العنف الأسري.. هل ترضاه المرأة أم تضطر للصبر عليه؟

محمد جمال عرفة

02 ديسمبر 2025

198

قالت الزوجة للقاضي: إنها تطلب الطلاق لأن زوجها الطبيب دأب على عضها في كتفيها وذراعيها أثناء المعاشرة وأنها كطبيبة من أسرة ثرية تتأذى من هذا السلوك العنيف الذي أدى إلى استحالة العشرة بينهما ودعمت الزوجة أقوالها بسلسلة طويلة من التقارير الطبية تفيد بحدوث عض غائر..

تقرير الطبيب الشرعي أكد حدوث العض وأكد أيضًا أنها قضية اعتيادية في سلوك بعض الأزواج في الآونة الأخيرة وأنها حالة عنف متكررة مع تنوع أساليب العنف، وهناك نحو مائة حالة مثلها تصل سنويًا لمصلحة الطب الشرعي في مصر تشكو فيها الضحية من عنف زوجها، ومعروف أن العنف الذي يصل إلى مصلحة الطب الشرعي هو العنف الذي يؤدي إلى عاهة مستديمة.

على العكس من هذا الرأي، تقف كثير من النساء العربيات، فقد أشارت إحصائية صادرة عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية بمصر إلى أن 86% من النساء العربيات يقبلن العنف من أزواجهن، وأن قاموس العنف لدى المرأة العربية يشمل أنواعًا محدودة من العنف مثل الشتم والضرب والعض والتحقير والبخل والممارسة غير السوية، وذلك على عكس الاتجاه العالمي الذي يضم 32 نوعًا من العنف الموجه ضد المرأة.

لماذا تقبل المرأة العربية العنف وتدافع عنه؟

لماذا تقبل المرأة العربية العنف وتدافع عنه؟ وما شعور الرجل الذي يمارس العنف ضد زوجته؟ الإحصائيات والدراسات تؤكد أن المرأة العربية دائمًا ما تكون ضحية أكثر منها جانية، وتشير نتائج بحث «الخبرة بالجريمة حول العالم» الذي تم إجراؤه على الواقع المصري أن نسبة النساء اللائي تعرضن للجريمة 66.3 مقابل 33.7% للذكور، كما أثبتت الدراسات الميدانية أن المرأة ضحية مفضلة في جرائم العنف، وتشير الدكتورة إيمان شريف الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر إلى نتائج دراسة إحصائية عن العنف العائلي عام 1993 أظهرت أن المرأة كأم وزوجة وأخت كانت ضحية بنسبة 40.8% من جرائم القتل و54.4% من جرائم الضرب المفضي للموت التي تمت بين أحد أفراد العائلة في ذلك الوقت.

نسبة الضرب: الأرقام الصماء لا تفيد كثيرًا، لكن رأي علماء الاجتماع والطب النفسي من خلال تجاربهم اليومية في التعامل مع ملفات ضرب الزوجات ربما يوضح الصورة أكثر، تقول الدكتورة نيللي عبد الجواد أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة إنها من خلال أبحاثها ودراساتها حول العنف الأسري حددت لائحة شكاوى الزوجات من الأزواج وهي:

  • الضرب والإهانة والسب والمعاملة القاسية والوحشية (33.5%).
  • قلة الإنفاق على الزوجة والاستيلاء على أموالها (20.5%).
  • عدم التفاهم والإهمال وعدم احترام مشاعرها (17.7%).
  • التزوج دون علمها وإقامة علاقة مع أخرى (0.6%).
  • عدم المعاشرة الجنسية وعدم التحقق الجنسي (3.5%).
  • الكذب والغيرة والشك (3.5%).
  • عدم المشاركة في تحمل المسؤولية (3.5%).
  • عدم الرحمة وعدم الرضا مهما فعلت الزوجة وكثرة الطلبات والتحكم (3.8%).
  • علاقات سيئة مع أهل الزوجة وعدم السماح للذهاب لأهلها أو الخروج (2.8%).
  • عدم الشعور بالحب (0.7%).
  • التدخل في الأمور الخاصة (0.7%).

تضاف لتلك اللائحة لائحة أخرى بسلوك الرجل حين يغضب فهو يشتم ويصيح ويهين، وهذا مسلك 49% من رجال الوطن العربي و36% منهم يضرب و0.7% منهم يتركون المنزل و4% منهم يحطم مقتنيات المنزل، ونفس النسبة الأخيرة (تبرطم) أو تخاصم الزوجة و3% يطلقون أو يهددون بالطلاق أو يطردون الزوجة، ومثلهم يقطعون مصروف المنزل وأحدهم ينفث عن غضبه بضرب الأطفال.

لائحة العنف والشكاوى تتسع

لكن كثيرًا من النساء يقبلن مثل هذا العنف ولا يعتبرن كل ما يصدر عن الرجال عنفًا، وتقتصر نظرة النساء العربيات على لائحة مختصرة تشكل مفاهيمهن عن العنف.

آخر دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تؤكد أن ضرب الزوجات بصفة مستمرة يتوقف على عدة جوانب في مقدمتها رضا الزوجة والتوافق الفكري والسلوكي والارتباط الوجداني والعاطفي والثقة في الزوجة والسلوك الاستفزازي للزوجة، حيث يؤكد 39% من الأزواج الذين يقدمون على ضرب زوجاتهم أن حياتهم قبل الزواج أحسن من بعده وأن المشاكل تزداد يومًا بعد يوم والخلافات تدور حول تربية الأولاد وتوزيع نفقات المنزل كما أكدت الدراسة أن معظم الأزواج الذين يقدمون على ضرب زوجاتهم لم يناقشوهن ذات مرة في مشكلاتهن الشخصية أو مشكلاتهن في العمل وأن 52.5% لا يخرجون للنزهة مع بعضهم البعض كما أن الزوجة لا تقدر ظروف الزوج، كما لا يثق هؤلاء الأزواج في زوجاتهم، حيث أكد بعضهم أنها تفشي الأسرار للجيران، أو تدخر بعض المال دون علمه.

وتتناول الدراسة السلوك الاستفزازي للزوجة وأهم مظاهره الخروج دون إذن والتهديد دائمًا بترك منزل الزوجية ورفع الصوت عليه ونقد تصرفاته، ويؤكد 21.5% من هؤلاء الأزواج أن الزوجة ترتدي ملابس لا يرضى عنها، وقالت 23% من العينة إن زوجاتهم تسيء معاملة الأولاد.

وعن التحريض الاجتماعي على العنف ضد الزوجة تقول الدراسة إنه قليلًا ما تحرض أسرة الزوج على الاعتداء على الزوجة، بينما تحرض 41% من الأسر الزوجة على عصيان زوجها ولم يحدث أن نصح أصدقاء الزوج بالضرب إلا بنسبة 7%.

وحصرت الدراسة أسباب الخلافات الزوجية من وجهة نظر الزوج والتي يقوم على إثرها بضرب الزوجة في عصيان الأوامر (36%) و19.5% سوء سلوك الزوجة و17% إهمال شؤون المنزل و5% الغيرة و8.5% لأنها تعترض على تصرفات الزوج وجاءت بعد ذلك أساليب تربية الأولاد وأمور مالية وسوء علاقتها بأهل الزوج.

شعور بالراحة

القائمون على الدراسة سألوا الأزواج كيف تتغلبون على هذه الخلافات؟ وكانت الإجابة:

  • بالمناقشة والتفاهم في المقدمة.
  • اللجوء إلى طرف ثالث ثم الصلح.
  • ترك المنزل أو الضرب.

ويعد العنف أحد أشكال العدوان البدني في حين تندرج الإهانة اللفظية تحت مفهوم العدوان اللفظي والأخير يسبق العنف البدني أو يصاحبه في حالات عديدة، وقد أكد 24.5% من مرتكبي العنف ضد الزوجات أنهم يشتمون زوجاتهم وهم يقومون بصفعهم وركلهم ودفعهم.

وأكد 26% منهم أنهم مارسوا العنف الشديد ضد زوجاتهم بطريقة اللكم أو الضرب بآلة حادة أو استخدام سلاح ناري. وسألت الدراسة الأزواج عن رد فعل الزوجات اللائي يضربن فقال 19% منهم: تقوم الزوجة بإبلاغ الشرطة، أما الباقيات فلم يفعلن شيئًا، ولعل هذا السلوك وراء إحساس 45% من الأزواج بالندم بعد ضرب الزوجة بينما لم يشعر 29% منهم بشيء وغضب 13% من أنفسهم وشعر الباقون بالراحة.

من ناحية أخرى ذكر بحث ميداني أعدته اللجنة القومية للمنظمات غير الحكومية للسكان والتنمية أن أشكال العنف ضد النساء تتراوح ما بين أشكال تكاد تتخذ العادة المقبولة وأخرى يسدل عليها الستار لأسباب عائلية أو اجتماعية وأخرى يدارى عليها لأسباب سياسية عامة وأحيانًا يؤيد المجتمع العنف ضد الزوجة في مثل حالة ليلة الزواج في بعض البلدان (فض بكارة العروس باليد وإعلان شرف الزوجة على العامة».

ولا ينتهي العنف الأسري على النساء ليلة الدخلة وإنما يعتد إلى الحياة الأسرية، كما لا تقتصر ممارسة العنف الجسدي على الطبقات الفقيرة والأخطر هو العنف المعنوي والنفسي الذي تتعرض له الزوجة باعتبار أنه يجب عليها الاستكانة وتحمل المعاناة من أجل الأبناء واستمرار الاستقرار الأسري، ويمتد طيف العنف النفسي ليشمل الإهانة والتجاهل والتهديد باستخدام العنف وتجاهل رغباتها وآرائها فيما يتعلق بتفاصيل حياتها الأسرية والتهديد بإيذاء الأبناء، بل إن بعض النساء بدأن في الشك في قواهن العقلية وقدراتهن على التعبير لكثرة ما تعرضن للقهر النفسي.

رصد العنف الجسدي صعب

وتتجاوز معدلات انتشار العنف الجسدي ما ترصده الإحصائيات الرسمية المستمدة من ملفات الشرطة، فقليلة هي الحالات التي تتقدم بالشكوى أما اللائي يتعرضن للعنف ولا يتحدثن عنه خوفًا أو خجلًا من التبعات الاجتماعية فما زلن خارج نطاق المعرفة العامة والبحوث الميدانية.

ويلاحظ أن ضرب الزوجات ليس جريمة مطلقة بل يدخل في تقديرها عوامل كثيرة مثل وضع المرأة الاجتماعي والثقافي، مما يجعل القاضي يميل إلى الحكم بأن العنف في هذه الحالة أو تلك من الأمور المقبولة اجتماعيًا، وإذا انتقلنا من الضرب إلى المعاشرة رغمًا عن رغبة الزوجة، فإن القانون المصري لا يعرف ما يسمى باغتصاب الزوج لزوجته وكذلك أغلب القوانين العربية ومن ثم فلا مجال للشكوى منه، وأخطر ما في الدراسة أن 70% من الرجال رأوا أن هناك مبررات أحيانًا تجيز ضرب الزوجة علمًا بأن 35% من عينة الرجال كانوا حاصلين على درجة جامعية ومن بين كل مائة رجل كان هناك أربعة رجال لا يرون مانعًا من توبيخ الرجل لزوجته أمام الآخرين وتسعة لا يرون مانعًا في ذلك أمام الأطفال.

أسباب العنف

من جهة أخرى يؤكد أساتذة الاجتماع وعلماء وأطباء الأمراض النفسية والأطباء داخل مصلحة الطب الشرعي أن من يأتي إليهم من الأزواج والزوجات الذين يقومون بضرب بعضهم البعض نسبة ضئيلة جدًا لا تمثل حقيقة ما يحدث داخل البيوت.

يؤكد ذلك الدكتور فخري صالح، كبير الأطباء الشرعيين في مصر ويقول إن عدد القضايا التي تأتي إلى مصلحة الطب الشرعي لا تزيد على مائة قضية في العام من 33 ألف قضية تنظرها مصلحة الطب الشرعي سنويًا و60% من هذه القضايا المائة عبارة عن اعتداء الأزواج على الزوجات بوسائل مختلفة منها الضرب والركل والعض و30% سوء استخدام جنسي والباقي ويمثل 10% إهانة معنوية وتنقسم هذه القضايا إلى قضايا مدنية وقضايا أحوال شخصية وقضايا جنائية.

القضايا المدنية وهي قضايا التعويضات التي تطالب فيها الزوجة بتعويض من زوجها لإحداثه عاهة مستديمة لها ومثل هذه القضايا ضئيلة والسبب أن السيدات يرفضن الإبلاغ عنها لأنهن يبحثن عن الترابط الأسري من أجل الأولاد ويؤمنَّ بأن طاعة الزوج من طاعة الرب.

وتصل قضايا الزوجات في حالة العاهة المستديمة إذا كان لها إخوة وأهل أقوياء يستطيعون أن يحموها وينفقون عليها هي وأولادها، ويقول الدكتور فخري: تصل إلينا حالات الزوجات المضروبات من الطبقة العليا رغم أن إهانتهن تكون أقل ممن ينتمين للطبقة الدنيا لأن التأثير المعنوي عندهن عالٍ والنعرة الطبقية عالية وما يشاهدنه من ضرب الأزواج لزوجاتهم في هذه الطبقة قليل جدًا.

وعادة ما يحدث الضرب في الطبقة العليا عندما تتزوج المرأة من رجل أقل منها في المستوى الاجتماعي.

«كوكتيل» من العوامل يفسر الظاهرة

ومن جانبه، يحلل د. عمر شاهين أستاذ الطب النفسي العوامل التي تدفع الرجل لضرب المرأة بأنها كوكتيل من عوامل اجتماعية وطبية ونفسية أهمها الضغوط النفسية والشعور بالإحباط وضعف مستوى التعليم والبطالة، أما العوامل النفسية فترجع لأنواع معينة من الشخصيات مثل الشخصية السادية التي تتمتع بإيذاء من حولها وفي هذه الحالة تكون الزوجة والأولاد هم الضحايا وفي بعض أنواع الأمراض كالفصام وجنون الاضطهاد يكون العنف عرضًا مرضيًا.

أما بالنسبة للعوامل الطبية التي تنتج عنها تغيرات في الجسم مثل مرض السكر واضطرابات الغدة الدرقية فتلك تجعل الشخص عصبيًا وعدوانيًا، علاوة على أن هناك الأبحاث الحديثة تؤكد أن السلوك العدواني تجاه الآخرين له صفة وراثية لوجود جينات تتحكم في هذا السلوك العدواني، ويلفت د. عمر النظر إلى ظاهرة خطيرة: إنه بعد أن أصبح اعتداء الزوجات والأزواج على بعضهم البعض أرضية للطلاق ظهرت ظاهرة الإصابات المفتعلة وبالذات مع وجود تسيب في إصدار التقارير الطبية وعدم تحري الدقة فيها، ففي بعض الأحيان تقوم المرأة بضرب نفسها وتلفق التهمة لزوجها(1).

من ذاكرة المجتمع

1- وانقلب السحر على الساحر الصهيوني!

2- ماذا بعد الحرب؟! 

3- «هولوكوست» اليهود و«محرقة» غزة.. هناك فرق!

4- رسائل للتبصير والتقدير

5- تدمير مساجد غزة.. جريمة لا تُغتفر 

6- إعمار.. أم استعمار! 

7- المشرَّدون ما زالوا في العراء

 8- فلسطين.. بين شروط الاستسلام اليهودية وضغوط الأنظمة العربية

 

___________________

(1) نُشر بالعدد(1567)، 10 رجب 1424هـ/ 12 سبتمبر 2003م، ص60.  

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة