المناضلون الجوف وشيطنة الثورة!
مشكلة من يسمونهم النخب الثقافية في الواقع العربي، أنهم يؤمنون بشيء واحد فقط؛ هو مصالحهم الذاتية، ومنافعهم المعيشية، لا يلتفتون إلى القيم العليا التي ينبغي أن يخلص لها المثقف في مجتمعه، مثل الحرية والكرامة الإنسانية وحق التعبير، والإيمان باختلاف الرأي والرؤى في إطار العمل العام، والرجوع إلى موقف الأكثرية في القبول بما ينبغي إقراره واعتماده. ولهذا يرفضون الإسلام جملة وتفصيلًا، ويرونه مصدر متاعب لهم!
النخب الثقافية-وأقصد بها تلك التي يتاح لها المجال لتعبّر عن آرائها وأفكارها على نطاق واسع وعبر وسائل الدعاية الرسمية الضاربة- لا تسمع غير الصوت الذي يصل آذانها من الجهات التي تستخدمها، ولا تجد حرجًا في استخدام الكذب والتضليل والتدليس، وتضيف إلى ذلك أنها أكثر وطنية وقومية وإسلامًا من الآخرين مع أن أكثرها يساري أو شيوعي أو دنيوي.. وتدعي أنها وحدها تملك العقل المستنير والتحليل السليم والرأي الصائب.. وبقدر ما يكون الإغداق من المستخدمين والمانحين يكون التطوّح في ساحة الذكر والدروشة والولاء للمستبدين والقامعين والطغاة.
استطاع السفاح الطائفي اللص الهارب بشار الأسد أن ينشئ نخبًا تعمل لحسابه في عديد من العواصم العربية، تدافع عنه، وتضع ضميرها في ثلاجة وتسكت عن مجازره وجرائمه ضد شعبه السُّني البريء الأعزل، وفي الوقت نفسه تشيد بما يسمى الصمود والتصدي الذي يمثله، ولا وجود له على أرض الواقع.
كان الإرهابي الدموي اللص بشار الأسد سخيًا مع بعض هذه النخب، فقد كان يمتلك مما سرقه من أموال الشعب السوري التعيس ومن تجارة الكبتاجون المخدرة مئات المليارات من الدولارات التي شبهتها «الفايننشال تايمز» بجبل الكاش! وذكر موقع «العربية»، في 18 ديسمبر 2024م، الذي نقل تقرير الصحيفة أن البنك المركزي نقل بين عامي 2018 و2019م، ما يقارب 250 مليون دولار إلى روسيا، بالإضافة إلى تفاصيل مثيرة تتعلق بنقل الأموال، وأظهرت الوثائق أن الطائرات السورية نفذت 21 رحلة جوية لنقل الأموال إلى روسيا خلال تلك الفترة.
وكشفت التحقيقات أن شخصيات اقتصادية مقربة من الأسد، مثل ياسر إبراهيم، أدت دورًا محوريًا في إدارة هذه العمليات المالية، وقد تعاونت هذه الشخصيات الاقتصادية مع شركات خارجية لتسهيل عمليات نقل الأموال، بالتنسيق مع جهات إقليمية داعمة للنظام، وقالت «فايننشال تايمز»: إن هذه الأموال أُودعت في بنوك روسية خاضعة للعقوبات الأمريكية.
ويبدو أن فقدان العلف الذي كانت تعتمد عليه النخب الموالية لبشار بعد سقوطه، أفقدها صوابها، فراحت تضرب يمينًا وشمالًا بأفكار وآراء ما أنزل الله بها من سلطان، خلاصتها أن يعود السوريون إلى عصر القمع والقهر والذبح والتهجير وإلغاء الإسلام، وحبذا لو توسعت سجون المخابرات وأجهزة المخابرات وتعددت مكابس صيدنايا لتستوعب أعدادًا أكبر من السوريين الأبرياء وخاصة ممن يقولون ربنا الله.
لقد طالعنا دعوات لاغتيال أحمد الشرع، وكلامًا عن المقاومة السورية(!) ضد تحرير دمشق، وجماعات عنف ضد الثورة من عينة أبناء سورية الأوفياء! وحكايات عن جرائم يقوم بها أحمد الشرع الذي يصرّون على تسميته بالجولاني ضد الأبرياء!
لا أظن إنسانًا يملك ذرة من إنسانية يرى أن تحرير الشعب السوري من نظام مجرم لص لا يعرف الله، يستوجب من المناضلين الجوف والنخب الثقافية الفاسدة إشعال مناحة لإعادة القمع والقهر والتعذيب والإبادة بالبراميل المتفجرة والكيماوي والنابالم ليحكم خائن معاد لله ورسوله والعروبة والحرية والمستقبل.
أشارت صحيفة «وطن»، في 13 يناير 2025م، إلى مقال كتبه شخص موال للعدو النازي اليهودي يحرض لاغتيال أحمد الشرع، نشر المذكور وهو مقرب من دائرة الحكم في بلاده، مقاله في موقع «عروتس شيفع»، الناطق بلسان التيار الديني الصهيوني في الكيان النازي اليهودي، والكاتب المتهوّد وصف أحمد الشرع بأنه «قائد مليشيات»، قائلًا: إنه مما لا شك فيه أن «جبهة النصرة» -التي عُرفت فيما بعد باسم «هيئة تحرير الشام»- اكتسبت خبرة كبيرة في ساحة المعركة خلال حربها التي استمرت 12 عامًا ضد نظام الأسد، ومع ذلك، فإن حماية رئيس الدولة تتطلب نهجًا أمنيًا مختلفاً تماماً عن حماية قائد المليشيات.
وفي شيطنة للإدارة السورية، قال الكاتب المتهوّد: إن ما يقوم به الشرع وإدارته الجديدة لعبة بعيدة عن أن تكون آمنة، فأينما وجدت الترتيبات، تأتي المعارضة، وقد تكون دولًا أو منظمات أو حتى قادة أفراد، سواء كانوا منافسين أو محتملين أو قادمين.
واضح أن الثورة المضادة للشعوب العربية تخشى أن يلحق بها تيار الحرية والكرامة والعدالة وحضور الإسلام الذي يكرهونه، ولذا يروجون بخسة ونذالة وخيانة لما يسمى المقاومة الشعبية السورية والعمليات النوعية ضد «هيئة تحرير الشام»، ردًا على الجرائم التي ارتكبتها الهيئة الإرهابية بحق المدنيين في أرياف حمص والساحل وحماة وحلب، كما يزعمون.
ويتحدثون عن نجاح مجاهدي المقاومة الشعبية كما يسمونها في اغتيال من يصفونه الإرهابي محمد خالد الصفدي أبو سامي، رئيس مخفر الشيخ مسكين، التابع لما يسمى الأمن العام (الإرهابي)!
قبل أيام روجت النخب العميلة المعادية للإسلام لمقتل كاتبة طائفية نصيرية تدعى رشا العلي، والعثور على جثتها مقطوعة الأصابع نتيجة التعذيب، وتباكى المستنيرون في أرجاء الوطن العربي بسبب الظلامية التي تقتل المفكرين والمثقفين الشرفاء، وتلقي جثثهم في الطريق بعد تعذيبهم وقتلهم، وقال كاتب فرانكفوني مرتزق عدو للإسلام والمسلمين: يجب أن ينهض المفكرون والمثقفون العرب لمواجهة الظلامية التي وصلت إلى دمشق!
الأمن العام السوري في حكومة الثورة نفى أن تكون هناك جثة ألقيت في الطريق أو عذبت أو قطعت أصابعها كما ألح على ذلك الصعاليك وأرامل الطاغية الدموي اللص، وأن السيدة المشار إليها مخطوفة (ولا بد أن يكون خاطفوها من فلول النظام الطائفي النصيري)، وأنه يسعى وراء من اختطفوها لتحريرها.
ثم إن أعداء الحرية ينفخون في نار الفتنة الطائفية، ويروجون لصراعات بين الطوائف، مع أن الإدارة الجديدة تحاول أن تحل الأمور بمنطق وطني يجمع ولا يفرق، هل هناك معنى أن يذهب واحد من طائفة الدروز إلى أمريكا أخيرًا اسمه موفق طريف طلبًا لحماية أقليته؟ ونسي أن الحاضنة الغالبة هي التي تحمي أقليته وتحميه، ولكن الولاء لأمريكا لن يحميه فيما أتصور!
وإذا كانت الفلول الطائفية النصيرية والمناضلون الجوف في سورية لا يتوقفون عن بث الأكاذيب والتخرصات، فإن المناضلين الجوف في المحروسة شاركوا بأكاذيب من النوع الثقيل المفضوح!
وقد تولى موقع «صحيح مصر» تفنيد الأكاذيب التي روجها أحدهم وهو يساري شهير، حول سورية بعد تحريرها من الطاغية الدموي اللص، وأشارت إليه «وطن»، في 13 يناير 2025م، وكانت الأكاذيب قد نشرت في 17 ديسمبر 2024م في 3 نقاط:
الأولى: قال اليساري: «الجولاني مضى بأسرع من أي توقع بإحالة القاضيات السوريات إلى التقاعد».
وقال «صحيح مصر»: تصريح غير دقيق، إذ لم يصدر أي قرار عن وزارة العدل السورية بإحالة قاضيات إلى التقاعد، كذا لم تشر أي تقارير صحفية سورية إلى اتخاذ أحمد الشرع قرارًا بإحالة قاضيات إلى التقاعد، على عكس ما ادعى اليساري.
لم يصدر وزير العدل في الحكومة الانتقالية الجديدة، شادي الويسي، أي قرار بإحالة قاضيات للتقاعد منذ توليه المهمة بشكل رسمي في العاشر من ديسمبر 2024م، وفقًا لموقع الوزارة وصفحتها الرسمية على مواقع التواصل.
وسبق أن نوهت الصفحة الرسمية لوزارة العدل السورية بضرورة عدم الالتفات للشائعات التي يتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأن تكون القنوات الحكومية الرسمية هي مصدر المعلومات لديكم، وأن أي تعليمات أو قرارات أو تعاميم ستصدر فيما يخص عمل وزارة العدل سيتم نشرها عبر الصفحة الرسمية لوزارة العدل.
الثانية: زعم اليساري: «تحريم بث أغاني السيدة فيروز باعتبارها نصرانية».
وهو تصريح غير دقيق، إذ نفت «الإذاعة السورية» خبر منع بث أغاني فيروز، كما لم تنشر أي وسيلة إعلامية ذات مصداقية خبر تحريم الجولاني لأغاني فيروز، على عكس ما ادعى اليساري.
ونشرت «الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية» نفيًا عن «هيئة الإذاعة والتلفزيون السورية»، تقول فيه: إنه لم يصدر أي قرار عن الإدارة بمنع أغاني فيروز أو غيرها.
وردت «الهيئة العامة للإذاعة السورية» على استفسار من «الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان»، قائلة: إنه يتم حاليًا بث فقط البلاغات والقرارات الصادرة، ولم يصدر أي قرار عن الإدارة بخصوص أغاني السيدة فيروز أو غيرها.
الثالثة: مزاعم اليساري: «باغتيال علماء في منازلهم بسورية».
وهو تصريح غير دقيق، إذ إن أخبار اغتيال علماء سوريين على يد «الموساد الإسرائيلي» مفبركة، ولا يوجد ما يوثق اغتيال أي عالم سوري في أعقاب رحيل نظام بشار الأسد، على عكس ما ادعى اليساري.
وبصفة عامة، فإن تأثير هذه الأكاذيب والتخرصات قد ينال من الحلم السوري الذي تحقق بالحرية بعد 60 عامًا من حكم الطائفة الدموي واستئصاله للإسلام وذبح مليون مسلم على يد بشار، وأكثر من 40 ألفًا من قبل على يد أبيه حافظ، وعمه اللص الكبير رفعت الأسد.
إن حلم السوريين ببناء سورية الجديدة خالية من مصادرة الإسلام والقمع والاستبداد الذي عانوا منه لعقود، يتعرض لـ«ثورة مضادة»، وتكرار سيناريو مُشابه لما جرى في دول أخرى، حيث تمكّنت الثورات المضادة من العودة واستلام زمام السلطة؛ (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 140).
وأظن المسألة في دمشق ستختلف إن شاء الله!