع
تحديات أمنية واقتصادية على الصعيدين المحلي والدولي.