زكاة الفطر.. من التكافل إلى التنمية

زكاة
الفطر ليست مجرد عبادة فردية، بل هي نظام اجتماعي متكامل، يعكس العدالة والتكافل
في المجتمع الإسلامي. فهي تسهم في مواجهة الفقر وتحقيق التكافل والعدالة والتنمية
الاجتماعية، وتعزيز الروابط بين أفراد الأمة الإسلامية.
زكاة الفطر والتكافل الاجتماعي:
في
سنن أبي داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ
اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ». ففي زكاة الفطر إطعام
المساكين، وكفالة احتياجاتهم، فهي تسد حاجة الفقراء، وتسعى إلى عدم وجود جائع في
المجتمع يوم العيد، مما يحفظ كرامة الفقير، ويضمن له السعادة بالعيد مثل عامة
الناس، فيشعر بأنه جزء من المجتمع، وليس عبئًا عليه. كما تحمي زكاة الفطر الأسر
الفقيرة من الإحراج أو التسوّل، حيث تصرف لهم قبل العيد. ففي السنن الكبرى للبيهقي
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ
وَحُرٍّ وَمَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ.. وَكُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ
نُخْرِجَهُ قَبْلَ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَسِّمُوهُ بَيْنَهُمْ، وَيَقُولُ:
«اغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ». وأورد أحمد في مسنده أن عبد الله بن
عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تُجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاث. حتى
يتيسر للفقير أن يرتب أحواله ويشتري احتياجاته التي تغنيه في يوم العيد. وهذا يؤكد
أن زكاة الفطر ليست مجرد صدقة، بل واجب اجتماعي لإسعاد الجميع.
زكاة الفطر والعدالة الاجتماعية:
تعزز
زكاة الفطر العدالة الاجتماعية، حيث يقوم الناس جميعا، كبارا كانوا أو صغارا،
رجالا أو نساءً بإخراج الزكاة، فيشعر كل فقير بحالة من الغنى، سواء كان شعورا
بالكفاف أو الكفاية، مما يؤدي إلى تقليل معدلات الفقر بين الناس، ولو بنسبة
محدودة، لكنها تكون خطوة على الطريق الصحيح المؤدي للعدالة الاجتماعية. كما تتحقق
العدالة الاجتماعية من خلال زكاة الفطر بإحداث قدر من التوازن بين فئات المجتمع،
حيث يقوم الجميع بشراء احتياجاتهم وتلبية متطلباتهم، مما ينعكس على النفس والمجتمع
بالهدوء والاستقرار. ويضاف إلى ذلك أن الفقير يشعر بقدر من العدالة الاجتماعية حين
يستطيع أن يحقق هدفه أو يلبي مطالبه دون اللجوء إلى القروض أو الديون.
زكاة الفطر وتنمية الأخلاق الفاضلة:
تسهم
زكاة الفطر في تنمية الأخلاق الفاضلة لدى من يؤديها ومن يأخذها، أما من يؤديها،
فهي تطهره من اللغو والرفث، وتطهره من البخل والحرص على المال. كما تطهر من يأخذها
من الحقد والحسد والتطاول إلى المال. ولا يقف أثر الزكاة عند تطهير النفس؛ بل يمتد
إلى غرس الكثير من الفضائل والقيم الخلقية التي تسهم في تنمية النفس وتزكيتها، فهي
تنمي في نفس مؤديها أخلاق العطاء والرحمة والعطف والشعور بالآخرين وتحمل
المسؤولية، كما تنمي في نفس آخذها أخلاق المحبة والتسامح والرضا وحب الخير للغير..
إلى غير ذلك من الأخلاق التي تؤدي دورا فاعلا في إيجاد بيئة نظيفة تنمو فيها روح
الوحدة والانتماء، ويسودها الحب والتسامح مما ينعكس إيجابيًا على أمن المجتمع
واستقراره.
زكاة الفطر وتنشيط الاقتصاد الإسلامي:
لا
يقتصر النظر الإسلامي إلى زكاة الفطر على أنها مجرد صدقة تؤخذ من الأغنياء
فَتُرَدُّ في الفقراء، بل إن لها أبعادا أخرى تتعلق بالبناء الحضاري والنشاط
الاقتصادي للأمة الإسلامية، ويتبين ذلك في النقاط الآتية:
1- دعم وتشجيع قطاع الزراعة والتجارة:
فعندما يتم إخراج زكاة الفطر من الأطعمة فإن ذلك
يكون داعما للإنتاج الزراعي، حيث يزداد الطلب على المحاصيل الزراعية التي تخرج
منها الزكاة، كما يؤدي ذلك إلى تنشيط حركة التجارة المحلية، حيث يشتري الناس هذه
المنتجات من الأسواق، مما يفيد التجار والمزارعين. ويؤدي هذا أيضا إلى التقليل من
التخزين المفرط للمواد الغذائية، حيث يتم توزيع الطعام على الفقراء بدلاً من تركه
في المخازن.
2- سرعة ضخ الأموال في السوق:
فعندما
يتم إخراج زكاة الفطر بكميات كبيرة في فترة زمنية قصيرة، يحدث تأثير اقتصادي
مباشر، حيث: يتم تدوير الأموال وتداولها داخل المجتمع بدلاً من تجميدها عند
الأغنياء واحتكارهم لها.
3- زيادة القوة الشرائية:
فعندما يحصل الفقراء على زكاة الفطر، يستخدمونها
لشراء احتياجاتهم الأساسية. مما يزيد الطلب على السلع الأساسية مثل الطعام
والشراب، وغيرها من الاحتياجات المجتمعية، وهذا يؤدي كذلك إلى إعادة المال مرة
أخرى إلى الأسواق، فتتحرك عجلة الاقتصاد.