أتقى الناس

جعل الله تعالى غاية الصيام وثمرته تحقيق التقوى، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، بل جعل الله تعالى الغاية من العبادة عموماً تحقيق التقوى، حيث قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَّقُونَ) (البقرة: 21).

كيف تكون من أتقى الناس؟

1- الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- مداومة ذكر الله تعالى ومراقبته.

3- التحلي بصفات المتقين.

قال البيهقي: حقيقة التّقوى: فعل المأمور به والمندوب إليه، واجتناب المنهيّ عنه والمكروه، لأنّ المراد من التّقوى وقاية العبد نفسه من النّار(1).

وقد ورد لفظ التّقوى في القرآن الكريم على 5 أوجه:

1- الخوف والخشية؛ كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‌اتَّقُوا ‌رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج: 1).

2- العبادة؛ كما في قوله تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (النحل: 2).

3- ترك المعصية؛ كما في قوله تعالى: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تُفْلِحُونَ) (البقرة: 189)؛ أي لا تعصوه.

4- التّوحيد؛ كما في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ ‌امْتَحَنَ ‌اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (الحجرات: 3)؛ أي للتّوحيد.

5- الإخلاص؛ كما في قوله سبحانه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ ‌تَقْوَى ‌الْقُلُوبِ) (الحج: 32)(2).

والجامع لهذه المعاني أن التقوى تعني الخوف الذي يحمل على ترك المعصية، والإقبال بإخلاص على توحيد الله وعبادته.

لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة أنه أكثر الناس تقوى لله تعالى، ففي صحيح البخاري عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا».

وروى مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم «سَلْ هَذِهِ»، لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ».

وفي صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟! قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».

وروى البخاري، ومسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ للهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ».

إن من يذكر الله لا يعصيه، ومن يحسن مراقبة ربه لا يترك للشيطان مجالاً يأخذه فيه إلى المعاصي، بل إنه يسعى إلى فتح أبواب الطاعة والعبادة الكاملة لله تعالى.

وقد روى ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَتْقَى؟ قَالَ: الَّذِي يَذْكُرُ وَلَا يَنْسَى».

على المسلم أن يبحث عن صفات المتقين في القرآن الكريم والسُّنة، ثم يتحلى بها، حتى يصل إلى هذه المنزلة، فقد تحدث القرآن عن صفات المتقين في العديد من الآيات، منها قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة)، وقوله عز وجل: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {134} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران).





______________

(1) شعب الإيمان (3/ 287).

(2) كشف الأسرار: ابن العماد، ص 222.


كلمات دلاليه

تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة