5 مظاهر للوحدة الإسلامية في رمضان

يأتي رمضان في
وقت تعاني فيه أمتنا الإسلامية من التفرق والانقسام والحزبية في كثير من البلدان،
والناظر في الشعائر التي يؤديها المسلمون، سواء في الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو
الحج، يجد أنها جميعاً تدعو إلى الوحدة والالتئام، لا التفرق والانقسام.
وفي رمضان وما
فرض فيه من الصيام مظاهر متعددة تتأسس عليها الوحدة الإسلامية التي أرادها الله تعالى
في قوله: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92)، ويتبين ذلك فيما يأتي:
1- وحدة
الهدف والغاية:
إن الهدف من
الصيام هو الامتثال لأمر الله تعالى وتحقيق العبودية له، فالله تعالى أمر المؤمنين
بالصيام في قوله عز وجل: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، ففي
الآية نداء للمؤمنين أن يتعبدوا بالصيام، وهو نداء يجمع بين المؤمنين في تشريف
وتكريم ليؤدوا عبادة من العبادات، وفي نداء الله المؤمنين دعوة إلى وحدة صفهم،
وتآلف قلوبهم، لعزتهم ورفعة مكانتهم، وفي ذلك من المساواة بينهم ما لا يخفى، فلا
فرق بين غني وفقير، ولا أبيض وأسود، لذا يبادر كل مؤمن بالامتثال والاستجابة لهذا
النداء الرباني، مما يشكل وحدة بين الناس في السعي نحو تحقيق الهدف المطلوب.
2- وحدة
العقيدة:
إن الناظر في
أحاديث المغفرة للصائمين والقائمين في رمضان يجد أنها ترتبط بالإيمان والاحتساب،
ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ
لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وكذلك قوله: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وقوله: «مَنْ قَامَ
لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ».
والمراد
بالإيمان: الاعتقاد بفرضية الصوم، والاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى وحده، وفي
هذا دلالة على أن الصيام والقيام لدى كل الناس ناشئ عن الإيمان بالله وحده، وعلى
أمل بالثواب والجزاء من الله وحده، وإذا كانت كل العبادات لها شعائر ملموسة يراها
الناس؛ فإن الصيام هو العبادة التي يتجسد فيها الإخلاص لله تعالى في أسمى صوره،
حيث إنه مبني على حسن الصلة بالله تعالى والمراقبة الدائمة له وحده.
3- وحدة
العبادة:
يجتهد كل مسلم
أن يصوم في أيام الإثنين والخميس والأيام القمرية من كل شهر، لكن هذا في الغالب
يكون عملاً فردياً، لكن ما أن ينتهي شعبان حتى يجتمع المسلمون في مشارق الأرض
ومغاربها لتحري الهلال، امتثالاً لأمر الله ورسوله، حيث قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 185).
وروى البخاري،
ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، فإذا ظهر الهلال اتحد
المسلمون في تبييت النية للصيام، ثم اتحدوا في القيام للسحور، وفي موعد الإفطار،
في مشهد مهيب للوحدة الإسلامية.
بل تزداد مظاهر
الوحدة بخروج الناس أفواجاً لصلاة القيام، واصطفافهم خلف إمامهم دون تمايز أو
تفاخر، كلهم يرجون مغفرة الله ورضوانه، فإذا دخلت العشر الأواخر من رمضان زادت
وحدتهم في الاجتهاد والعبادة، طلباً لليلة القدر، واجتهدوا في الدعاء، وتجمعوا في
الاعتكاف في المساجد، يصلون ويتهجدون، عسى أن تشملهم مغفرة الله ويجمعهم عفوه تعالى.
وإذا اقترب شهر
رمضان من النهاية أو انتهى آخر يوم منه؛ بادروا إلى مظهر آخر من مظاهر الوحدة
الإسلامية، وهو إخراج زكاة الفطر، لتشكل صورة رائعة من صور الالتحام بين الناس
والتآزر والتراحم بين الأمة الإسلامية.
4- وحدة
الأخلاق:
ليست الوحدة
الإسلامية في رمضان مقتصرة على الشعائر التعبدية، بل إن أخلاق المسلمين في رمضان
تؤسس لوحدة عظيمة، لا تشوبها الشوائب، ففي رمضان ينتهي المسلم عن الأخلاق السيئة
التي تؤثر على الوحدة بين الناس، فلا يرفع صوته بالباطل، ولا يشتم أو يتحدث بقبيح
الكلام، كما لا يجادل بغير حق، بالإضافة إلى انتهائه عن قول الزور الذي يغرس
الأحقاد والأضغان بين الناس، بل إنه كذلك يصبر على أذى غيره، ولا يرد الإساءة
بمثلها، بل يصمت قائلاً: إني صائم.
ففي صحيح مسلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ
أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ
شَاتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ»، وفي
رواية عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا
يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي
صَائِمٌ».
ويروي البخاري
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ
لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
5- وحدة
العادات:
يسهم رمضان في
تجسيد الوحدة بين المسلمين في عاداتهم بعد عباداتهم، ففي رمضان تجتمع الأسر
والبيوت على موائد الإفطار والسحور، وذلك بما لا يحدث في سائر الشهور من الاجتماع
على الوجبات الغذائية، بل إن الاجتماع على الإفطار والسحور يكاد يقع بين المسلمين
جميعاً، حيث يتسحرون تقريباً في وقت واحد كما يفطرون في وقت واحد، ويدعم هذا
الشعور حكم شرعي باستحباب تأخير السحور وتعجيل الفطور، ففي مسند أحمد عَنْ أَبِي
ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ
أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ».