22 فبراير 2025

|

أبو «الهندوتفا» في ضوء أفكاره المزدوجة!

أحمد بيغ الندوي

05 فبراير 2025

4883

أصبحت شخصية فيناياك دامودار سافاركار (1883 – 1966م) لافتة ومعلماً بارزاً في سياسة الهند الحالية، ولا سيما منذ التسعينيات، حينما بدأ زعيم حزب «بهاراتيا جانتا» لال كرشنا إيدواني يعرضه كنموذج عبقري وبطل مثالي في تاريخ الهند المعاصر لاستغلال المكاسب السياسية، حتى تم تعليق صورته إلى جانب صورة المهاتما غاندي في البرلمان الهندي، في 26 فبراير 2003م.

نبذة عن حياته

ولد فيناياك دامودار في أسرة برهمنية معروفة بسافاركار (وهي أرفع الطبقات من الطبقات العليا الهندوسية)، في قرية باغور قرب مدينة ناسك بولاية مهاراشترا، كان منذ صغره مولعاً بمطالعة الكتب، متوقد الذكاء، فكان يختزن كل ما يقرأ في ذاكرته، ولم يتجاوز العاشرة، حتى جعل يقرض الشعر باللغة المرهتية. 

توفيت أمه بسبب مرض الطاعون، وكان عمره 9 سنين، وفي عام 1899م توفي أبوه أيضاً، والتحق بكلية فرغوسن بمدينة بونا بولاية مهاراشترا عام 1902م، وتوطدت هناك علاقات بينه وبين العديد من زعماء الهندوس السياسيين.

انطلق إلى لندن لدراسة القانون، وخلال الدراسة بلندن ساعد في توجيه مجموعة من الثوار الهنود إلى أساليب التخريب والاغتيال، حتى قام مدن لال دهينغرا باغتيال ضابط من ضباط «مكتب الهند» في لندن، وكان دهينغرا عضواً فعالاً بالحركة التي اشترك في تأسيسها سافاركار في لندن، فألصقت تهمة التعاون في اغتيال الضابط بسافاركار، حتى ألقي القبض عليه في 13 مارس 1910م بلندن، وقد زج بالسجن، فقضى أكثر من 13 سنة وراء القضبان، معظمها في معتقل جزيرة أندمان، وأطلق سراحه في 6 يناير 1924م. 

صفحتان متناقضتان لحياته

الصفحة الأولى التي تنتهي إلى ما قبل احتجازه، حافلة بالأعمال الإيجابية الهادفة إلى تحرير البلاد من الاستعمار البريطاني، ويبرز خلال ذلك سفيراً ممتازاً يمثل عواطف وميول جميع مواطني الهند بشكل عام، وصنف كتاباً باسم «تاريخ حركة تحرير البلاد»، نوه به إلى ملامح الاتحاد الرائعة بين الهندوس والمسلمين للاحتفاظ بالكيان الوطني.

وأما الصفحة الأخرى التي تبتدئ منذ اعتقاله عام 1910 والإفراج عنه عام 1924 إلى نهاية عمره عام 1966م، فهي صفحة كالحة مليئة بالتطرف، والطائفية، والتعسف، والبغض للمسلمين وتاريخهم المشرق في الهند، وكيف تحول سافاركار من البناء إلى الهدم، ومن تمثيل الاتحاد إلى دعوة الانفصالية، هاتفاً بأن في الهند قومين مختلفين، فقدم نظرية الأمتين قبل محمد على جناح، مؤسس دولة باكستان، التي أدت بالهند إلى الانفصال عام 1947م. 

ومن الواقع أن وراء تغير اتجاهات سافاركار حافزين قويين؛ أحدهما علاقاته بكثير من الزعماء الهندوس السياسيين الذين كانوا يحملون في طياتهم نظرية القومية الهندوسية بشكل كلي، أمثال شاردها ناندا (1856 – 1926م)، لالا لاجبت رايا (1865 – 1928م)، بال جانجا دهار تيلاك (1856 - 1920م).. وغيرهم؛ فتأثر سافاركار بأفكار هؤلاء المتطرفين فانقلب رأساً على عقب.

والآخر الذي يتمركز في إحراز مصالح شخصية لتأمين الحياة، فإنما هو ركوعه أمام حكومة الهند البريطانية، فطلب منها العفو، وإطلاق سراحه من السجن، لا مرة واحدة، بل 5 مرات، كما كشف د. دي آر جويال عن هذه الحقيقة، فيقول: كتب سافاركار إلى الحكومة الإنجليزية لطلب العفو 5 مرات قد وعد فيه أنه سيعالج أعماله، ويقضي حياته وفق ما يتوخاه الحكام الإنجليز الرحماء العادلون، وقرر نفسه كابن عاق يجد في نفسه لهفة شديدة ورغبة جامحة في العودة إلى حضن أمه؛ أي الحكام الإنجليز بسمع وطاعة، قد أساء إليها في جهالة وغفلة.

«الهندوتفا» في نظر سافاركار

نظرية «الهندوتفا» من أخطر النظريات المتطرفة المناهضة لا للمسلمين فحسب، بل أيضاً للقيم الإنسانية العامة التي قدمها سافاركار في كتاب «الهندوتفا ومن هو الهندوس»، قام بتأليفه وهو أسير في سجن رتنا غيرى بولاية مهاراشترا عام 1923م، ثم أرسله خارج السجن للطبع، يقول شمس الإسلام: لم يمكن لسافاركار إرساله خارج السجن بدون تواطؤ مع الضباط الإنجليز، وقد طبعت له الطبعة الأولى باسم «مراتي»؛ لأن سافاركار كان في السجن، ولا يسمح له قانون البلاد آنذاك بأن يطبع باسمه. 

كتاب الهندوتفا ليس ذا حجم كبير، ولكنه سم ناقع وعبوة ناسفة مدمرة للمجتمع الهندي القائم على تعدد الديانات، والثقافات، واللغات، يقول سافاركار: إن «الهندوتفا» ليست كلمة مجردة، بل إنها تاريخ مستقل، وأضاف: إن معانيها تغطي جميع جوانب الوجود الكامل للعنصر الهندوسي وما يرتبط به من أفكار، وتيارات، وممارسات. 

ويقول: يطلق هندوسي على من يعتبر الأرض الممتدة من نهر سندهو إلى البحر، بحيث إنها أرض الآباء، والأرض الأم أيضاً، وتربطهم جميعاً رابطة العنصر، والثقافة، واللغة، أما المسيحيون، والمسلمون الذين كان معظمهم هندوساً قبل زمن يسير، قد اعتنقوا الإسلام قبل جيل أو جيلين، فإنهم ليسوا هندوساً، ولو اشتركوا معنا في أرض الآباء؛ لأنهم أصبحوا مختلفين عنا في ثقافتنا، وكذلك ليست الهند لهم مركز العمل الخير، فإن مركزهم في العرب وفلسطين بعيد جداً عن أرضنا، وبطبيعة الحال الهند دولة هندوسية منذ القديم، وتتكون دولة بأغلبية مواطنيها، وماذا حدث مع اليهود في ألمانيا، كانوا هناك في الأقلية، ونتيجة لذلك تمت مطاردتهم، وتهجيرهم من ألمانيا. 

هل سافاركار مناضل حركة التحرير؟

يقدم اللوبي الهندوتفي سافاركار كأبرز أبطال الحرية، ولكنه كيف يتبوأ هذا المنصب بسبب التواطؤ مع الإنجليز؟

إن أيديولوجية «الهندوتفا» لسافاركار تشكل خطراً على المجتمع الإنساني عامة، والإسلامي خاصة، فقد زرعت هذه النظرية الشيطانية الكراهية في المجتمع الهندي الذي يعيش فيه المسلمون والهندوس، والسيخ، والبوذيون، والآخرون معاً بانسجام طائفي، وهكذا لا تزال تهدد كيان البلاد الديمقراطي، ولعل يهود «إسرائيل» ويهود الهند تم تآمرهما ضد المجتمعات الإنسانية كلها، كأننا نشهد وهم الآن في طريق تجسيد، وتنفيذ مؤامراتهم.


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة