20 فبراير 2025

|
إعداد الدعاة في الحضارة الإسلامية (16)

حُسن الاستعداد لشهر رمضان

د. رمضان أبو علي

17 فبراير 2025

5879

أورد السمرقندي في تنبيه الغافلين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ: ‌«مَرْحَباً ‌بِمُطَهِّرِنَا»(1)؛ أي مطهرنا من الذنوب، إنه الترحيب بالشهر الكريم وحسن الاستعداد له، وقد حرص المسلمون في الحضارة الإسلامية على حسن الاستعداد لرمضان المبارك، ومن مظاهر ذلك ما يأتي: 

1- التبشير بدخول رمضان وتبادل التهاني:

قال ابن رجب الحنبلي: كان النبي صلى الله عليه وسلم ‌يبشر ‌أصحابه ‌بقدوم رمضان، حيث أخرج الإمام أحمد، والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم». 

كيف لا يُبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان والمذنب بغلق أبواب النيران والعاقل بوقت يُغل فيه الشيطان؟!

قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين(2)؟!

2- الدعاء أن يبلغهم رمضان وعند رؤية الهلال:

قال مُعَلَّى بن الفضل رحمه الله: كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، وكان يحيى بن أبي كثير رحمه الله يقول: اللهم سلمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبلاً(3)، وعَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ رحمه الله، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَدْعُونَ عِنْدَ حَضْرَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ: اللَّهُمَّ أَظَلَّ شَهْرُ رَمَضَانَ وَحَضَرَ، فَسَلِّمْهُ لِي، وَسَلِّمْنِي فِيهِ، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي صِيَامَهُ وَقِيَامَهُ، صَبْراً وَاحْتِسَاباً، ‌وَارْزُقْنِي ‌فِيهِ ‌الْجِدَّ وَالِاجْتِهَادَ وَالْقُوَّةَ وَالنَّشَاطَ، وَأَعِذْنِي فِيهِ مِنَ السَّآمَةِ وَالْفَتْرَةِ وَالْكَسَلِ وَالنُّعَاسِ، وَوَفِّقْنِي فِيهِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَاجْعَلْهَا خَيْراً لِي مِنْ أَلْفِ شَهْر(4).

أما الدعاء عند رؤية هلال رمضان فقد روى الطبراني في المعجم الأوسط، والبغوي في معجم الصحابة عن عَبْداللَّهِ بْن هِشَامٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَعَلَّمُونَ هَذَا الدُّعَاءَ إِذَا دَخَلْتِ السَّنَةُ أَوِ الشَّهْرُ: ‌اللَّهُمَّ ‌أَدْخِلْهُ ‌عَلَيْنَا ‌بِالْأَمْنِ، ‌وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَرِضْوَانٍ مِنَ الرَّحْمَنِ، وَجَوَازٍ مِنَ الشَّيْطَانِ(5).

3- كثرة العمل الصالح في شعبان:

شعبان هو البوابة لرمضان المبارك؛ لذا كان العمل الصالح فيه كالتمرين على العمل الصالح في رمضان، وقد حرص الدعاة إلى تعالى على اغتنام هذه الأيام من أجل الاستعداد لرمضان، فكانوا يكثرون من قراءة القرآن الكريم، حيث قال ابن حجر رحمه الله: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ أَكَبُّوا عَلَى الْمَصَاحِفِ(6)، وقال الأصبهاني، وابن رجب الحنبلي: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهلوا شعبان ‌أكبوا ‌على ‌المصاحف فعرضوها. 

السلف كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أخرى أن يتقبله منهم

وقال سلمة بن كهيل رحمه الله: كان يقال: شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت رحمه الله إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي رحمه الله إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، وقال الحسن بن سهل رحمه الله: «قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن»(7)، ولم يكن السلف رضي الله عنهم يقتصرون في شعبان على قراءة القرآن الكريم، بل كانوا يخرجون زكاة أموالهم، من أجل تقوية المساكين والضعفاء على صيام رمضان وقيامه(8).

دوافع الدعاة في حسن الاستعداد لرمضان

1- اغتنام ثواب رمضان:

إن رمضان ليس كبقية الشهور، ففيه تغفر الذنوب، وتتضاعف الأعمال، وتغل الشياطين، وتفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ويتسابق المسلمون في طاعة الرحمن؛ لذا كان الدعاة في الحضارة الإسلامية يحرصون على السبق وتحقيق الفوز، قال ابن الجوزي: مَرَّ الْحسن الْبَصْرِيّ بِقوم يَضْحَكُونَ فَوقف عَلَيْهِم وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى قد جعل شهر رَمَضَان ‌مضماراً لخلقه يَسْتَبقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ فَسبق أَقوام ففازوا وتخلَّف أَقوام فخابوا، فالعجب للضاحك اللاعب فِي الْيَوْم الَّذِي فَازَ فِيهِ المسارعون، وخاب فِيهِ الباطلون(9).

2- التعود على العمل الصالح:

قَالَتْ ‌لُؤْلُؤَةُ مَوْلاةُ عَمَّارٍ رضي الله عنه: كَانَ عَمَّارٌ يَتَهَيَّأُ لِصَوْمِ شَعْبَانَ كَمَا يَتَهَيَّأُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ(10)، إن هذه التهيئة ما هي إلا حالة من حالات الاستعداد التي تصل بصاحبها إلى التعود على العمل، حتى إذا جاء وقته، فإنه يكون يسيراً على صاحبه.

الاستعداد لرمضان من خلال العمل الصالح وسيلة للتمرين والتعود حتى لا تكون العبادات شاقة به

وروى ابن ماجه، وابن حبان، عن معاوية بن أبي سفيان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «‌الْخَيْرُ ‌عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ»، فالخير يأتي بالتعود، حيث يحمل الإنسان نفسه على فعل الخير ويجاهدها مرة تلو الأخرى حتى تتعود عليه، أما الشر فهو لجاجة، لكونه فيه العوج والاضطراب، ومن هذا المنطلق كان الاستعداد الجيد لرمضان، من خلال العمل الصالح، فهو وسيلة للتمرين والتعود عليه، حتى لا تكون العبادات في رمضان شاقة، بل حتى يصلوا بها إلى درجة التلذذ والمحبة.

3- حصاد الخير في رمضان:

قال ذو النون المصري: رجب لترك الآفات، وشعبان لاستعمال الطاعات، ورمضان لانتظار الكرامات، فمن لم يترك الآفات، ولم يستعمل الطاعات، ولم ينتظر الكرامات، فهو من أهل الترهات(11)، وقال أبو بكر الورّاق البلخي: رجب شهر للزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضاً: مثل رجب مثل الريح، ومثل ‌شعبان ‌مثل ‌الغيم، ومثل رمضان مثل القطر، وقال بعضهم: السنة مثل الشجرة، ورجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قُطَّافها(12).

 

 

 

 

 

___________________________

(1) تنبيه الغافلين: للسمرقندي، ص 321.

(2) لطائف المعارف: ابن رجب الحنبلي، ص 148.

(3) المرجع السابق.

(4) الدعاء: الطبراني، ص 284.

(5) المعجم الأوسط: الطبراني (6/ 221)، وانظر: معجم الصحابة: البغوي (3/ 543).

(6) فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني (13/ 311).

(7) الترغيب والترهيب: الأصبهاني (2/ 351). 

(8) لطائف المعارف، ص 135.

(9) بستان الواعظين: ابن الجوزي، ص 233.

(10) التبصرة: ابن الجوزي (2/ 47).

(11) الغنية لطالبي طريق الحق: الجيلاني (1/ 326).

(12) لطائف المعارف، ص 121.


كلمات دلاليه

تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة