دور المسجد في تربية شباب المخيمات «غزة نموذجًا»
![](https://mugtama.com/storage/uploads/ke9IIQrgNKBMZA82PMH21C5YjuetvqsZUNQ7D8Wh.jpg)
للمساجد في الإسلام دور محوري؛ إذ تقوم بأدوار دينية ودنيوية مهمة للفرد والمجتمع والأمة، وهي ليست أماكن لأداء الصلوات المفروضة فحسب، كما يفهم البعض، بل هي المدرسة الأولى التي يتلقى المسلمون فيها تعاليم دينهم، ويتربون فيها على الإيمان وتزكية الأنفس، وتخليصها من العبودية لغير الله، وتجريدها من التعلّق بأمور الدنيا وسَفْسَافِهَا.
وهي بذلك مؤسسة إصلاحية رائدة، قادرة على صياغة الإنسان صياغة حضارية سامية، ومؤسسة تربوية لا نظير لها في غرس الفضائل والقيم في نفوس مرتاديها.
كما تضطلع المساجد بأدوار تعليمية وتوعوية كمراكز لنشر العلم والمعرفة، وبأدوار إنسانية وإغاثية، بما يحافظ على تماسك المجتمع وتقوية رابطة الأخوة بين أفراده.
وقبل أن تُنشأ المحاكم والبرلمانات ومراكز القيادة ودور التعليم والتثقيف، كان المسجد يقوم بكل هذه الوظائف؛ حيث كان مركزًا للقيادة العامة لقوات الجيش، توضع فيه الخطط، ويُرشح فيه ولاة الأمور وقادة الجيوش، وتُقسّم فيه الغنائم، وكان مقر استقبال الرسول، صلى الله عليه وسلم، للوفود التي كانت تأتيه راغبة في الإسلام.
دور المسجد في تربية شباب المخيمات
تتميز بيئات المخيمات بمجموعة من الخصائص والسمات تعكس الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها النازحون، من ازدحام سكاني وتنوع ثقافي وضغوط نفسية واجتماعية، جرّاء ندرة الموارد الأساسية ونقص الخدمات الصحية وضعف البنية التحتية، إضافة إلى انعدام الأمن، وغيرها من المعضلات الإنسانية.
وينعكس ذلك كله على الصحة النفسية والمزاجية لساكني المخيمات، خصوصًا الشباب، الذين يحتاجون إلى محاضن تربوية داعمة تخفف عنهم آثار القلق والتوتر ومشاعر الغضب والإحباط.
وفي محاولة البحث عن الداعم الاجتماعي يكون المسجد على رأس المنظمات الإنسانية التي توفر الأمن النفسي، وتساعد على التكيف مع الواقع واستعادة الاستقرار؛ فالمسجد يسهم، من خلال دوره في التعليم والتوجيه الروحي والاجتماعي، في خلق جيل قوي قادر على مواجهة المصاعب والتحديات.
يؤدي المسجد دوره الريادي في تربية شباب المخيمات من خلال: التربية الإيمانية، والأخلاقية، والنفسية، والعقلية، والاجتماعية؛ بتعزيز قيم الأمانة والصبر والصدق، وحب العبادة، ونبذ العنف، وتعزيز مفهوم الأخوة والتكافل، ويحفزهم على العمل والإنتاج في مواجهة البطالة والفقر، ويحصنهم من الانحرافات السلوكية والأفكار الهدّامة، وينمي مهاراتهم، ويدعم مواهبهم.
وفي المجمل يحث المسجد الشباب على أن يكونوا مواطنين صالحين، مستمسكين بعقيدتهم الإسلامية، محبين لوطنهم ومقدساتهم، يقدمون المصلحة العامة على مصلحتهم الخاصة، ويسعون لنشر الخير بين الناس.
وهذا الوعي هو ما يرسِّخ القيم الوطنية وقيم الصبر والصمود في نفوسهم، ويؤهلهم لمواجهة المشاق والعقبات.
مخيمات «غزة» ومساجدها
تمثل مخيمات اللاجئين في «غزة» جزءًا من القضية الفلسطينية، مجسدةً معاناة اللجوء القسري إثر نكبة عام 1948، وتعبِّر في الوقت ذاته عن صمود وبسالة الشعب الفلسطيني. تحتضن «غزة» ثمانية مخيمات هي: الشاطئ، البريج، دير البلح، جباليا، خان يونس، المغازي، النصيرات، رفح.
يقطنها نحو 600 ألف فلسطيني، يعانون فيها من أوضاع إنسانية صعبة نتيجة الحصار المفروض على القطاع، منذ ثمانية عشر عامًا؛ حيث يعانون من الفقر والبطالة، وتدهور الخدمات، ونقص الماء والكهرباء، فضلًا عن الاستهداف المستمر من جانب الاحتلال.
ويصل عدد مساجد القطاع إلى 1244 مسجدًا، أبرزها: المسجد العمري الكبير، السيد هاشم، الشمعة، الكنز. وهي تمثل التراث الثقافي والديني للمدينة، وتعكس تاريخها المتنوع. وخلال حروبه المتعددة على «غزة» استهدف المحتل في كل مرة هذه المساجد؛ باعتبارها مراكز للتربية يتخرج فيها المقاومون الذين أفشلوا خططه وكسروا هيبته؛ ففي حرب عام 2014 دمّر 171 مسجدًا، وفي حرب عام 2021 استهدف 110 مساجد، وفي حرب «طوفان الأقصى» (ووفقًا لبيان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية الصادر في نهاية عام 2024) دمّر الصهاينة 966 مسجدًا؛ 815 منها دُمِّرت بشكل كلي، 151 دُمِّرت تدميرًا جزئيًّا.
مرتكز المقاومة
تعد مخيمات غزة ومساجدها مرتكز المقاومة ونبضها، ورافد الشباب الأهم في مواجهة المحتل.
جاءت المخيمات في طليعة الانتفاضتين الأولى (1987) والثانية (2000)؛ حيث انطلقت «ثورة الحجارة» من مخيم «جباليا»، بل اتخذ الشيخ «أحمد ياسين» وإخوانه قرارها داخل المسجد، وقد شكلت هذه الانتفاضة نقطة تحول في النضال الفلسطيني، وكان قوامها الشباب الذي تربى في المسجد، حتى سُميت «انتفاضة المساجد».
لقد قامت رؤية «حماس» عند تأسيسها على ربانية التصور وعبادية الفعل المقاوم، فقام قادة الحركة ببناء عشرات المساجد، رغم اعتراض المحتل؛ لتكون جزءًا أساسيًّا من استراتيجية الحكم والمقاومة، ومحضنًا لشباب الكتائب الذي انكبّ على حفظ القرآن ودروس العلم.
وقد أثمرت هذه الخطة أجيالًا مرتبطة بالمساجد ارتباطًا تامًّا، وتتبنى في الوقت ذاته فكرًا ثوريًّا مقاومًا.
وكان للارتباط الفاعل لقادة الحركة بمساجد المخيمات، من أمثال: المؤسس «الشيخ أحمد ياسين»، والدكتور «عبد العزيز الرنتيسي»، والدكتور «صلاح شحادة»، قائد كتائب «القسام»، و«يحيى السنوار»، رئيس الحركة، و«ياسر النمروطي» وغيرهم- كان لهذا الارتباط والاهتمام بالقرآن الأثر الكبير في تعزيز روح المقاومة لدى الشباب، وتحفيزهم فكريًّا ومعنويًّا، بعدما صارت المساجد منبرًا للجهاد ونشر ثقافة التحدي والصمود، وتشكيل الوعي الوطني.
وقد كانت المساجد شاهدة على لقاءات المقاومين، ونقطة انطلاق للفعاليات الجماهيرية.
ولقد رأى العالم مراكز الإيواء أثناء حرب «طوفان الأقصى» وقد تحولت إلى ما يشبه المساجد؛ حيث افتُتحت فيها حلقات تحفيظ القرآن ودروس العلم؛ كرسالة للجميع: أن أرض غزة كلها مسجد، وأن مقاوميها نتاج العيش في ظلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.