رؤى جديدة لإشراك الجيل الصاعد في القيادة

يعد إشراك الشباب في القيادة وصنع القرار ركيزة أساسية لتحقيق التجديد والنمو، فهم عماد الأمة وأملها، وتمكينهم من دخول ميدان اتخاذ القرار ليس مجرد ضرورة إستراتيجية لتحسين الأداء الحكومي، بل استثمار في مستقبل الأمة، ويعيد صياغة قيم العدل والتكافل التي دعا إليها الدين الحنيف.
ومع ذلك، يواجه الشباب تحديات جسيمة تعيق وصولهم إلى مراكز التأثير والقيادة في العديد من دولنا العربية؛ فهناك نقص في الخبرات القيادية، وتحامل مؤسسي يفضل التجارب القديمة على حساب روح التجديد والطموح الشبابي، إلى جانب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تثقل كاهلهم، وأيضًا تلك القيود التي تفرضها الهياكل الإدارية التقليدية وما تشكله من عوائق أمام قدرتهم على التعبير عن آرائهم والمشاركة الفاعلة في صياغة السياسات.
وقد أكدت الدراسات الحديثة ومراكز الفكر العربية أن هذه التحديات تستدعي تبني سياسات إصلاحية جديدة تُعزز فرص التدريب والتأهيل القيادي، وتوفر بيئة محفزة على الإبداع والمبادرة، لتنتشل الشباب من دوامة الركود السياسي المفروض عليهم.
وعلى مدى العقدين الماضيين، ظهرت مبادرات من الحكومات والمجتمع المدني لتعزيز تمثيل الشباب في صنع القرار داخل الوطن العربي؛ ما يعد انطلاقة نحو تحويل الواقع وتفعيل دورهم في رسم مستقبل أفضل ينبض بتجديد القيادة والتغيير.
سبل تعزيز المشاركة
وقد ارتأت العديد من مراكز الدراسات العربية أن تعزيز مشاركة الشباب في صنع القرار داخل وطننا العربي والإسلامي يستلزم تبني مجموعة من المبادرات الشاملة التي تعالج التحديات التي تواجههم، وتتيح لها فرصًا حقيقية للمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية.
واستندت العديد من المراكز إلى عدد من المقترحات التي من شأنها مواجهة هذه التحديات، يمكن إجمالها في النقاط التالية:
1- إنشاء مجالس استشارية للشباب مرتبطة بالجهات الحكومية ومجالس النواب، تعنى بصياغة توصيات وسياسات تستند إلى احتياجاتهم الفعلية؛ لضمان تمثيل فعال للشباب وتعزيز مشاركتهم في صنع السياسات العامة.
2- إدراج مقررات تعليمية عن السياسة في المناهج الدراسية بدءًا من المراحل المبكرة، مع دعم برامج التوعية والتثقيف السياسي في الجامعات والمؤسسات غير الحكومية، إضافة إلى تنظيم ورش عمل ومحاضرات تعزز مهارات القيادة والتفاوض وحل الأزمات لدى الشباب؛ ما يشكل خطوة أساسية لتعزيز الوعي السياسي لديهم، ويسهم في إعداد جيل قادر على المشاركة الفاعلة في صنع القرار.
3- تخصيص حصة معينة (كوتا) للشباب في الهيئات التشريعية والتنفيذية، يضمن تمثيل عادل لهم، ويزيد من مشاركتهم الفعالة في عملية اتخاذ القرار، وهو أدعى أن تسمع أصواتهم في صياغة السياسات العامة.
4- توفير فرص عمل شاملة من خلال برامج التشغيل وتنمية المهارات، إلى جانب تقديم الدعم المالي للمشاريع الريادية الصغيرة، وهو ما يمكن الشباب من التفرغ للمشاركة السياسية دون أن تثقلهم انشغالات البحث المستمر عن فرص العمل.
5- تطوير منصات إلكترونية تتيح للشباب المشاركة الفعالة في النقاشات السياسية والتصويت عبر الاستبيانات، بالإضافة إلى الانخراط في الحملات السياسية الرقمية؛ ما يسهم في تعزيز الوعي السياسي وتيسير مشاركتهم في عملية اتخاذ القرار.
6- تيسير دخول الشباب إلى صفوف الأحزاب السياسية، سواء من حيث العضوية أو شغل المناصب القيادية؛ بما يسهم في تربية جيل جديد من القادة السياسيين المدركين لاحتياجات الأجيال الشابة.
7- إطلاق حملات إعلامية توعوية تبرز أهمية مشاركة الشباب في المناصب القيادية داخل الأحزاب والمؤسسات الحكومية؛ ما يشكل خطوة حاسمة نحو تبني رؤية جذرية لتجديد العملية الديمقراطية.
8- تعزيز آليات الشفافية داخل النظام السياسي لضمان مشاركة الشباب بثقة أكبر، وذلك من خلال إنشاء منصات إلكترونية تتيح لهم متابعة أنشطة البرلمانات والحكومات بوضوح وشفافية.
9- تحفيز الشباب على الانخراط في مبادرات إقليمية ودولية تعزز من التواصل وتبادل الخبرات بين الشباب العربي؛ ما يسهم في بناء شبكات شبابية قوية وفعالة قادرة على التأثير في السياسات على المستويين المحلي والإقليمي.
واتفقت مراكز الدراسات على هذه المقترحات باعتبارها تشكل حجر الزاوية في مسيرة التمكين السياسي للشباب، فهي لا تعزز من قدراتهم القيادية فحسب، بل تسهم أيضًا في تجديد الحياة السياسية وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لأمتنا العربي.
مبادرات عربية
بزغت مؤخرًا مجموعة من المبادرات والجهود التي تم تنفيذها من جهات متعددة، تشمل الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني؛ لتعزيز تمثيل الشباب في صنع القرار في الوطن العربي، تمثل في واقعها محاولات لتحويل الواقع الراهن وتفعيل دور الشباب في رسم مستقبل أفضل لبلادهم.
وبدأت الجهود من خلال إنشاء مجالس شبابية وطنية، حيث نجد في الأردن المجلس الأعلى للشباب الذي يقدم توصياته للجهات الحكومية، وفي الإمارات المجلس الوطني للشباب الذي يسعى إلى تمكين الشباب وإشراكهم في صناعة القرار.
وفي إطار تعزيز التمثيل السياسي، شرعت بعض الدول العربية في تخصيص حصص (كوتا) للشباب في البرلمانات والمجالس المحلية، كما هي الحال في تونس والمغرب، في محاولة لإعادة توزيع قوة التمثيل بما يتناسب مع الواقع الديموغرافي، وضمان مشاركة جميع فئات المجتمع، بما في ذلك الشباب والمرأة.
ومن ناحية أخرى، ظهرت منصات إلكترونية مبتكرة مثل «شباب بلد» في لبنان، و«شارك» في الأردن، لتكون جسوراً تربط بين الشباب وصانعي القرار وتتيح لهم عرض رؤاهم وأفكارهم، كما تم إطلاق مبادرات إقليمية، منها مبادرة «شباب المتوسط»، و«منظمة الشباب العربي» التي تهدف إلى توحيد الجهود وتبادل الخبرات على مستوى المنطقة، بينما تشارك حملات التوعية مثل «صوتك حقك» في مصر، و«شبابنا قوتنا» في المغرب في رفع مستوى الوعي بأهمية المشاركة السياسية.
وتتجلى محاولات تعزيز التعليم المدني ودعم المشاريع الريادية كخطوات ضرورية لإعادة رسم خارطة المشاركة السياسية، إذ تدمج مناهج تعليمية تهدف إلى ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة، وتدعم مبادرات مثل «مواطنون فاعلون» في الأردن وبرامج التربية المدنية في تونس.
كما تعتبر دعم المشاريع الريادية للشباب، مثل مبادرة «رواد النيل» في مصر، وبرنامج «بادر» في السعودية، بمثابة حجر الزاوية الذي يسهم في تمكين الشباب اقتصاديًا وإعطائهم الفرصة للتفرغ والمشاركة السياسية.
ومما سبق يتضح أنه على الرغم من التحديات التي تقف عائقًا أمام تمثيل الشباب في مراكز صنع القرار، فإن الجهود والمبادرات المتعددة، سواء كانت حكومية أو مؤسسية أو مجتمعية، تبشر بإمكانية تحقيق تحول إيجابي، فلا شك أن كل خطوة إصلاحية تعزز من قدرات الشباب القيادية وتعيد إحياء روح التجديد في الأنظمة السياسية، بما يسهم في بناء مستقبل الأمة.
ويبقى أن استثمار هذه الثروة البشرية، مع الالتزام بالقيم والمبادئ التي تؤيد العدالة والتعاون، سيعيد رسم ملامح السياسات العامة ويحدث نقلة نوعية في مشاركة الشباب، في وقت يتطلب تجديد روح أمتنا العربية والإسلامية، وتفعيل إمكاناتها لتحقيق الازدهار.
________________________
1- المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية- ورقة سياسات: «تعزيز مشاركة الشباب في مراكز صنع السياسات العامة».
2- مركز الشباب العربي- دليل شامل لأهم المبادرات والمؤسسات الشبابية في الوطن العربي.
3- مركز العرب للدراسات- دراسة بعنوان «تعزيز مشاركة الشباب في مراكز صنع السياسات العامة».
4- صحيفة «البيان»- توصيات لتمكين صُناع القرار لدعم العمل الشبابي.
5- آفاق تمكين الشباب في الوطن العربي- جزء من دراسة بحثية لنيل درجة الدكتوراة.