أهل الميدان.. شركاء ورقباء

في كل مرة نكتب
فيها عن التعليم، نكتب بلسان الميدان، حيث نعيش تفاصيله اليومية من فصول دراسية
مزدحمة إلى معلمين يتطلعون إلى الأفضل، ومن إدارات مدرسية تواجه تحديات حقيقية إلى
أولياء أمور ينتظرون مستقبلاً أفضل لأبنائهم.
لا نكتب من وراء
مكاتب مغلقة، بل نكتب من واقع تجربتنا الميدانية الطويلة، وإيماننا بأن التعليم في
الكويت يستحق إصلاحاً حقيقياً وجذرياً، بعيداً عن وعود إعلامية أو إجراءات مؤقتة.
واليوم، ومع
متابعتنا الدقيقة لما صدر عن وزارة التربية من تصريحات وقرارات خلال الفترة
الماضية، نلمس بوضوح أن صوت الميدان بدأ يُسمع، وهذا تطور مهم يستحق الثناء
والتشجيع، لكننا لا نكتفي بالثناء فقط، بل نطالب بتحويل هذا التفاعل إلى خطوات
عملية ملموسة.
لقد تحدثنا مراراً
في مقالات ماضية عن أهمية ضبط بوصلة الوزارة نحو اختيار القيادات والكفاءات
التربوية وفق معايير موضوعية ومهنية بحتة، وليس وفق الولاءات أو الترضيات.
واليوم، حين
تعلن الوزارة عن حصر الوظائف الإشرافية وتَعِد بتسكينها وفق معايير واضحة وعادلة،
كما جاء في تصريح الوزارة الصادر في أكتوبر 2024م، فهذا يترجم صوت الميدان الذي
طالب مراراً بإنهاء حالة الجمود والترهل الإداري.
ولكن، ورغم مرور
فترة طويلة على الإعلان، لا يزال الأمر متوقفاً عند مرحلة الوعود دون تنفيذ فعلي
أو خطوات عملية مثل إجراء المقابلات والاختبارات؛ ما يعني استمرار أزمة شغور
المناصب القيادية التعليمية، وقد يؤدي إلى تعقيد الوضع الإداري للعام الدراسي
المقبل.
كما سبق وكتبنا
عن ضرورة استثمار مرافق المدارس بأسلوب تربوي احترافي، مستلهمين نجاح فكرة استثمار
الأندية الرياضية، واليوم، نجد تفاؤلاً في إعلان الوزارة عن انتهاء الوزارة من
إعداد لائحة لاستثمار هذه المرافق، وهو ما صرحت به الوزارة رسمياً بالأمس، وأشارت
إلى رفع اللائحة إلى الجهات المعنية لاعتمادها، ونأمل أن يكون هذا الاستثمار تربوياً
واجتماعياً بالدرجة الأولى، ينعكس إيجاباً على الطلاب والمجتمع المحلي، ولا يتحول
إلى مجرد مشاريع تجارية بعيدة عن أهداف المؤسسة التعليمية.
كذلك سلطنا
الضوء باستمرار على ظاهرة الغش، التي لا تزال تؤرق العملية التعليمية وتهدد مستقبل
أبنائنا، إذ إنها لا تؤثر فقط على العدالة في التقييم، بل تؤدي إلى تراجع حاد في
المستوى التعليمي والأخلاقي للطلبة، وحتى الآن، ما زال الميدان ينتظر إجراءات
حقيقية وملموسة، تشمل إصدار تشريعات رادعة وبرامج توعوية تربوية شاملة لمواجهة هذه
الآفة.
وفي ملف التعليم
الثانوي، أكدنا ضرورة إعادة النظر في الوثيقة الحالية وتنويع المسارات التعليمية
لتتماشى مع اهتمامات الطلاب وقدراتهم ومتطلبات سوق العمل المستقبلية، ومع إعلان
الوزارة عن نيتها تعديل هذه المسارات وإضافة تخصصات جديدة، كما جاء في تصريح منسوب
للوزارة قبل أسبوع، نتمنى أن تتحول هذه النوايا الطيبة إلى مشاركة فعلية للميدان
في صياغة هذا التحول المرتقب، لا أن تبقى مجرد أفكار وقرارات لم تطبق بعد.
أما المعلم، هذا
الإنسان الذي يتحمل مسؤولية بناء الأجيال، فقد أكدنا مراراً أن حماية كرامته
وتأمين بيئة عمل آمنة ومحفزة له ليست رفاهية، بل ضرورة ملحة وأساسية لأي تطوير
حقيقي في التعليم؛ ولقد طالبنا بشكل واضح بإقرار قانون حماية المعلم الذي يضمن
احترامه ويحفظ هيبته، وللأسف ما زال هذا القانون معلقاً دون خطوات فعلية ملموسة
نحو إقراره وتفعيله، رغم تصريحات نيابية وتربوية متفرقة تؤيد مبدئياً وجود مثل هذا
القانون.
ومن الخطوات
الإيجابية التي تستحق الذكر، إعلان الوزارة في مارس 2025م عن ميكنة إجراءات نقل
المعلمين، الذي نأمل أن يساهم بشكل فعال في تخفيف العبء عن المعلمين وتوفير بيئة
عمل أكثر استقراراً وعدالة، ونرجو أن يتبع هذا الإعلان تنفيذاً سريعاً وشفافاً
يُرضي طموحات المعلمين ويستجيب لاحتياجاتهم الواقعية.
وهنا يطرح
الميدان تساؤلًا مشروعًا: هل سيتمكن الوزير من الوفاء بوعوده وتحويل تصريحاته إلى
واقع ملموس، أم أننا أمام موجة جديدة من التصريحات الإعلامية التي تهدف فقط إلى
كسب الرضا الشعبي والبقاء لأطول فترة ممكنة في المنصب؟ فالميدان لم ينسَ كيف مرّت
وزارات سابقة بتصريحات مشابهة، لكنها لم تلبث أن غادرت بعد ستة أشهر أو أقل، دون
أن تترك أثرًا يُذكر، فهل سيكون الوزير الحالي استثناءً، أم امتدادًا لسلسلة من
الوزراء الذين لم تسعفهم المدة ولا الرؤية في تحقيق ما وعدوا به؟
إن ما صدر عن
الوزارة مؤخرًا من تصريحات ووعود يعد خطوة إيجابية أولى، لكننا نؤكد أن الميدان ما
زال ينتظر المزيد من الجدية في تحويل هذه الوعود إلى واقع عملي ملموس يلمسه الجميع،
ونأمل في خطوات عملية قريبة تعيد للميدان التربوي الثقة، وتضع التعليم في الكويت
على الطريق الصحيح.
والميدان.. لا
يزال يراقب، ويشارك، ولا يزال ينتظر.