22 فبراير 2025

|

القانون المدني الموحد في أوتاراخند الهندية.. مساواة حقيقية أم استهداف للأقليات؟

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، بدأت ولاية أوتاراخند الهندية، التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، بتطبيق القانون المدني الموحد (UCC)، وهو قانون يهدف إلى توحيد الأحكام المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث عبر جميع الأديان والطوائف، وتدعي الحكومة أن هذا القانون يعزز المساواة ويقضي على التمييز بين الجنسين، إلا أن المعارضين، وعلى رأسهم جمعية علماء الهند، يعتبرونه استهدافًا مباشرًا للمسلمين وانتهاكًا لحقوقهم الدينية. 

ما القانون المدني الموحد؟

القانون المدني الموحد هو تشريع يسعى إلى توحيد القوانين المدنية لجميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، حاليًا، تخضع الأحوال الشخصية في الهند لقوانين دينية منفصلة؛ فالمسلمون يتبعون الشريعة الإسلامية في قضايا الزواج والطلاق والميراث، بينما يتبع الهندوس والمسيحيون والديانات الأخرى قوانينهم الخاصة.

وفقًا للحكومة، فإن القانون الجديد يهدف إلى:

- إنهاء تعدد الزوجات، خاصة في المجتمع المسلم.

- فرض الطلاق عبر المحاكم المدنية بدلًا من الطلاق الشفوي.

- توحيد قوانين الميراث، بحيث يحصل الأبناء والبنات على حقوق متساوية.

- إلزام الأزواج في العلاقات غير الرسمية (مثل الزواج العرفي) بتسجيل علاقاتهم، وإلا فسيواجهون عقوبات قانونية.

ردود الفعل على القانون الجديد

- الحكومة: تعزيز العدالة الاجتماعية أم تلاعب سياسي؟

دافع كبير الوزراء لولاية أوتاراخند، بوشكار سينغ دامي، عن القانون بقوة، مؤكدًا أنه لا يستهدف أي دين، بل يسعى إلى «القضاء على الممارسات الاجتماعية الضارة»، وتعزيز حقوق المرأة، ويرى مؤيدو القانون أن تطبيقه على جميع الطوائف الدينية سيؤدي إلى مجتمع أكثر مساواة.

إلا أن العديد من المحللين يرون أن هذه الخطوة تأتي في إطار أجندة سياسية لحزب (BJP)، الذي يسعى إلى طمس الهويات الدينية للمسلمين والمسيحيين من خلال فرض قوانين تفضل الطائفة الهندوسية.

- جمعية علماء الهند والطعن القانوني:

جمعية علماء الهند، التي تعتبر واحدة من أكبر وأقدم المنظمات الإسلامية في البلاد، اعتبرت القانون اعتداءً على الحرية الدينية للمسلمين، وقررت رفع دعوى للطعن فيه أمام محكمة أوتاراخند العالية والمحكمة العليا الهندية، وجاء في بيان الجمعية: «إن هذا القانون مصمم خصيصًا لإضعاف الشريعة الإسلامية وتقويض حقوق المسلمين في الهند، وهو جزء من سياسة تمييزية تهدف إلى إدماج المسلمين قسرًا في قوانين الأغلبية الهندوسية؛ ما يشكل انتهاكًا واضحًا للدستور الهندي الذي يضمن حرية العقيدة والممارسة الدينية».

وتتضمن الحجج القانونية التي قدمتها الجمعية:

1- عدم دستورية القانون: يتعارض مع المادة (25) من الدستور الهندي التي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية.

2- استهداف المسلمين بشكل غير عادل: إذ يركز القانون على إنهاء تعدد الزوجات في الإسلام، بينما يتجاهل الممارسات التمييزية في قوانين الهندوس، مثل نظام الميراث الذي يعطي الأفضلية للذكور.

3- إجبار المسلمين على اتباع قوانين غير إسلامية: خاصة فيما يتعلق بالطلاق والميراث، وهو ما يعد انتهاكًا للشريعة الإسلامية.

لماذا يعتبر المسلمون هذا القانون تمييزيًا؟

1- استهداف القوانين الإسلامية: لم يشمل القانون أي مراجعة لقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالهندوس، مثل إعطاء الأولوية للأب في الولاية على الأبناء، لكنه ركز على تعدد الزوجات والطلاق الإسلامي.

2- تقويض التعددية القانونية: الهند بلد متنوع دينيًا، ولكل طائفة قوانينها الخاصة منذ عقود، تطبيق قانون مدني موحد يطمس هذا التنوع ويجبر الأقليات على التكيف مع قوانين الأغلبية.

3- إجبار المسلمين على تغيير تقاليدهم الدينية: خاصة فيما يتعلق بالميراث، حيث إن القانون الجديد يفرض قواعد توزيع الميراث بالتساوي بين الذكور والإناث؛ ما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

4- خلق توترات اجتماعية: القانون يعمق الإحساس بالتمييز والإقصاء بين المسلمين؛ ما قد يؤدي إلى توترات طائفية متزايدة.

التأثير المحتمل للقانون على المجتمع الإسلامي في الهند

1- حقوق المرأة المسلمة: رغم أن القانون يروج لنفسه كإصلاح لصالح المرأة، فإنه يفرض قيودًا على المرأة المسلمة التي كانت تستفيد من أحكام الشريعة الإسلامية في مسائل الطلاق والنفقة.

2- إشكالية توثيق الزواج: القانون الجديد يجعل الزواج العرفي غير قانوني؛ ما قد يخلق مشكلات كبيرة للأسر المسلمة التي تعتمد على هذا الشكل من الزواج.

3- تدخل الدولة في شؤون الدين: المسلمون في الهند يرون في هذا القانون محاولة لإدماجهم قسريًا في القوانين الهندوسية؛ ما يهدد خصوصية نظامهم القانوني.

4- إمكانية تصاعد النزاعات القانونية: مع احتمال رفع المزيد من القضايا للطعن في القانون، قد نشهد أزمة قضائية مطولة حول مدى دستوريته.

آفاق الطعن القانوني وموقف المحكمة العليا

مع تصاعد الجدل حول القانون، من المتوقع أن تنظر المحكمة العليا الهندية في الطعون المقدمة من جمعية علماء الهند، ومنظمات حقوقية أخرى، ورغم أن المحكمة قد تؤيد القانون استنادًا إلى مبدأ «المصلحة العامة»، فإن المعارضين يأملون أن تأخذ بعين الاعتبار انتهاكه لحقوق الأقليات الدينية.

ما السيناريوهات المحتملة؟

1- إلغاء القانون جزئيًا أو كليًا: إذا اعتبرته المحكمة غير دستوري.

2- تعديله ليتماشى مع حقوق الأقليات: مثل إعطاء المسلمين بعض الاستثناءات في الزواج والطلاق.

3- تثبيته بالكامل: ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية والدينية.

يطرح تطبيق القانون المدني الموحد في أوتاراخند إشكالية كبرى حول مستقبل التعددية القانونية في الهند، وبينما تدعي الحكومة أن القانون يعزز المساواة، إلا أن الطريقة التي تم بها إعداده وتطبيقه تعكس استهدافًا واضحًا للمسلمين؛ ما يعزز الإحساس بالتمييز والتهميش.

إذا لم تتم مراجعة هذا القانون ليكون أكثر شمولية واحترامًا للتنوع الثقافي والديني في الهند، فقد يؤدي إلى تصاعد التوترات الطائفية وزيادة الشعور بعدم الانتماء بين الأقليات، في النهاية، المساواة الحقيقية لا تأتي من فرض قوانين موحدة دون مراعاة الاختلافات الثقافية والدينية، بل من خلال الحوار والتفاهم بين جميع فئات المجتمع.


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة