قراءة في شهادة فدائي على بطولات المجاهدين في فلسطين

هذه شهادة عيان على بطولات المجاهدين من الإخوان المسلمين في فلسطين، يقول صاحبها: «هذه شهادتي.. خشيت أن أكتمها فأكون ممن قال الله تعالى فيهم: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة: 283)، وكرهت أن أنشرها في حياتي خشية أن تذهب ببعض أجري الذي لا أرجوه من أحد سوى الله عز وجل، لذلك أوصيت بنشرها من بعدي، عسى أن ينتفع بها غيري».

هكذا كتب الداعية المصري الراحل حسن الجمل، في مستهل رواية شاهد عيان عن «جهاد الإخوان المسلمين في القناة وفلسطين»، الصادر عام 2000م، سطر خلاله ذكرياته عن مواقف وبطولات الجماعة، ومعاركها ضد العدو الصهيوني.

يروي الجمل بدايات حياته ونشأته، مع تقديم نبذة عن أسرته، وكيف تربى في حي منيل الروضة بمصر القديمة، مسلطاً الضوء على اللحظة التي رأى فيها جوالة الإخوان وهم يسيرون بشكل منتظم، وزي موحد، لتسوقه قدماه إلى مقر شعبة الإخوان بالمنيل، ويخطو أولى خطواته مع هذه الجماعة المباركة.


اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون كما عرفتهم.. [1]


يقول الجمل الراحل عام 1998: إنه انتظم في أسرة للأشبال، وشارك في الأنشطة والكتائب الإيمانية، وداوم على حضور درس الثلاثاء للإمام الشهيد حسن البنا، مشيراً إلى تأثره به وبحديثه الذي يلمس أوتار القلوب، وكيف كان يستمتع بصلاة الليل خلف الشيخ الجليل سيد سابق صاحب كتاب «فقه السُّنة».

يستعرض الكاتب عدة جوانب من اهتمام الإخوان المسلمين بقضية فلسطين وتحركهم من أجلها دعوياً وسياسياً ومادياً وجهادياً، حيث أرسل البنا رسالة إلى الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، يعبر له فيها عن اهتماماته بهذه القضية، ورسالة ثانية إلى المؤتمر الإسلامي بالقدس عام 1929م.

وفي أغسطس 1933م، أرسل الإخوان المسلمون أول وفد لنشر الدعوة خارج مصر، وكان ذهابه أولاً إلى فلسطين، وبعد هذه الزيارة أصبح المركز العام للإخوان المسلمين، وسط القاهرة، بمثابة منتدى لقادة الجهاد الفلسطيني.



يتناول الجمل في شهادته قرارات المؤتمر العربي الأول من أجل فلسطين، الذي نظمه الإخوان عام 1938م، وانتهى بتوصيات تطالب حكومات الدول العربية والإسلامية بالتدخل لإنقاذ فلسطين من المؤامرة الإنجليزية اليهودية، ليعقب ذلك التواصل مع أمين عام جامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام باشا، ويتم تكوين جبهة إنقاذ فلسطين.

سرعان ما بدأت حملة جمع التبرعات، وتنظيم المظاهرات، وإعلان البنا إرسال عشرة آلاف متطوع للجهاد في سبيل الله نصرة لفلسطين والأقصى، كان من بينهم الجمل الذي انضم إلى معسكر التدريب، ليمر بمرحلة الكشف الطبي، ثم تعلم الحياة العسكرية، وحمل السلاح، والتدرب على فنون القتال والكر والفر، ثم إصراره على الجهاد رغم رفض أسرته الذهاب إلى فلسطين.

يدلل الجمل في شهادته، بسرد تشكيلات سرايا الإخوان، وأسماء الضباط والجنود، وكيف كانت أجواء الرحلة إلى سيناء، وكيفية عبور الحدود إلى فلسطين الحبيبة، يوم 28 أبريل 1948م، ليصل برفقة آخرين إلى خان يونس، لتنطلق الزغاريد بوصول المجاهدين المصريين للتصدي للعصابات الصهيونية.

وعن أول شهيد، يقول الجمل: إن أول عملية شارك فيها ضد عصابات العدو، أسفرت عن استشهاد فتحي الخولي ليصبح أول شهيد في الكتيبة الأولى، وهو من إخوان حي السيدة زينب بالقاهرة، ليدفن في جنازة عسكرية بمقابر خان يونس.

أما معركة «كفار ديروم»، فقد كانت مسرحاً لبطولات استثنائية منها بطولة عمر عثمان من إخوان الإسكندرية الذي قذف نفسه فوق الأسلاك الشائكة المشحونة بالألغام فتطايرت الأسلاك وفتح ثغرة لإخوانه، بدمه الطاهر الذكي، لكن أخطاء تكتيكية في تنفيذ خطة الهجوم، تسببت في استشهاد 46 شهيداً في تلك المعركة، وقد أرود الجمل أسماءهم تخليداً لذكراهم.

يتناول الكاتب، وهو من مواليد العام 1930م، تفاصيل عمليات وبطولات أخرى، مسلطاً الضوء على أخطاء وقعت منها تشتيت قوات المتطوعين، ونقص السلاح والذخيرة، واستعجال النصر، وعم دراسة العدو بشكل جيد، ثم قبول قرار الهدنة لمدة شهر في 8 يونيو 1948م، وهو ما كان فرصة للصهاينة لترتيب صفوفهم وتعزيز قواتهم، إلى أن حلت نكبة الجيوش العربية، وحل جماعة الإخوان، واغتيال البنا، في 12 فبراير 1949م.


اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. 70 عاماً في الدعوة والتربية والجهاد


يسجل الجمل في شهادته طرائف في المحنة ومواقف بطولية ولمحات من سير شهداء الإخوان في فلسطين، ثم في قناة السويس ضد الاحتلال الإنجليزي، وكيف نظمت الجماعة حركة الحصار والمقاطعة للجنود الإنجليز، ومنع تدفق المواد الغذائية إلى معسكراتهم وتفجير مخازن الذخيرة التابعة لهم، ونسف قطارات السكة الحديد لقطع الإمدادات عنهم، ثم معركة التل الكبير يوم 9 نوفمبر 1951م، كما استعرض المؤلف نماذج من شهداء الإخوان في معارك القناة ضد الإنجليز.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة