5 فوائد للصيام في شعبان
أقبلت أيام الخير، فعلى باغي الخير أن يُقبِل، وفي هذه الأيام تتهيأ الأمة الإسلامية لشهر رمضان المبارك، وهو شهر الصوم، وصوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ولكي يُحسِن المسلم صيام رمضان؛ عليه أن يستعد له قبل دخوله، من خلال التخطيط والترتيب للطاعات، وتجديد النوايا لعمل الصالحات، وتعويد النفس والبدن على الصيام من خلال الصوم في شعبان.
وللصوم في شهر شعبان فوائد متعددة وفضائل متنوعة، منها ما يأتي:
1- الاقتداء بالنبي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الصيام في شعبان أكثر من غيره من بقية الشهور، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».
وروى مسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ.
وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان وإنما كان يصوم أكثره(1).
وقد بحث كثير من العلماء عن سر كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم في شعبان، وجاءت أقوالهم متعددة في ذلك، وجمع ابن رجب الحنبلي في «لطائف المعارف» بعضاً من ذلك فقال: روى الطبراني عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وربما أخر ذلك حتى يقضيه بصوم شعبان.
قال ابن رجب: وكان صلى الله عليه وسلم عمله ديمة، وكان إذا فاته من نوافله قضاه كما كان يقضي ما فاته من سنن الصلاة، وما فاته من قيام الليل بالنهار، فكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله قبل دخول رمضان، فكانت السيدة عائشة حينئذٍ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن المرأة لا تصوم وبعلها شاهد إلا بإذنه.
2- الحرص على رفع الأعمال إلى الله في حال الصيام:
روى أحمد، والنسائي، عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
3- الانشغال بالعبادة في وقت غفلة الناس:
يهتم الناس بكثير من الأعمال الصالحة في رجب، لأنه من الأشهر الحرم، كما يهتمون برمضان لما فيه من الفضائل، وفي الوسط منهما يأتي شعبان، فينشغل فيه الناس بالاستعداد لرمضان، من خلال المسارعة في الأعمال الدنيوية، رغبة في التفرغ للعبادة في رمضان؛ لذلك يجب أن ينشغل الناس بشعبان انشغالهم برجب ورمضان.
4- التعود على الصيام استعداداً لرمضان:
روى ابن ماجه، وابن حبان، عن معاوية بن أبي سفيان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ»؛ فالخير يأتي بالتعود، حيث يحمل الإنسان نفسه على فعل الخير ويجاهدها مرة تلو الأخرى حتى تتعود عليه، أما الشر فهو لجاجة، لكونه فيه العوج والاضطراب.
ومن هذا المنطلق كان الصيام في شعبان وسيلة للتمرين على الصيام في رمضان والتعود عليه، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط(2).
5- الصيام في شعبان أفضل من الأشهر الحرم:
قال ابن رجب الحنبلي: إن قيل: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم»
فالجواب: أن جماعة من الناس أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية لاعتقادهم أن صيام المحرم والأشهر الحرم أفضل من شعبان كما صرح به الشافعية وغيرهم، والأظهر خلاف ذلك، وأن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم.
ويدل على ذلك ما خرجه الترمذي من حديث أنس سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: «شعبان، تعظيماً لرمضان»، وفي إسناده مقال.
وفي سنن ابن ماجة: أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صم شوالاً»، فترك الأشهر الحرم، فكان يصوم شوالاً حتى مات، وفي إسناده إرسال.
وقد روي من وجه آخر يعضده فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم، وإنما كان كذلك لأنه يلي رمضان من بعده، كما أن شعبان يليه من قبله وشعبان أفضل لصيام النبي صلى الله عليه وسلم له دون شوال، فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحرم فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى.
فظهر بهذا أفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان قبله وبعده وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه.
ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان المحرم» محمولاً على التطوع المطلق بالصيام، فأما ما قبل رمضان وبعده فإن يلتحق في الفضل.
كما أن قوله في تمام الحديث: «وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل» إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء خلافاً لبعض الشافعية، والله أعلم(3).
___________________
(1) لطائف المعارف: ابن رجب الحنبلي، ص 128.
(2) المرجع السابق، ص 135.
(3) المرجع السابق، ص 129.