تفشي الجريمة في المجتمع الإسلامي

بدأت أول جريمة على وجه الأرض منذ عشرات الآلاف من السنين، عندما قتل قابيل أخاه هابيل، وعلى الرغم من أن هذه الجريمة تسببت في مضاعفة الذنب ليجعل الله تعالى قتل النفس الواحدة المسلمة كقتل الناس جميعًا، وذلك في قوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة: 32)، فإن القتل والجرائم لم تتوقف في المجتمعات الإسلامية، بل أخذت تزداد عامًا تلو آخر، وجريمةً تلو أخرى، وأصبحت الضحايا تتساقط ضحية تلو الأخرى.

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ رصدت الجزائر 110 حالات قتل ضد النساء في عامي 2020 و2021م، كما أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من 29 مليون فتاة تعرضن للاغتصاب أو التحرش الجنسي قبل سن 18 عاماً في دول شمال أفريقيا وآسيا!

ومن ناحية أخرى، كشفت إحصائية أن جرائم السرقة والشروع بها من أكثر الجرائم المنتشرة في الدول العربية، تليها جرائم المخدرات، ثم السلب بالقوة، حيث بلغ عدد جرائم السرقة في إحدى هذه الدول 11312 جريمة خلال عام واحد.

وإذا ما نظرنا إلى الجرائم التي فاحت رائحتها في المجتمع الإسلامي نجد أن رجلاً يقتل زوجته، وامرأة تضع السم لزوجها، وولداً يقتل أباه، وأباً ينجب من ابنته، وجداً يغتصب حفيدته، وأخاً يستحل أخته، وفتاة تطعن أمها، وأماً تقتل أولادها.. إلخ!



القتل والاعتداء

القتل هو عملية إنهاء نفس بغير حق، وعلى الرغم من تحذير الشريعة الإسلامية لهذه الجريمة، وموقفها الصارم في معاقبة المعتدي، فإنه إذا ما تم النظر إلى الإحصاءات العالمية لمعدلات جرائم القتل العمد لكل 100 ألف نسمة، لوجدنا تباينًا كبيرًا بين الدول الإسلامية، ووفقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2020م، بلغ معدل جرائم القتل في الدول العربية 2.6 لكل 100 ألف نسمة، وهذه نسبة ليست بالقليلة.

وإذا ما نظرنا إلى المعالجة الإسلامية لهذه الجرائم، لوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع يوصي أمته قائلًا: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»، وفي حديث أبي هريرة عن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُشِيرُ أحَدُكُمْ علَى أخِيهِ بالسِّلاحِ؛ فإنَّه لا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطانَ يَنْزِعُ في يَدِهِ، فَيَقَعُ في حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).


موضوع ذات صلة: "الشبكة السورية": نظام الأسد قتل مئات المختفين قسرياً في 2022



السرقة والاحتيال

على الرغم من تحذير الشريعة الإسلامية لجريمة السرقة والاحتيال، ووضع حدّ قاطع لمرتكبها، فإنها أصبحت من الجرائم المعتادة والمتفشية في العديد من المجتمعات الإسلامية، وعادة ما تصاحبها حالة من العنف أو التهديد، وقد شهدت بعض الدول العربية الإسلامية ارتفاعًا ملحوظًا في جرائم السرقة بالإكراه، حيث بلغت 5814 جريمة خلال عام 2017م فقط، وبلغت جرائم الاعتداء على الأموال في دول أخرى في العام ذاته 49068 جريمة بزيادة قدرها 6.5% مقارنة بعام 2016م، كما مثلت سرقة السيارات 36.2% من جرائم الاعتداء على الأموال، وذلك بزيادة 13.8% عن عام 2016م، وهذه الأرقام وغيرها الكثير مما يدل على تفشي جريمة السرقة والاحتيال في المجتمع الإسلامي بشكل عام دون الاقتصار على دولة بعينها.

لذا، لم يتهاون النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد على السارق، حتى ولو كان ذات حسب ونسب؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا أَهْلَكَ الذين مِنْ قَبْلِكُمْ أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أَقَامُوا عليه الحد، وَأَيْمُ الله: لَوْ أَنَّ فاطمة بنت محمد سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

ولم تقتصر السرقة في مجتمعاتنا الإسلامية على الأموال والذهب والعقارات والسيارات فحسب، بل تفشت ظاهرة سرقة الأعضاء البشرية، والمتاجرة بها.

والسؤال الآن: كيف لمجتمع إسلامي ممارسة هذه الجريمة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا قائلًا: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت» (متفقٌ عَلَيهِ).


يمكنك التعرف على: شروط حد السرقة



الاغتصاب والعنف الجنسي

يعد الاغتصاب والعنف الجنسي من أبشع الجرائم التي حرمها الإسلام، ذلك لأنها تنتهك حقوق الإنسان وكرامته، وعلى الرغم من ذلك؛ بدأت هذه الجريمة تنتشر في المجتمع الإسلامي انتشار النار في الهشيم، حيث تشير بعض التقارير إلى أن معدلات العنف الجنسي قد ارتفعت في البلدان العربية، فعلى سبيل المثال أظهر تقرير أن 67 ألف امرأة عربية قد تعرضن للعنف الجنسي عبر الشبكات الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي تقرير آخر أكد أن هناك 3 جرائم هتك عرض يتم ممارستها بشكل يومي في أحد البلدان العربية، وأن هناك جريمة اغتصاب أو عنف جنسي كل يومين خلال عام 2017م!



وليعلم هؤلاء المعتدون أن الله تعالى جعل لهم عذابًا في الدنيا وأضعافًا مضاعفًة في الآخرة، يقول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33).


يمكنك تعزيز معلوماتك حول الموضوع من خلال الاطلاع على: أعلى 10 دول في معدلات الاغتصاب



الأسباب والدوافع

تعد الجريمة من الأمور المعقدة التي تتأثر بالعديد من العوامل، ومن الأسباب الرئيسة لانتشار الجريمة بمختلف أشكالها في المجتمع الإسلامي ما يلي:

- ضعف الوازع الديني: حيث إن ضعف الإيمان، وغياب الضمير، وعدم الخوف من عذاب الله، والابتعاد عن المنهج الإسلامي، كلها أمور أدت إلى انتشار الجريمة في المجتمع الإسلامي، ولذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: «تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ».

- العوامل الاجتماعية: فالتفكك الأسري، وضعف الروابط الاجتماعية، والعزلة الناتجة عن إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أدت إلى انتشار الجريمة بشكل كبير، وفي هذا السياق أكد الخبير القانوني سامي البوادي أن البيئة التي ينشأ فيها الفرد لها دور محوري في تشكيل سلوكه، وتأكيدًا لهذه الرؤية أثبتت إحدى الإحصاءات أن 61.5% من المجرمين كانت علاقتهم مع آبائهم سيئة، وأن 65% منهم كانوا على خلاف دائم مع والديهم.

- العوامل الاقتصادية: فالبطالة وصعوبة الظروف الاقتصادية للمجتمع الإسلامي قد تدفع الفرد إلى ارتكاب الجرائم، وفي هذا الشأن، كشفت منظمة العمل الدولية أن الدول العربية تسجل أعلى وأسرع معدل بطالة بين دول العالم، حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب العربي 42.5% لعام 2022م.

- العوامل الثقافية: فالمستوى التعليمي المنخفض، والصحبة السيئة، وزيادة السلوكيات الإجرامية التي تزرعها الأفلام والثقافات الغربية في عقول شباب المسلمين لها دور كبير وخطير في انتشار الجريمة، ووفقًا للتقرير الصادر عن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عام 2016م، يوجد أكثر من 757 مليون شخص بالغ لا يستطيع القراءة والكتابة، وأن 40% منهم في دول منظمة التعاون الإسلامي.

- العوامل الأمنية: فالحروب، وضعف التواجد الأمني، وعدم فعاليته، يؤدي إلى زيادة انتشار الجرائم في المجتمع الإسلامي، ويشجع الأفراد على ممارستها، حيث شهدت الدول العربية والإسلامية العديد من الثورات، والتقلبات الأمنية، والاستهدافات العسكرية في بعض المناطق؛ ما أدى إلى غياب الرقابة الأمنية وبالتالي انتشار معدلات الجريمة.

من هنا يتبين أن تفشي الجريمة في المجتمع الإسلامي يرجع إلى العديد من الأسباب أولها البعد عن الشريعة الإسلامية، وغياب الوازع الديني، والخوف من الله تعالى، بالإضافة إلى العديد من العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والأمنية، ولذا يجب على الأمة الإسلامية أن تفيق من غفلتها، وترجع إلى دينها الإسلامي الحنيف، الذي يحرم الجريمة، ويحذر من خطورتها.


 

 


____________________

مصادر للاطلاع:

1- https://knoema.com/atlas/topics/Crime-Statistics https://aca.gov.eg/News/1170.aspx.

2- https://n9.cl/t2psqf.

3- https://n9.cl/cbz2f.

4- https://n9.cl/xn2jw.

5- https://n9.cl/81zpy.

6- https://n9.cl/hoh3l.

7- https://n9.cl/91yiw.

8- https://n9.cl/p9h1s. 


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة