21 فبراير 2025

|

دور الشباب وحكمة الشيوخ

أسامة الهتيمي

19 فبراير 2025

4762

حظيت قضية مشاركة الشباب في العملية السياسية وعلى مدار سنوات طويلة باهتمام بالغ من قبل مختلف مؤسسات المجتمع المدني في العديد من البلدان العربية، فكانت واحدة من أهم القضايا المطروحة وباستمرار للحوار على أجندة هذه المؤسسات، إذ وفق تصورهم، فإن مشاركة الشباب كانت ولم تزل أحد أهم المؤشرات الرئيسة التي ربما تدلل على حدوث تطور إيجابي في الحياة السياسية، وهو الاهتمام الذي ساهم بالفعل بشكل كبير في تسليط الضوء على هذه القضية وتكثيف النقاشات حولها، ومن ثم النجاح في الحصول على بعض النتائج الملموسة بشأن توسيع مشاركة الشباب، بل وتمكينهم سياسياً في بعض الأوقات.

لكن، وفي مقابل ذلك، فقد طال هذه القضية ما يمكن أن نعتبره محاولات لتشويهها والانتقاص من عدالتها، فالبعض من المتحمسين لدور الشباب تطرفوا في مواقفهم فتمادوا في الدفاع عن حق الشباب في المشاركة، فضلاً عن التمكين السياسي لهم إلى حد إقصاء الكبار وأصحاب الخبرات، فيما تعاطى معها آخرون باعتبارها واحدة من أهم المعارك في الصراع المحتدم بين الأجيال.

الشباب والمشاركة

الحقيقة أن الدوافع وراء اهتمام مؤسسات المجتمع المدني بهذه القضية لم تكن محصورة في كونها مجرد ورقة بيد الأحزاب السياسية لمغازلة الشارع والجماهير، خاصة خلال زمن المعارك الانتخابية التي تخوضها؛ إدراكاً لحجم النسبة العددية التي يمثلها قطاع الشباب مقارنة بغيرهم من بقية الفئات العمرية، التي تجعل المنطقة العربية من أكثر المناطق شباباً في العالم، ومن ثم يمكنهم ضمان الحصول على كتل تصويتية لصالحها، إذ مع أهمية هذا الدافع الخاص لدى هذه الأحزاب أو الفاعلين السياسيين، فهناك دوافع أخرى أكثر أهمية.

فدور الشباب في الحياة السياسية سواء من خلال المشاركة أو حتى من خلال تمكينهم تعني مساحة أكبر للمثالية والشفافية والعطاء بلا مقابل، فالدراسات الاجتماعية أثبتت أن الشباب هم الفئة الأكثر قدرة على التمسك بالمثل العليا، فيما أنهم يحملون أيضاً طاقة متجددة وحماسة تجعلهم يطمحون دائمًا للأفضل، ويؤمنون بإمكانية تحقيق العدالة والقيم النبيلة في الواقع، فضلاً عن أن تفعيل هذا الدور يعني تجديداً للحياة السياسية وضخاً لدماء جديدة بأفكار ورؤى حديثة، وهي كلها خطوات يكون لها بالتأكيد مردودها الجيد على المجتمعات.

كما يساهم تفعيل دور الشباب في العملية السياسية بشكل مباشر في منحهم الفرصة لاكتساب خبرات السابقين وتدريبهم على التعامل مع التحديات والمشكلات، ومن ثم يتم تحقيق هدفين مهمين، أولهما: توافر كوادر مؤهلة لإدارة شؤون البلاد، وثانيهما: إتاحة الفرصة لهؤلاء الشباب للتعبير عن آرائهم وتفريغ طاقاتهم في الاتجاه الذي يحقق المصالح، فتنحصر فرص وقوعهم في براثن المفاسد بمختلف أشكالها.

عمّق من هذه النظرة تسليط الضوء على السلبيات الناجمة من انحصار المناصب في الحياة السياسية وإدارة البلاد لفترات طويلة على الكبار؛ الأمر الذي نجم عنه حدوث ما اعتبره البعض جموداً فكرياً ومقاومة لأي تغيير يتجاوز حدود الأفكار التقليدية؛ مما يضعف القدرة على مواكبة الجديد وإحداث أي تطور سياسي واقتصادي.

حكمة الكبار

ربما يكون مضيعة للوقت محاولة التخفيف من حدة استئثار الكبار بإدارة البلاد وتهميش مشاركة الشباب في العملية السياسية التي تعد في حدها الأدنى علامة على حيوية المجتمع وقدرته على التجديد والتغيير وعدم شيخوخته، لكن في الوقت ذاته، فإنه ليس من المقبول ولا من المصلحة المجتمعية أن يكون هناك حديث مقابل عن تمكين الشباب وتهميش الكبار.

ولعل الواقع يؤكد أن مشاركة أصحاب الخبرات العميقة في الحياة السياسية أو كبار القدر –كما يطلق عليهم في بعض البلدان العربية– أسهمت في استقرار الدول وتحقيق التنمية لما لهؤلاء من خبرة تراكمية واسعة أفرزت حكمة واتزاناً في كيفية الإدارة والتعامل مع الطوارئ بلا مفاجآت أو صدمات تُحدث توتراً وارتباكاً.

ويبرز من مميزات ذلك أيضاً أن أصحاب القدر يحظون بثقل سياسي واحترام كبير من قبل المواطنين والسياسيين؛ الأمر الذي يوجِد حالة من الثقة والاطمئنان للقرارات التي تصدر من خلال هؤلاء؛ مما يقلل بطبيعة الحال من احتمالات نشوب نزاعات أو صراعات سياسية.

ولا يخفى أن فاعلية مشاركة أصحاب القدر تعني تفادي ما يمكن أن ينجم من سلبيات للمشاركة الشبابية المنفردة كقلة الخبرة والتسرع في اتخاذ القرارات والتطرف بشأنها، وافتقاد الإلمام بتفاصيل المشكلة، وضعف القدرة على بناء التحالفات، وعدم امتلاك شبكة علاقات قوية، وسهولة تعرضهم للمؤثرات والتلاعب بهم، فضلاً عن قلة الالتزام والانضباط السياسي.

لا للمغالبة

في إطار ما سبق، لم يعد خافياً أن إشكالية المشاركة والمغالبة فيما يتعلق بدور كل من الشباب وأصحاب القدر في الحياة السياسية قضية مصطنعة، فالعمل السياسي يجب أن يقوم على التكامل بين الأجيال وليس على الصراع، فإقصاء أحدهما يعني تفاقم السلبيات وخسارة إيجابيات مشاركة الطرف المهمش.

ويمكننا أن نتخيل مثلاً تهميش أصحاب القدر عن المشهد السياسي؛ فهذا يعني ببساطة غياب الخبرة والحكمة، فيما أن تهميش الشباب يعني غياب الحيوية والحماس، وعليه فإن نجاح الحياة السياسية برمتها مرهون بتحقيق التوازن الذي يحقق النهضة السياسية الحقيقية لتخدم المجتمع بأسره.

أما إصرار البعض على إدخال المجتمع في أتون صراع الأجيال، فهو بلا شك سلوك متعمد يستهدف تعطيل العمل السياسي وإيجاد حالة من الانقسام داخل المجتمع لتحقيق أهداف شخصية وضيقة.

النموذج الأمثل

لنا في سلوك النبي محمد صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة في طريقة تعامله مع هذه القضية، فحرص النبي الكريم على إحداث التوازن بين الشباب والشيوخ، لتستفيد الدعوة الإسلامية أقصى استفادة من جهودهما بشكل تكاملي دون صراع أو جور، فمنح كبار الصحابة مكانتهم واحترامهم، فيما مكّن الشباب من القيادة والمشاركة في صنع القرار.

ومن ذلك، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كان يستشير أبا بكر، وعمر، في القرارات المصيرية، ويختار أبا عبيدة بن الجراح ليكون أمينًا على بيت المال لخبرته، ويعين عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف في مهام سياسية واقتصادية.

في الوقت ذاته، يولي النبي صلى الله عليه وسلم الشاب أسامة بن زيد قيادة الجيش رغم وجود الكبار، ويرسل الشاب معاذ بن جبل ليكون واليًا على اليمن، ويولي الشاب علي بن أبي طالب العديد من المهام، ويختار الشاب مصعب بن عمير ليكون أول سفير للإسلام.

كما لم ينحصر إحداث التوازن في التكليفات النبوية، ولكنه شمل أيضاً الشورى، مثلما حدث في غزوة «بدر»، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة حول المواجهة، فكان رأي الشيوخ يميل للحذر، بينما كان رأي الشباب مع القتال، فجمع بين الرأيين بحكمة.


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة