د. أماني أبو الفضل لـ«المجتمع»:
بعد 15 قرناً اكتشف الغرب أن الزواج «سكن ومودة ورحمة»
هجوم ضار تتعرض
له الأسرة المسلمة.. العلمانيون والمتغربون، وأبواق التحرر النسائي لا يحاربون
الأسر التي تكونت أساسًا، وإنما ينخرون في الذهن المسلم ليهزوا لديه تلك القيمة..
تكوين أسرة، ويطرحون مكانها أشكالاً للصلة بين الجنسين تتراوح في شذوذها بين
الحياة المشتركة دون رباط شرعي، أو الاقتران المقزز بين رجلين أو امرأتين تحت
دعاوى مفهوم «الجندر» أو النوع!
في السطور
التالية نعرض لدراسة أعدتها الدكتورة أماني أبو الفضل فرج -الأستاذة بآداب القاهرة-، وإحدى الباحثات اللاتي يمتلكن رؤية نقدية للحركات النسوية.
تقول: في
الأعوام القليلة الماضية أصبح موضوع الأسرة أهم شاغل في المنتديات العالمية فمنذ
بداية هذا القرن، أعلن كارل ماركس للعالم «اهدموا الأسرة»، وذلك أنه كان يعتبرها
أحد معوقات الإنتاج والتقدم!
وفي نهاية
القرن، خرج علينا مؤتمر السكان بالقاهرة، ومؤتمر بكين للمرأة بمفاهيم جديدة
للأسرة، فقد أقروا البناء الأسري القائم على رابطة الزوجية أو بدونه!
وأقروا الزواج
القائم بين الرجل والمرأة أو غيره، فنجد على سبيل المثال، أن هؤلاء الذين يرفضون
فكرة الزواج ويفضلون حرية العيش أصبحوا يلقبون «بالأشخاص المنفردين»، أما الفتيات
الصغيرات اللاتي يمارسن الجنس منذ الطفولة، ويحملن فإنهن «يلقبن بالمراهقات
الحوامل»، أما من تتزوج زواجًا شرعيًّا في مثل هذه السن فإن هذا الزواج يسمى
«انتهاك الطفلة الأنثى»، وأصبحت الداعرة تلقب بـ«عاملة الجنس»، بل أصبحت العلاقات
الشاذة تسمى بالأبنية الأسرية المتعددة وذلك لإضفاء عنصر الشرعية عليها.
وسط هذه
المحاولات الدؤوب لكسر معيارية الأسرة يقدم الإسلام تصوره الخاص لها، الذي من
خلاله تحقق البناء الاجتماعي المتوازن على مدار 15 قرنًا.
عولمة القيمة الأسرية تهديد كبير لأمن
الأسرة المسلمة وعدوان على خصوصيتها
كانت نظرة
الإسلام للأسرة دائمًا على أنها الوحدة الأساسية للمجتمع، وكلما كانت قوية متماسكة
زاد تأثيرها على المجتمع والعكس صحيح، وهذا هو السبب في أن الروابط الأسرية مشروحة
شرحًا وافيًا في الشريعة الإسلامية.
مطلب ديني
لأن الإسلام دين
الواقعية، فإنه لم ينظر دومًا إلى رابطة الزوجية أو إلى الاحتياجات الجسدية
للإنسان نظرة تحقير باعتبارها عدوًا لاحتياجاته الروحية، ولكن على العكس فإنه جعل
الزواج مطلبًا دينيًّا لا يصح تأجيله إلا بسبب مقبول، فقد ورد عن الرسول صلى الله
عليه وسلم أنه قال: «النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني».
أما في سياق
إعلاء شأن الزواج فقد ذكر الله في كتابه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي
ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، وهذه الحقيقة
حقيقة المودة والرحمة والسكن بمعنى الاستقرار النفسي والعاطفي، ذكرها العلماء
الأمريكيون بعد مضي 15 قرنًا عندما قالوا: «إن الزواج أفضل للصحة النفسية».
وموقف الإسلام
الذي يعلي من شأن الزواج وإشباع الحاجات الجسدية يتضح بشدة في الحديث الذي ذكر فيه
الرسول صلى الله عليه وسلم «أنّ في بضع أحدكم صدقة...» وبهذا يتضح أن رغبات
الإنسان لم تخلق لتكبت أو تحتقر، بل لتنظم.
وتؤكد د. أماني
أن الجانب العاطفي يعتبر عاملًا أساسيًّا عند اختيار شريك الحياة، وهذا يتضح في
موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الرجل الذي أتاه وهو قائم على أمر فتاة يتيمة،
واشتكى من أنه جاءها رجل موسر ورجل فقير، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لم
ير للمتحابين خير من النكاح».
ولكن إلى جانب
هذا التقدير للجانب العاطفي حرص المنهج الإسلامي على اقتراح بعض المعايير
العقلانية لاختيار شريك الحياة حتى لا تصبح مثل هذه العلاقة المصيرية عرضة لعصف
رياح المشاعر العاتية التي يمكنها تدمير الزواج، ومن هذه المعايير:
1- التقوى: تنشأ
العديد من المشكلات الزوجية من أن أحد الطرفين يفتقد إلى خشية الله لأن مثل هذا
الشخص يستطيع أن يظلم أو يأكل الحقوق أو حتى ينتهك حقوق الطرف الآخر، لهذا أكد
القرآن: (وَلَا تَنكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن
مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ
يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ
أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ
وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة: 221).
