21 فبراير 2025

|

رمضان للجميع

هلّت تباشير الخيرات، وتنسمت رياح النفحات، تعلن للجميع قدوم هذا الوافد المبارك شهر رمضان، الذي يزورنا كل عام، وبقدومه يزهو الكون ويزدان.

إنه الشهر المكرم الذي ينتظره محبوه من المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، ويدعون الله تعالى أن يبلغهم إياه، وأن يعينهم فيه على طاعته ورضاه؛ فهو شهر الخيرات والبركات، شهر الطاعات والحسنات.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه به فيقول لهم: «أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ» (رواه النسائي، وصححه الألباني).

رمضان شهر الرحمة والعتق من النار والجود والإحسان والعبادة وتلاوة القرآن والبر وصلة الأرحام

خير الشهور

ورمضان خير الشهور، فقد أكرمه الله تعالى بنزول القرآن، واختصه بفريضة الصيام، كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 185)

ومن عظيم بركته أن فيه أفضل الليالي وأعظمها أجراً، ليلة القدر، وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وشهر الجود والصدقة والإحسان، وشهر العبادة والذكر وتلاوة القرآن، وشهر الدعاء والبر وصلة الأرحام، وشهر الوحدة الإيمانية وتآلف القلوب، وشهر العفو والصفح والتسامح، وشهر التوبة ومحاسبة النفس ورد المظالم، وشهر القرب من الله وإجابة دعاء عباده الصائمين، فنفحات الله فيه رزق للعباد الذين يطلبونها بصدق وإخلاص، ويتعرضون لها بهمّة ونشاط.

لذا، فإن على المسلم أن يغتنم أيام وليالي رمضان، وأن يتعرض لهذه النفحات، ليصيبه من رحمات الله، ويناله من كرمه، ويفوز بعظيم عطاياه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «افْعَلوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فإنَّ للهِ نَفَحاتٍ من رحمتِهِ، يُصِيبُ بِها مَنْ يَشَاءُ من عبادِهِ، وسَلوا اللهَ أنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وأنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ» (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

لكن بعض الصائمين قد يبعثر ساعات رمضان الشريفة هنا وهناك بين لعب ولهو وتضييع للأوقات، يتجول جيئة وذهاباً لحاجة ولغير حاجة بين أروقة وسائل التواصل التي تعددت أسماؤها لكن نتيجتها واحدة؛ إذ يتفلت رمضان من بين أيديهم دون أن يشعروا به، وقد يقضي بعض الصائمين نهارهم في النوم والكسل والخمول، أو في الأسواق، أو لغواً مع الأصدقاء؛ أو على شاشات التلفاز، وقد ظن أن حق رمضان عليه ما هو إلا الصيام وصلاة التراويح التي يصليها أحياناً، ثم هو يفعل بوقته بعد ذلك ما شاء دون مراعاة لشرف الزمان وأهميته؛ فيهدر بذلك أنفس لحظات عمره وهو لا يدري.

.. وهو فرصة عظيمة للغني لينفق على الفقراء والمساكين والأيتام فإن الصدقة فيه عظيمة الأجر 

رمضان للرجال والنساء

قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97)، وقال عز وجل: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب: 35).

فالإسلام، والإيمان، والقنوت، والصدق، والصبر، والخشوع، والتصدق، والصوم، وحفظ الفروج، وذكر الله، كل ذلك من الأعمال التي يحبها الله تعالى منا في كل وقت ويرغبنا فيها، لكن القيام بها والمحافظة عليها آكد في رمضان، وهي أعمال ليست خاصة بالرجال وحدهم؛ فالمرأة مكلفة كالرجل، وهي مسؤولة ومحاسَبة على أعمالها؛ لذا ينبغي على الزوجين أن يكون كل منهما عوناً للآخر على طاعة الله واغتنام أيام وليالي رمضان والتعرض لنفحات الرحمة فيه علهما يفوزان معاً بليلة القدر. 

غير أن بعض النساء في رمضان قد يفوتها قطار الطاعات، فتتأخر عن قوافل العاملين المجدين ويفوتها الخير الكثير، وذلك بسبب الإسراف في قضاء الوقت بالمطبخ بالليل والنهار، لإعداد أنواع الطعام المختلفة، التي يدخل فيها بعض الإسراف والتكلف! 

وقد يرغب الزوج في استضافة أصدقائه كثيراً على الإفطار، والسمر معهم بعده والسهر الذي قد يمتد إلى وقت السحور؛ ما يسبب لها التعب والإرهاق طيلة اليوم وهي صائمة، ثم تؤدي صلاتها وعبادتها بعد فراغها وهي منهَكة القُوَى؛ ما يؤدي بها إلى التقصير فيها، وإن طلبت من زوجها التخفيف عنها أو اعتذرت فقد يغضب منها ويذكّرها بحق الزوج ويتهمها بعدم طاعته!

.. وللمطيع حتى يستزيد وللعاصي ليتوب وللمقصّر ليستدرك وللقاطع ليصل ولسيئ الخلق ليُحسن

 

لذا، فإنه ينبغي للزوج ألا يتعسف في استخدام حقه على زوجته، وأن يراعي أحوالها، وأن يعينها على الاقتصاد والتوسط في صنع الطعام، فإن رمضان ليس لكثرة الأكل ولا لتنوع الطعام وتعدد أشكاله، وعلى الزوجة أن توازن بين عمل البيت وعباداتها في رمضان دون أن تقع في الإفراط أو التفريط، وأن تحتسب كل ما تقوم به من عمل وتُعدّد له النيات، لعل الله يجزيها خيراً.

رمضان للأغنياء والفقراء

ومن بركة رمضان أن الله تعالى جعله فرصة للغني لينفق من ماله على الفقير؛ فيطعمه من طعامه، ويعطيه من ماله، ويكسوه ويستر عورته، وفي هذا عون للفقير على الصوم وعبادة الله في رمضان، فقد يكون هذا الفقير يتيماً فيكفله الغني، أو مسكيناً فيساعده، أو أرملة فينفق عليها؛ فيصبح مال الغني وسيلة لكشف كربة المكروب والتنفيس عنه، وإن الصدقة في رمضان عظيمة الأجر لشرف الزمان ومضاعفة الأجور فيه.

رمضان للجميع

إن رمضان شهر عظيم القدر عند الله، امتن به على عباده المسلمين جميعاً، ودعاهم إلى صيامه وقيامه، والتأدب معه بحسن الخلق مع عباد الله، والإحسان إليهم، وإيتاء كل ذي حق منهم حقه.

ولا يستطيع أحد مهما كانت منزلته ومكانته أن ينسب رمضان لنفسه أو يدّعي أنه شهر خاص به دون سائر المسلمين؛ فقد جعله الله تعالى شهراً يحل ضيفاً على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فرمضان للجميع، فهو للمطيع حتى يستزيد من الطاعات، وللعاصي ليتوب، وللمقصر ليستدرك ما فاته، ولقاطع الرحم ليصل رحمه، وللبخيل لتطول يده بالبذل والعطاء، ولسيئ الخلق ليحسن خلقه. 

ورمضان كذلك للصبي ليتدرب على الصيام، وللمرضى والمسنين والمسافرين وذوي الأعذار ليكثروا من الذكر وتلاوة القرآن وهم لا يقدرون على الصيام، كما أن رمضان للعاملين في المصانع والمخابز وغيرها من الأعمال والمهن الشاقة ليكثروا من التسبيح والتهليل وذكر الله وهم منخرطون في عملهم الذي لا غنى عنه في رمضان. 

فرمضان لجميع المؤمنين كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، وإن نفحات رحمة الله تعالى وأعمال الخير فيه كثيرة ومتنوعة، وهي ليست مقتصرة على الرجال دون النساء، ولا للأغنياء دون الفقراء، وليست للعرب دون العجم ولا للأبيض دون الأسود، وإن الكريم عند الله حقاً هو من يُحسن ضيافة رمضان ليكون من المتقين، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13).


كلمات دلاليه

تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة