الصحة النفسية للمرأة في رمضان

الصحة النفسية للإنسان
تؤثر بصورة مباشرة على الصحة الجسمية، والاكتئاب أكثر الأمراض النفسية شيوعًا في
العالم ويؤثر سلبًا على الإنسان، وتصل نسبة الإصابة 20% لدى الإناث و10% لدى
الذكور، وقد اهتم الإسلام بالجوانب النفسية للمرأة، نظرًا لطبيعتها التي تختلف عن
الرجل فهي أضعف منه في البنية الجسمية، وأكثر منه عاطفة وأرق طبعًا، وأكثر عرضة
للاضطرابات النفسية في أوقات تغير الهرمونات، مثل اكتئاب الحيض والولادة،
والاكتئاب المرتبط بانقطاع الدورة الشهرية، أو عند تعرضها للضغوط والمشكلات
الاجتماعية المختلفة التي تترك أثرها على صحتها النفسية، وأوصى الله بها في قول
سبحانه: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) (لقمان:14)، وجاءت الأحاديث النبوية تدعو إلى الإحسان إليهن، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا له بالتلطف مع النساء
بقوله: «لا
تكسر القوارير»[1] قال قتادة: يعني ضعفة النساء.كنى عن النساء بالقوارير(من الزجاج)؛
لضعف بنيتهن ورقتهن ولطافتهن.
وتزداد أهمية العناية
بالصحة النفسية للمرأة خلال شهر رمضان نظرًا للتغيرات النفسية التي تطرأ على النمط
اليومي بسبب الصيام وأداء العبادات والالتزامات الأسرية والاجتماعية، الأمر الذي
يبرز الحاجة إلى استيعاب الكيفية التي يؤثر بها صيام رمضان على الحالة النفسية
للمرأة.
التأثير الإيجابي للصيام على المرأة
الصوم له أثر كبير في
الوقاية من الأمراض النفسية كما قال سبحانه: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، فالتقوى
تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم
وقاية للصائم، بقوله: «والصوم
جنّة، وإِذا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحدِكُمْ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ
سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صائمٌ...»[2]، والمحافظة على الصلوات والنوافل، وما يصاحبها من دعاء ومناجاة
وتنفيس عما تجده من معاناة يومية له أثر كبير في تحسن الصحة النفسية للمرأة.
ويساعد الصوم كذلك في
علاج التوتر والقلق والاكتئاب الذي تعاني منه المرأة، ويعزز الشعور بالهدوء
والسكينة، فالتواصل مع الآخرين والأجواء الإيمانية المرتبطة بشهر رمضان وأداء
الصلوات وقراءة القرآن والأدعية وتبادل التهاني بين الأهل والجيران والأصدقاء،
والحرص على الأعمال الصالحة وأعمال الخير، والاستعداد العام للصفح والعفو والتصالح
مع الآخرين يعزز الشعور بالراحة النفسية والسعادة والاطمئنان النفسي على نحو ما
يشير إليه قوله سبحانه: (الَّذِينَ
آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب"(الرعد:28)،
ويعزز الصيام قدرة
المرأة على تحمل الضغوط اليومية من الأعمال المنزلية ورعاية الأولاد أو العمل خارج
المنزل لما تشعر به من أثر وثواب كبير، ويحسن من تقدير الذات لما تقوم به من
إنجازات عملية، والضبط الذاتي للسلوكيات السلبية كالانفعال والغضب الشديد أو الخوض
في الغيبة والنميمة التي تسود تجمعات النساء.
وتؤكد العديد من
الدراسات النفسية على العلاقة الإيجابية بين التدين والصحة النفسية حيث انتهت دراسة
شوماخر (Schumaker) التي استعرض فيها عشرًا
من الدراسات المسحية التي درست العلاقة بين التدين والصحة النفسية في أعوام
متفاوتة؛ فكانت معظم نتائج تلك الدراسات تؤكد الارتباط الإيجابي
بين التدين وبين كل من السعادة النفسية والصحة النفسية، وتناولت كذلك
العلاقة بين ممارسة الشعائر الدينية والصحة النفسية، وانتهت تلك الدراسات إلى نتيجة عامة تؤكد الدور الإيجابي لممارسة الشعائر الدينية في تخليص الأفراد من كثير
من الاضطرابات النفسية، مثل القلق والعزلة وتعزيز مظاهر الصحة النفسية الاجتماعية
مثل المودة والتعاون[3].
كما يساعد الصيام
النساء اللاتي تعانين من السمنة على فقدان الوزن عند مراعاة النظام الغذائي، مما
يبعث الشعور بالسعادة والتقدير الذاتي للنفس والقدرة على إنجاز المهام التي ينعكس
أثرها على الصحة النفسية.
التأثير السلبي للصيام على المرأة
بالرغم من فوائد الصيام
وثوابه الكبير فإن له مضاعفاته السلبية على المرأة التي يختلف تأثيره عليها من
منطقة جغرافية إلى أخرى حسب طول ساعات الصيام وارتفاع درجات الحرارة، وعملها خارج
المنزل، وما يعتريها من أمراض مزمنة متنوعة كأمراض الضغط والسكر، أو الأنيميا أو
أمراض القلب، ووجود مشاكل في الخصوبة أو انقطاع الطمث وغيرها أو حمل ورضاعة، وما
ينتج عنه من إجهاد بدني شديد بسبب الجوع والعطش، مما يؤدي إلى انخفاض السكر في
الدم من أثر الصيام، فقد لوحظ أن انخفاض مستويات السكر عند النساء بنسبة أكبر من
الرجال، ويقلل الصيام من عدد السعرات الحرارية التي يحصل عليها الجسم يوميًا،
ويؤثر ذلك على الإفرازات الهرمونية عند بعض السيدات، وينتج عن ذلك عدد من المشكلات
الصحية مثل تأخر الدورة الشهرية، وآلام العظام، وتقلب المزاج، وقلة التركيز،
والصداع والخمول والجفاف
والصداع والشعور بالدوار والغثيان والقيء، وبعض المضاعفات نتيجة تأخر تناول
الأدوية فترة الصيام مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للمرأة.
وقد اهتم الإسلام
بالصحة النفسية والجسمية للمرأة، فلا يقع طلاقها في الحيض، وأسقط عنها الصيام مع
القضاء في حالة الحيض والنفاس، وأباح للحامل والمرضع الفطر كما ورد عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إن
الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم»[4].
وإذا
اختارت الحامل الصيام، ولم يسبب لها أو جنينها مشكلات صحية، يمكنها الصيام وفق الإرشادات
الطبية، وحسن الرعاية النفسية، نظرًا لما يعتري الحامل من اضطرابات
نفسية، أما إذا كانت تعاني من مشكلات صحية مثل السكري، أو انخفاض ضغط الدم،
أو ضعف الجنين، فمن الأفضل لها الامتناع عن الصيام.
الدعم النفسي للمرأة أثناء الصيام
إن اجتماع الآثار
السلبية للصيام على المرأة، وما يعتريها من أمراض نفسية خاصة بطبيعتها كالقلق
والتوتر والاكتئاب في بعض الأوقات، وما يتطلب منها من التزامات منزلية أخرى يجب
عليها القيام بها تحتاج
إلى الدعم النفسي بكلمة طيبة والثناء عليها من الأهل تقديرًا للمجهود الذي تبذله،
وقد يكون ذلك بقبلة حانية والملاطفة وكلمات الحب من الزوج
التي تكون بمنزلة الدواء الشافي لما تعانيه من مضاعفات الصيام والأعباء اليومية،
ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم الأسوة في تقديم الدعم النفسي لأزواجه أثناء
الحيض والصيام، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم»[5]. وأصل المباشرة التقاء البشرتين دون الجماع.
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت
أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيّ،
فيشرب، وأتعرّق العَرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه
على موضع فيّ»[6] والْعَرْق: الْعظْم الَّذي عليه بقية من لحم.
وكان ذلك تطييبًا
لقلبها، وإذهابا للحزن الذي يأتيها وقت الحيض، وهو أيضًا من حسن العشرة وحسن
الملاطفة بين الأزواج، وإظهارًا لمشروعية مخالطة الحائض؛ فإن المرأة أحوج ما تكون
إلى الرفق في هذا التوقيت.
([1]) شرح النووي على صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمة الرسول صلي
الله عليه وسلم للنساء،ج15 ص116، رقم 2323.
([2]) فتح الباري، كتاب الصوم، باب هل يقول إني
صائم إذا شتم،ج4 ص118، رقم 1904.
([3]) د. صالح الصنيع: التدين والصحة النفسية،
مكتبة الملك فهد الوطنية، 1421هـ/2000 ،ص43.
([4]) سنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في
الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع ص94، رقم715 .
([5]) فتح الباري، كتاب الصوم، باب المباشرة
للصائم وقالت عائشة رضي الله عنها يحرم
عليه فرجها، ج4 ص176، رقم 1826.
([6]) شرح النووي على صحيح مسلم، كتاب الطهارة،
باب جواز غسل الحائض رأس زوجها،ج1 ص271، رقم 300.