الأطعمة الحلال في الصين

يعد فن الطهو الصيني أحد أهم الروافد الثقافية والتاريخية في الصين، وهو تراث ثقافي مهم للأمة الصينية، ولأن المسلمين في الصين جزء أصيل من الأمة الصينية، فإن الطعام الإسلامي يشكل جزءاً مهماً من التراث الثقافي الصيني.

وقد تشكلت الأطعمة الإسلامية وفق مبدأ الالتزام التام بالشريعة الإسلامية، وتطورت على أساس اقتباس كل ما هو مفيد من روائع الطهي لدى مختلف القوميات، ولذلك فإنها ليست متميزة بسمات الأطعمة الإسلامية، بل تتحلى بمزايا الأطعمة الصينية المثيرة للإعجاب بألوانها وروائحها ومذاقاتها وأشكالها الجميلة.

تاريخ تطور الأطعمة الإسلامية

يعود تاريخ الأطعمة الإسلامية في الصين إلى عصر أسرتي تانغ، وسونغ (618 - 1271م)، يومها كانت عادات العرب والفرس المقيمين في الصين، بما فيها عادات الطعام والشراب قد انتقلت إلى الصين، وقد ورد وصف أطعمة العرب والمسلمين في عدد من المؤلفات الصينية في ذلك الوقت مثل الأديب ليوش يون في كتابه «لينغبياو لويي» حين وصف التمر العربي، وكذلك فانغ تشيان لي في مقالتة المدونة في كتاب «جامع الأدوية» حين وصف الحلوى العربية، وكذلك الأسماك.. إلخ.

كما تحدث البعض من الكتَّاب الصينيين واصفاً طعام المسلمين، مثل تشو يوي في كتابه «أحاديث في بينغتشو» حين قال: إن المسلمين يشبهون الصينيين في طعامهم، لكنهم لا يأكلون لحم الخنزير، ولا يأكلون لحوم الحيوانات غير المذبوحة.

وفي عهد أسرة يوان (1271 - 1368م)، دخلت الأطعمة الإسلامية قائمة أطعمة البلاط الإمبراطوري، فدل ذلك على اهتمام الطبقة الحاكمة بالطعام الإسلامي، ومن أشهر هذه الأطعمة، لحم الخروف، والكعك المخبوز.

وفي عهد أسرتي مينغ، وتشينغ (1368 - 1911م) لم تزدد أنواع الأطعمة الإسلامية فحسب، بل حازت على شهرة واسعة، فمثلاً وجبة «الخروف الكامل» امتدحها الشاعر يوان مي في عهد أسرة تشينغ حين قال: «إن إعدادها يتطلب مهارة كمهارة ترويض التنين، وأنها تشمل على 72 نوعاً من الأطعمة، مطبوخة كلها بلحم الخروف».

الأطعمة الإسلامية اليوم

لقد بقيت الأطعمة الإسلامية طوال تلك القرون بمذاقها ومكوناتها الخاصة إلى اليوم، ولم تكن شهرتها السبب في بقائها حتى اليوم، وإنما السبب يكمن في توارثها بين مشاهير الطباخين المسلمين جيلاً بعد جيل.

وفي العصر الحاضر، جرى تأليف ونشر عشرات الأنواع من قوائم الأطعمة الإسلامية، ومنها: قائمة الأطعمة الإسلامية في الصين، قائمة أطعمة أبناء هوي هوي، وليمة الخروف الكامل، المأكولات الخفيفة عند أبناء قومية هوي، جدول الأطعمة الإسلامية المبوبة، وقد تم تأليف هذه الكتب على يد مشاهير الطباخين المسلمين في مختلف أنحاء الصين، وتعد نافذة مهمة على الأطعمة التقليدية للمسلمين الصينيين.

ميزات الأطعمة الإسلامية

تتجلى ميزات الأطعمة الإسلامية فيما يلي:

أولاً: التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، فالمسلمون الصينيون قد يفرطون في بعض أحكام الشريعة الإسلامية كالصلاة والصيام وغيرها، لكنهم يعتبرون أن الطعام الحلال خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، فلا يكتفون بالامتناع عن أكل لحم الخنزير فحسب، بل إن ذكر كلمة خنزير أمامهم تعد إهانة كبيرة.

كما أنهم حريصون على تناول لحوم الأغنام والأبقار وحتى الدجاج المذبوح حسب الشريعة الإسلامية وفي مجازر يشرف عليها أئمة مسلمون مشهود لهم بالصلاح والتقوى.

ثانياً: اعتماد الأطعمة الإسلامية على توابل ذكية الرائحة، واعتيادهم على طهي الطعام بشكل جيد، على عكس بعض الأطعمة الصينية التي تكون نصف مطهية.

ثالثاً: تميز الأطعمة الإسلامية بجمال ألوانها وجودة رائحتها ولذة طعمها وشدة نظافتها، حتى إن بعضها يتم اعتماده كعلاج لعدد من الأمراض، فمثلاً ورد في موسوعة المأكولات والمشروبات بقلم هو سي هوي في أسرة مينغ (1368 - 1644م) أن ثمة أطعمة من لحوم الأبقار والأغنام مثل عجائن لحم الخروف وصدور البقر هي أطعمة طبية ثبت تجربتها، كذلك فإن نوعاً من الخميرة المصنوعة من فول الصويا عند المسلمين إذا جرى خلطها بالدقيق، لها فاعلية في إزالة البثور من الوجه.

رابعاً: تتميز الأطعمة الإسلامية أيضاً رغم جودتها وجمال مذاقها، برخص ثمنها؛ لذا فإن مطاعم المسلمين تشهد إقبالاً كبيراً حتى من غير المسلمين، الذين يفضلون الطعام الإسلامي على غيره من الأطعمة.

مناطق وأطباق

تتميز مناطق تجمعات المسلمين في المقاطعات الصينية بأطباقها الخاصة ذات المذاق المتميز والمناسب لمنتجات هذه المناطق ومن أشهر هذه الأطباق:

- المعكرونة بلحم البقر نيو رو لا ميان: وهو أشهر طعام إسلامي في الصين، لكن منشأه مقاطعة قانسو في شمال غرب الصين، وهو عبارة عن معكرونة على شكل نودلز يتم إعدادها طازجة من الدقيق والماء ثم توضع في الماء المغلي للحظات ثم يتم إخراجها ووضعها في أطباق وتوضع عليها الخضراوات ولحم البقر ثم يصب فوقها حساء اللحم الساخن وتقدم للزبائن، ولأن طعمه لذيذ وسعره رخيص، فهو منتشر في كل مناطق تواجد المسلمين في الصين.

- لحم الخروف المأكول باليد في نينغشيا شو تشوا يانغ رو: تشتهر منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي بتربية الأغنام ولديها أنواع متنوعة من الأغنام طيبة اللحم؛ لذا فإن أشهر طبق إسلامي في نينغشيا يسمى لحم الغنم المأكول باليد، وهو عبارة عن لحم طلوع الأغنام المخلى من العظم يقدم طازجاً ويتناوله المسلمون بأيديهم بعد غمسه في الخل الأسود، وهو طبق دائم في معظم مطاعم نينغشيا.

- طبق الدجاج الكبير دا بان جي: وهو الطبق الرسمي في منطقة شينجيانغ حيث يعيش الإيغور، وهو قريب الشبه بالأطعمة العربية لقرب هذه المنطقة من وسط آسيا، وهو عبارة عن قطع من لحم الدجاج مع الخضراوات والتوابل الصينية، وهو منتشر في معظم مناطق تجمعات المسلمين في الصين. 


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة