إطعام الطعام في رمضان

روى البخاري،
ومسلم عن عبدالله بن عباس أن «النبي صلى الله عليه وسلم كانَ أجْوَدَ النَّاسِ،
وكانَ أجوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ
يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فلرسول الله
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ
الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»، فقد كان عطاؤه صلى الله عليه وسلم في رمضان عظيماً، ومن
أنواع العطاء في رمضان إطعام الطعام.
ثواب
إطعام الطعام في رمضان
يعد إطعام
الطعام -في العموم- استجابة لأمر الله تعالى، حيث قال عز وجل: (وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج: 28)، وهو استجابة لرسوله صلى الله عليه وسلم،
ففي مسند أحمد أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: إِنَّ النبي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ..».
والإطعام صفة من
صفات المؤمنين الأبرار، الذين قال الله عنهم: (وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) (الإنسان)، وهو عمل من الأعمال التي يثاب فاعلها بدخول
الجنة.
وفي صحيح مسلم،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جِنَازَةً؟»، قَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟»،
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًاً؟»،
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
ومن مظاهر إطعام
الطعام في رمضان إفطار الصائمين، وله عند الله عز وجل الثواب الجزيل، ففي سنن
الترمذي بسند صحيح، عن زيد بن خالد الجهني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من
فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا».
وفي صحيح ابن
خزيمة أن رمضان هو «شَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ، مَنْ فَطَّرَ
فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ
النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ
أَجْرِهِ شَيْءٌ»، قَالُوا: لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ،
فَقَالَ: «يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى
تَمْرَةٍ، أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ، أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ».
الصحابة
يحرصون على إطعام النبي
روى ابن ماجه أن سعداً بن معاذ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يفطر معه، فلبّى النبي صلى الله عليه وسلم دعوته، وبعد الإفطار قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ».
نماذج
متنوعة في إطعام الطعام في رمضان
قال ابن رجب
الحنبلي: كان رجال من بني عدي لا يفطرون وحدهم أبداً في رمضان، فإذا وجدوا من يفطر
معهم أخذوه إلى بيوتهم، وإلا أخذوا طعامهم إلى المسجد فأفطروا وأفطر معهم الناس.
وعن أبي جعفر
محمد بن عليّ قال: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إليّ من أن
أعتق عشرة من ولد إسماعيل(1).
وقال الذهبي:
كان حماد بن أبي سليمان يفطر في رمضان 500 إنسان(2).
إطعام الطعام
شعور بالفقير وسد لحاجته
في الصيام يشعر
المسلم بالجوع والعطش؛ ما يؤدي إلى شعوره بحال الفقراء الذين لا يجدون الطعام
والشراب، وهذه حالهم طوال العام، لكن هذا الشعور في الصيام يسهم في تذكير الأغنياء
بالفقراء، ومن ثم يبادرون إلى إطعامهم والإنفاق عليهم، فيغنمون بذلك أجراً كبيراً
عند الله عز وجل، ويسهمون في المحافظة على حياة هؤلاء الفقراء وإسعادهم.
إطعام
الطعام في رمضان ليس مقتصراً على الفقراء والمساكين
الناظر في
أحاديث إطعام الطعام، وخاصة إفطار الصائمين، يجد أنها جاءت عامة لكل الصائمين، حيث
لم تنص على إطعام الفقراء والمساكين، ففي حديث جبريل عليه السلام «أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة»، فالتعبير بالريح
المرسلة يؤكد أن عطاءه يعم الجميع، كما تعم الريح المرسلة جميع الناس ولا تستثني
أحداً.
وكذلك حديث «من
فطّر صائماً..» جاءت كلمة صائماً؛ نكرة، والنكرة تفيد العموم، والمعنى من فطر أي
صائم، فالثواب هنا مضمون لمن فطّر الصائم مطلقاً، حيث إن الحديث لم يحدد إفطار
الصائم الفقير فقط..
وهذا يفتح الباب
أمام المسلمين أن يلتقوا على موائد الإفطار، فتسود بينهم المحبة والمودة، وتزداد
روابط الوحدة، كما يفتح الباب لتحصيل الأجر والثواب لكل مسلم ينوي إفطار أصحابه
وأهله، وكل امرأة تعد طعام زوجها وأولادها، فهي تأخذ أجر إفطار الصائمين، وهكذا كل
من ألقى سهماً في إفطار صائم فله به أجر عند الله عز وجل.
___________________
(1) مجموع رسائل
الحافظ ابن رجب الحنبلي، ص 40- 41.
(2) سير أعلام
النبلاء: الذهب (5/ 530).