2- الصحة
العامة: لا بد أن يكون شريك الحياة خاليًا من أي أمراض عقلية أو جسدية كالأمراض
المزمنة والجنون أو العجز الجنسي، وفي حالة ما إذا أخفى أحد الطرفين هذا العيب قبل
الزواج، أو ظهر عليه بعد الزواج يحق للطرف الآخر طلب الطلاق.
الكفاءة: ليس من
المنصوح به أن تكون الزوجة أعلى في مكانتها من الزوج، ولكن يصح العكس، والمنطق في
ذلك هو أن الإسلام يعتبر الرجل قوامة البيت، فإذا كان ذا مكانة أقل، فذلك قد يؤدي
إلى اختلال هيبته وقدرته على زعامته، وقد يؤدي أيضًا إلى أن تتعالى عليه امرأته.
وتشير د. أماني
إلى أن حدوث الشقاقات بين الأزواج أمر طبيعي، وترجع للعديد من الأسباب أهمها تجاهل
أحد الزوجين لواجباته، والمنهج الإسلامي لحل هذه المشكلات ينم عن حكمة بالغة؛
فالطلاق وإن كان متاحًا، إلا أنه يعتبر أبغض الحلال عند الله، ولهذا فقد وُضع في
ذيل قائمة البدائل لحل المشكلات الزوجية، ولا بد أن يبدأ التعامل مع المشكلات عن
طريق من سماهم الله «الحكام» كما قالت الآية: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا
حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء:
35)، وأيضًا أوصى القرآن الأزواج بالصبر على زوجاتهم وعدم التسرع في
الطلاق: (فَإِن
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ
خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19)، ولكن في حالة استحالة العشرة الزوجية، فإن
الطلاق يصبح الدواء المر الذي لا بد منه؛ لأنه يكون بذلك المخرج الوحيد للعنف
الأسري أو الخيانة الزوجية.
الشقاء في الغرب
الصعوبات التي
تحد من عملية الطلاق في المجتمعات الغربية نشأ عنها العديد من الظواهر السلبية:
أولًا: ظاهرة
العنف الأسري الذي وصل في مدينة نيويورك وحدها، إلى 50% من الزيجات، كما أثبتت
الأبحاث أن 93% من ضحايا العنف الأسري في أمريكا من الزوجات.
ثانيًا: أدت
صعوبات الحصول على الطلاق إلى كثرة الخيانات الزوجية، فكيف يحصل زوجان ليسا على
وفاق على احتياجاتهما العاطفية إلا من خلال العلاقات التي تتم بعيدًا عن النور.
ثالثًا: صعوبة
فك عقد الزواج كانت سببًا في عزوف الكثير عن الارتباط بالزواج مفضلين حياة
العزوبية، إن فكرة الارتباط أصبحت لدى الغرب فكرة أجنبية تمامًا، وكانوا يشيرون
إليها بالرمز (C) في أثناء الثمانينيات، والغرب يرفضها
تمامًا ويستعيض عنها بالعلاقات المرحلية السريعة الانتهاء «الانفكاك» التي لا
تتميز بأي نوع من الارتباط أو الحميمية، وهذا النوع من العلاقات على الرغم من أنه
مكون من شخصين إلا أن عالم النفس الأمريكي "دان كيلي" وصفه بأنه وحدة
الحياة المشتركة، فعلى الرغم من أنها حياة مشتركة إلا أن سمتها الوحدة وعدم
الائتناس، ولقد قُدِر عدد الذين يعيشون هذا النوع من الحياة –أو هذا النوع من
التعايش– بنحو 10 - 20 مليون أمريكي معظمهم من النساء.
وتختتم د. أماني
أبو الفضل دراستها مؤكدة أن فكرة الأسرة في الإسلام مستمدة من الشريعة (القانون
الإلهي)؛ لهذا فإن عملية عولمة القيم الأسرية التي يفرضها المجتمع الدولي الجديد
هي بمثابة تهديد واضح لأمن الأسرة المسلمة، وعدوان على خصوصيتها، وذلك لأن النظام
الأخلاقي ومنظومة الأعراف الاجتماعية الإسلامية شديدة الخصوصية، أما فرض أي قيم من
ثقافات أجنبية عنها فلن يؤدي إلا إلى حالة من عدم الاستقرار النفسي عند الأفراد،
وبالتالي سيؤدي هذا إلى مزيد من العنف والفوضى السياسية والاجتماعية.
وتهيب الباحثة
بأولي الأمر وقف التدخلات البشرية التي تتم في هذا القانون الشرعي الإلهي وخاصة في
مجال الأسرة؛ لأن هذه التدخلات أدت إلى مزيد من المعاناة للأسرة المسلمة(1).
للمزيد:
- العنف الأسري.. هل ترضاه المرأة أم تضطر للصبر عليه؟
- العنف الأسري في الكويت - بين واقع الظاهرة ورادع القانون
- مساعي تفكيك الأسرة المصرية تتزايد وسط تحذيرات من مختصين
- مقاربة النموذج الكويتي والأردني لحماية المرأة من العنف الإلكتروني
- قراءة في الإنجازات التشريعية لحماية المرأة في الكويت
_____________________
(1) نُشر بالعدد
(1461)، 8 جمادى الأولى 1422هـ/ 28 أغسطس 2001م، ص60.