20 فبراير 2025

|

إضاءات حول الاستعداد لرمضان

تمضي الأيام وتتسارع الأوقات، وها نحن نقترب من شهر الخيرات وموسم البركات، شهر القرآن والصيام والرحمة والغفران.

ولا شك أن رمضان هو درة الشهور، خصه الله بفريضة الصيام، وهي عبادة تهذب النفوس وتسمو بالأرواح وتعالج القلوب.

وهو شهر الاحتفاء والاحتفال بكتاب الله تعالى، شهر القرآن تلاوة وتدبراً، عملاً وسلوكاً، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185). 

ولأنه درة الشهور وفيه خير الأيام وأعظم الليالي، خصه الله بالميزات والبركات، ووهبنا فيه جزيل الخيرات، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع فيه الدرجات، تفتح فيه الجنات وتضاعف فيه الحسنات.

لذا، كان لزاماً علينا الاستعداد لاستقباله وحسن رفادته، فما هو إلا ضيف كريم يأتي في أيام معدودات ليرحل بعدها، ونحن حياله إما فائز بالمغفرة ورفع الدرجات أو مضيع للأوقات لا ينال عند رحيل رمضان إلا الحسرات.

فلنحذر أن نكون من المضيعين الذين لا يعدون العدة لاستقبال خير الشهور، ثم لا يأبهون بحسن التعامل في أيامه ولياليه، فإن الأمر جلل والمصيبة عظيمة عندئذ. 

وهذه خطوات تعين على الاستعداد لشهر رمضان الكريم:

1- معرفة مميزات رمضان وتذكر عظيم ميزاته، ولعل التأمل في الآيات القرآنية التي تتحدث عنه في سورة «البقرة» والوقوف على تفسيرها وتدبر معانيها يعين على هذا الأمر، كما أن الاطلاع على الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضائل رمضان وتحث على زيادة الصالحات فيه يزيد من همتنا في الإقبال على الطاعات. 

روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وفي الحديث القدسي قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريج المسك».

2- دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تقربنا منه وتعرفنا عن حاله مع رمضان، فقد كان كما وصفته السيدة عائشة أنه كان يتعبد في رمضان ما لا يتعبد في سواه. 

وها هو عبدالله بن عباس يصف كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فيقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة». 

3- الوقوف على أحوال الصحابة والصالحين في الاستعداد لرمضان والقيام بحق ضيافته، فقد كانوا يستشعرون عظمة هذا الشهر الفضيل، فكانوا يدعون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان قبله بستة أشهر، ويحضرون أنفسهم لاستقباله بكثرة الصيام وقراءة القرآن والتوبة والإقبال على الطاعات، وعندما يأتي يجتهدون في العبادة أعظم ما يكون الاجتهاد بالصلاة وقيام الليل وتقديم الصدقات وبذل المعروف. 

فإذ انقضى رمضان كانوا يكثرون من الدعوات أن يتقبل الله منهم أعمالهم في هذا الشهر الكريم ويكثرون من الدعاء بالقبول لمدة تقارب الستة أشهر، وهكذا نجدهم يقدرون هذا الشهر حق قدره ويجعلونه محط اهتمامهم طول العام. 

4- ومن الأمور التي تعين على ترقية أحوالنا في رمضان إعداد العدة قبل مجيئه، فهو ضيف يأتي في موعد معلوم، فمن الأدب أن نتهيأ لاستقباله، وعلى قدر الاستعداد يأتي الإمداد الإلهي من منح وجوائز وأجور مضاعفة، فعلينا ترتيب أمورنا ووضع خططنا للعبادة والطاعة قبل أن نبشر بظهور هلاله الجميل.

5- شعبان يعد تربة خصبة علينا أن نسقي فيه بذور الخير في نفوسنا ونزكيها ونرقيها بالتقرب إلى الله بالطاعات والمسارعة في الخيرات من صيام وقيام وقراءة للقرآن وتقديم الصدقات، وشعبان فضله حيث كان من الشهور التي يكثر فيها النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام.

6- إخلاص النية، من أهم الأمور التي تعين على التوفيق في الإقبال على الطاعات، وهو ولا شك أساس القبول للأعمال، والله تعالى يقول في كتابه: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: 110)، والمفسرون قالوا: إن من شروط قبول العمل الصالح أن يكون وفقاً لشرع الله، وأن يكون خالصاً لله، والإخلاص يثمر العمل وينميه ويجعل التوفيق والسداد رفيقاً له. 

فعلى المسلم استحضار النية بحسن استقبال رمضان وعقد العزم على صيامه وقيامه والإكثار من الطاعات فيه، وهو بهذا يشحذ همته ويوطد نفسه ليكون من أهل الخيرات في هذا الشهر الكريم.

7- ومما يعين على استقبال يليق بالشهر الكريم التخطيط ووضع البرامج لاستثمار أوقاته والقيام بالأعمال الصالحة فيه، فيضع الإنسان جدولاً لختم القرآن، ويخصص أموالاً للنفقات، وأزمنة للنوافل، ويدخل مع مجموعات تطوعية أو يبحث عن طرق لمساعدة الآخرين، ويتفقد جيرانه وأقاربه.

8- وعلى المسلم أن يبدأ قبل رمضان في البعد عن الملهيات ومضيعات الأوقات من مسلسلات تافهة وبرامج سيئة تهدم القيم وتفسد الأخلاق وتقتل الأوقات، فلا بد من مجاهدة النفس للابتعاد عنها حتى لا نستمر عليها في رمضان؛ فتسرق منا أثمن الأزمان، وتبعدنا عن رضا الرحمن في شهر القرآن.


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة