حدث في الأول من رمضان

د. أحمد ناجي

01 مارس 2025

1936

          

لم يكن شهر رمضان المعظم مجرد شهر للعبادات عند المسلمين، وإنما كان شهرا مميزا بالأحداث الكبرى التي حركت وجهتها نحو الانتشار والفتوح والبناء ورفع راية رب العالمين خفاقة بين الأمم، وحفاظا على تراث الأمة بين أبنائها، وتعريفا لتاريخها المضيء لشبابها، سوف نتناول في هذا الشهر الكريم عرضا لأبرز الأحداث الرمضانية عبر تاريخ الأمة المشرف، ونبدأ بالأول من رمضان

عودة جيش العسرة إلى المدينة منتصرا

ومن أحداث الأول من رمضان المبارك عودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من غزوة تبوك منتصراً مع جيشه دون قتال مع الروم بعد خمسين يوماً قضى منها عشرين يوماً في تبوك، وبقية الأيام في الطريق ذهابا وإياب، حيث جهز الرومان جيشا قوامه أربعين ألف مقاتل لاستئصال الإسلام من جذوره جيشا مكونا من ثلاثين ألف مسلم وسمي بجيش العسرة، نظرا لوقت خروجه قبل نضج الثمار وصعوبة الخروج في ذلك الوقت، وقد تخلف عنها قوم ومنهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، وأبطأ به بعيره، فقال رسول الله وفقا لسيرة ابن هشام: «دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُهُ اللَّهُ بِكَمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللَّهُ مِنْهُ»، وتلوم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيقِ وَحْدَهُ»، فقال رسول الله: «كُنْ أَبَا ذَرٍّ»، فلما تأمله القوم قالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ وَاَللَّهِ أَبُو ذَرٍّ»، فقال رسول الله: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَه" ، وتخلف المنافقون، ثم الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم آيات في سورة التوبة: " لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(118)"، انتهت المعركة بلا قتال بعد أن حققت الغرض منها في تثبيط الروم عن محاولات محاربة المسلمين في الوقت الراهن

حصار حصن بابليون والفتح الإسلامي لمصر:

في الأول من رمضان عام 20هـ الموافق 16 أغسطس 641م، توجه عمرو بن العاص رضي الله عنه بجيشه إلى حصن بابليون وحاصره 7 أشهر متواصلة، وأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص يُفاوضه ويعرض عليه مبلغًا من المال نظير رجوع المسلمين إلى بلادهم، ولكن عمرو بن العاص رفض وقال له: ليس بيننا وبينكم إلا ثلاث خصال: الإسلام أو الجزية أو القتال، فأشار المقوقس على الحامية الرومانية التسليم والصُّلح، ولكن الحامية رفضت، وكذلك الإمبراطور الروماني هِرَقل الذي قام بعزل المقوقس عن حكم مصر، فتجدَّد القتال وشدد المسلمون الحصار على الحصن، واستطاع الزبير بن العوام تسلُّق سور الحصن ومعه نفر من جند المسلمين وكبروا، فظن الروم أن المسلمين اقتحموا الحصن فتركوا أبواب الحصن وهربوا إلى الداخل، فقام المسلمون بفتح باب الحصن، واستسلم الروم وطلبوا الصلح فأجابهم عمرو بن العاص.

بعد سقوط حصن بابليون فقد الروم معظم مواقعهم في مصر، فتمركزوا في عاصمتهم المزدهرة الإسكندرية في أيديهم، ورأى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن مصر لن تسلم من غارات الروم طالما بقيت الإسكندرية في حوزة الروم، فاتجه بجيشه إلى الإسكندرية وفرض عليها حصارًا بريًّا استمر لمدة أربعة أشهر، وقرر اقتحام المدينة، وعهد إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه بذلك، فنجَح في اقتحام المدينة بجنده، وجاء المقوقس إلى الإسكندرية، ووقَّع على معاهدة الإسكندرية مع عمرو بن العاص، وكانت تنصُّ على انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر وجلاء الروم عنها، ودفع الجزية للمسلمين دينارين في السنَة عن كل شخص وإعفاء النساء والأطفال والشيوخ منها، وبذلك استطاع الوالي عمرو بن العاص رضي الله عنه فتح مصر.   

 فتح الأندلس:

في الأول من رمضان عام 91هـ الموافق 6 يوليو 710م، كان فتح الأندلس على يد موسى بن نصير في عهد الخليفة الأُموي الوليد بن عبد الملك، حيث استأذن الخليفةَ الوليدَ بن عبد الملك في غزو الأندلس، بعدما خضعت بلاد المغرب الأقصى للدولة الإسلامية، وعُيِّن طارق بن زياد واليًا على مدينة طنجة.

وقد وافق الوليد على فتح الأندلس؛ حيث جهَّز حملةً استطلاعية مؤلَّفة من خمسمائة جنديٍّ، منهم مائة فارس بقيادة طريف بن مالك، واستطاع موسى بن نصير فتح الأندلس ليظل الإسلام فيها مدة ثمانية قرون متواصلة، حتى قام النصارى بشن حروب لإعادة شبه الجزيرة الإيبيرية لهم في قرطبة سنة 1236م و‌إشبيلية سنة 1248م نهاية بسقوط دولة بني الأحمر في غرناطة سنة 1492م.

واتحدت مملكة ليون و‌قشتالة مع مملكة أرغون واستطاع الملك فرناندو والملكة إيزابيلا، استرجاع المدن الأيبيرية الواحدة تلو الأخرى إلى أن سقطت في أيديهم غرناطة آخر قواعد المسلمين سنة 1492م، وكان ذلك في أواخر القرن التاسع الهجري.

 مولد الإمام سحنون:

في الأول من رمضان عام 160هـ الموافق 15 يونيو 777م ولد الإمام سحنون بمدينة القيروان، وهو: أبو سعيد عبد السلام سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي، من أشهَر فقهاء المالكية بالمغرب العربي.

رحل إلى المشرق طالبًا للعلم سنة 188هـ فزار مصر والشام والحجاز، وتتلمذ على أكبر علمائها، ثم عاد إلى القيروان سنة 191 هـ وعمل على نشر المذهب المالكي ليُصبح بذلك المذهب الأكثر انتشارًا في إفريقية والأندلس، تولَّى القضاء سنة 234هـ/ 848م حتى وفاته في رجب سنة 240هـ، ودفن بالقيروان.

من أشهر مؤلفاته: "المدونة الكبرى" التي جمع فيها مسائل الفقه على مذهب مالك بن أنس، وأصل "المدونة" أسئلة سألها أسد بن الفرات(1) لابن القاسم، فلما ارتحل سحنون بها عرَضها على ابن القاسم، فأصلح فيها كثيرًا، وأسقط، ثم رتَّبها سحنون، وبوَّبَها، واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته.

وسمع –رحمه الله– من: سفيان بن عيينة، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم، ووكيع بن الجراح.  

 وفاة ابن سينا:

في الأول من رمضان سنة 427 هـ الموافق 3 يوليو 1037م، توفي العالم المسلم ابن سينا، وهو: أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، عالم وطبيب مسلم من بُخارى، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما، ولد في قرية أفشنة بالقرب من بخارى (في أوزبكستان حاليًّا) من أبٍ من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليًّا) وأم قروية، سنة 370هـ/ 980م وتوفي في مدينة همدان.  

وقد عُرف ابن سينا باسم الشيخ الرئيس، وسماه الغربيون: أمير الأطباء، وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى.

لقد ترك ابن سينا ما يقرب من مائتي كتاب في مواضيع مختلفة، العديد منها يُركِّز على الفلسفة والطب، ويعدُّ ابن سينا من أول من كتب عن الطبِّ في العالم، ومن أشهر مؤلفاته: كتاب "القانون في الطب"، الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجعَ الرئيس في علم الطب، وبقي العمدة في تعليم هذا الفنِّ حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوربا.

ويُعد ابن سينا أوَّل من وصف الْتِهاب السحايا الأوَّليَّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرَقان، ووصف أعراض حصى المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء وكتب كتاب "الشفاء".

احتراق المسجد النبوي الشريف:

 ومن الأحداث المهمة في مطلع رمضان، احتراق المسجد النبوي الشريف عام 654 ه وهو  أحد أخطر الحرائق في التاريخ الإسلامي، اندلع في المسجد النبوي ليلة الجمعة الموافقة 1 رمضان 654 هـ / 28 سبتمبر 1256م، وأدى إلى انهيار سقف المسجد بالكامل، ودُمرت إثره محتويات تعود إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وآثار للدولتين الأموية والعباسية، وكانت هذه الحادثة في عهد الخليفة العباسي المستعصم بالله، وفي الفترة التي سبقت سقوط الدولة العباسية على يد التتار، ويعود سببه إلى فتيل نار نسيه أحد خُدّام المسجد في المخزن، تسبب باشتعال المكان، إذ بدأ من المخزن ومحتوياته ممتدًا إلى بقية المسجد، وتزامن هذا الحريق مع فاجعة أخرى لأهل المدينة المنورة، حيث حدثت هزة أرضية أعقبها انفجار للحمم البركانية في حرة رهط الواقعة جنوب المدينة، وظلّت تتدفق لمدة 3 أشهر، وذكر المؤرخون أن هذه أن هذه الحمم تنبأ بها النبي عليه الصلاة والسلام، وذُكرت في أحاديثه مسماة بـ (نار الحجاز).



______________________________

(1) أبو المغيرة أسد بن الفرات: الإمام العلامة القاضي الأمير، مقدم المجاهدين، أبو عبد الله الحراني، ثم المغربي، مولده بحران سنة أربع وأربعين ومائة، ودخل القيروان مع أبيه في الجهاد، وكان أبوه الفرات بن سنان من أعيان الجند، روى أسد، عن مالك بن أنس "الموطأ"، وعن يحيى بن أبي زائدة، وجرير بن عبد الحميد، وأبي يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وغلب عليه علم الرأي، وكتب علم أبي حنيفة.

 


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة