02 فبراير 2025

|

ترمب.. وارتفاع «الأدرينالين»!

جهاد أبو العيس

02 فبراير 2025

34

يعاني الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب من متلازمة ارتفاع هرمون الأدرينالين، رغم انتهاء حالة الانتشاء والشعور بالعظمة بعد إعلان نتائج فوزه الكبير في الانتخابات الأمريكية.

ثمة اعتقاد سائد يقول: إن فورة النشوة (نشوة الأدرينالين)، تسللت إلى عقل الرئيس ولسانه، حتى إنه بدأ يتصرف باعتقاد أنه لم يفز بانتخابات الولايات المتحدة الأمريكية وحسب، بل بدأ يتراءى له أنه فاز بانتخابات العالم لرئاسة مجرة درب التبانة والمجموعة الشمسية! لذا بدأ بإطلاق تصريحات فضائية، والكشف عن مواقف كاريكاتيرية، بعيدة عن السياسة والكياسة، وقريبة من سيناريوهات مدينة السينما في هوليوود!

في شطحاته الأخيرة، طلب ترمب باتصال مع العاهل الأردني استضافة فلسطينيين سيجري نقلهم من قطاع غزة، قال أيضاً: إنه سيفعل ذلك باتصال مع «الجنرال السيسي»، كما سماه!

للوهلة الأولى، بدا أننا أمام رئيس يعاني من آلام في الرقبة، يجلس على أريكة ويمسك بمقبض لعبة «بلايستيشن»، ويقرر أن يضغط زر انتقال مئات آلاف الفلسطينيين من غزة إلى كل من مصر والأردن!

نسي ترمب، تاجر العقارات، وضعيف الاحتراف بلعبة البيسبول التي يحب، فشله طوال 4 سنوات (20 يناير 2017 - 20 يناير 2021م)، في تطبيق وعود وقرارات وسياسات أرادها وعمل عليها بقوة، فشل في تطبيق «صفقة القرن»، وتحديداً فشله في عام 2019م عندما اقترح بنفسه على ملك الأردن استيعاب آلاف الفلسطينيين مقابل مساعدات مالية، فشل في تسريع عجلة التطبيع، فشل في كسر إرادة الفلسطينيين بعد نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، فشل في تركيع إيران التي توعد بإنهاء مشروعها النووي، فشلت جدرانه الحديدية في منع دخول المهاجرين عبر مساماتها من المكسيك، فشل في تطويع التنين الصيني، وقبلها في جعل روسيا تسير على كرسي متحرك.

 

 

https://mugtama.com/a/az4r6Rg7

ما زال ترمب العاشق للمصارعة، والمتفاخر بأنه ضرب معلّم الموسيقى يوماً على عينه، يعيش نشوة الفوز، ما زال الأدرنالين في عروقه مرتفعاً.. ما زال التصفيق يرن في أذنه في أعلى ذروته.. لكن كل ذلك سيختلف حين يحاول طاقمه تنزيل التصريحات إلى وقائع.. حينها سترتطم التصريحات مع التعقيدات.. سيكتشف أن هناك كلفاً وضريبة وتداعيات ستُدفع، وألغاماً ستتفجر في المنطقة في حضن الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء.

فشل ترمب المعروف بشده الفتيات من شعورهن بعنف في مراهقته، في فهم عجينة الفلسطيني وكيميائها، فمن رفض ترك غزة تحت جبال النار وآلة الفتك والقتل والهدم بالسلاح الأمريكي، لن يتركها بتصريحات شبيهة بالمخدرات، لو أراد الغزيون موطناً غير غزة لخرجوا أولى ساعات الحرب، وحافظوا على أنفسهم ودمائهم وأبنائهم وأموالهم.

فشل ترمب الذي يصر على العيش بعد أن وصل سن الـ78 عاماً، بشخصية المراهق الذي كان مغرماً بالعراك والمصارعة وفرض الذات في مدرسته الإعدادية، في فهم حقيقة الصراع في فلسطين، فهو يتخيل أن المسالة صراع على عقار أو واجهات تجارية مطلة على البحر، فمن انحدر من عائلة سويدية كما قال في كتابه «فن الصفقة»، لا يعرف ولن يعرف ماذا تعني الأرض والوطن، فمن نشأ كوالده تاجراً للعقارات مبلغه من الوجود مرهون بعدد الأبراج ولغة الشيكات وأسهم البورصة فقط.

ستبقى مفاهيم الرأسمالية العالمية ورجالاتها عاجزين عن فهم كنه وقيمة الأرض بالنسبة للعربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً، سيبقون عاجزين عن فهم السبب الذي يدفع بعشرات الآلاف للتضحية بأنفسهم وأطفالهم داخل الأخدود، في سبيل البقاء والعيش في مساحة أرض لا تزيد على 360 كلم، سيبقون بعيدين جداً عن فهم السر الذي يدفع مثلاً بالأسير الفلسطيني عبدالله البرغوثي، المحكوم بـ 6700 سنة، أن يقول: إن ذلك يعد ثمناً بخساً أمام ذرة تراب من فلسطين.

ثمة ما يحير العقلية الغربية ومعها «الإسرائيلية»؛ لماذا يفرح الغزيون رغم كل هذه المقتلة؟! لماذا ما زالوا يرفعون راية النصر؟! لماذا يحتفلون ويرقصون ويصفقون بين الدمار؟! تكمن الإجابة في استمرار غياب فهم سردية الموت والحياة، الفرح والحزن، الوطن والأرض، بين ثقافة غربية جامدة متكلسة خالية من مشاعر الكرامة، وثقافة متشربة لمعنى الوفاء والفداء، وما بين المفهومين أودية سحيقة من الإدراك.

ثمة مشكلة بين غزة وقوى الاستكبار.. مشكلة مركبة كانت من بين أسباب الإطاحة بالحزب الديمقراطي في انتخابات أقوى دولة في العالم.. مشكلة دفعت برئيس الولايات المتحدة الجديد أن يتباهى حتى أمام المرآة كلما نظر إلى نفسه أنه من حقق وقف النار وتبادل الأسرى مع غزة.. ماذا فعلت بهم غزة؟ ماذا شكلت وتشكل لهم غزة؟ ما يجري يثبت أن العالم منهزم وضعيف أمام غزة.. أصبحت هذه الجغرافيا المنغرسة في حديث رباط النبي في خاصرة عسقلان مشكلة الجميع المستعصية.

 

غزة اليوم تقول لترمب: نجحنا في رهان الصمود.. نجحنا تحت البركان.. نجحنا رغم كلفة الدم في امتحان البقاء.. تعاقبت علينا الدنيا وكل جحافل الغزاة وبقينا شعب الجبارين.. وعلى كل الذين راهنوا وسيراهنون على سقوطنا وتهجيرنا أن يعيدوا حساباتهم ويعيدوا قراءة التاريخ. 

وهنا.. لطالما قالت غزة للأنظمة والشعوب العربية والإسلامية: لا تتركوني.. ليس لشيء إلا لكوني حائطكم المنيع في وجه الأعداء والمخططات.. لا تتركوني فلطالما قلت لكم: إنكم الهدف التالي.. لطالما رددت لكم: «ستقولون يوماً: أكلت يوم أكل الثور الأبيض».


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة