24 فبراير 2025

|

كيف استُلِبَ الوطن الإسلامي في فلسطين؟ (1 - 2)

علي جريشة

24 فبراير 2025

42

أ- تاريخ:

البعض يرجع ذلك تاريخيًّا إلى أوّل مؤتمر صهيوني انعقد في بال ١٨٩٧ بزعامة تيودور هرتزل؛ حيث قرَّر اتخاذ فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، ووضع التخطيط اللازم للتنفيذ؛ فسار في خطَّين: خط دفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، وخط البحث عن الشرعية الدولية التي تساند هذا الاغتصاب أو تستره، وفي الوقت نفسه القوة الدولية التي تحمي هذا الاغتصاب بالقوة وبالشرعية معًا(1).

وتأسَّس البنك الوطني اليهودي لهذا الغرض، وتأسَّست معه الجمعيات اليهودية العديدة التي تزكي في اليهود روح الصهيونية(2)، وكان ذلك تنفيذًا للخطِّ الأول، وبدأت الهجرة تسير في خطٍّ بيانيٍّ بدأ بعدة آلاف، وانتهى اليوم بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

وفي مدينة القدس الإسلامية -على سبيل المثال- كان عدد السكان اليهود فيها صفر% سنة ١١٧٠م، "القرن الثاني عشر" واحد يهودي، سنة ١٧٥٠م "القرن السابع عشر" ١٥٠ يهوديًّا، سنة ١٩٧٧م "القرن العشرون" ١٤٢٠٠٠ مائة واثنين وأربعين ألف يهودي.

وبدأ انتزاع الأرض من أيدي أهلها بالإغراء بالمال رغبًا، ثم بالتخويف والبطش بعد ذلك رهبًا، وسار انتزاع الأرض يأخذ الخط البياني التالي:

في العشرينات: تراوحت ما بين ١٧.٤٩٧ دونماً سنة ١٩٢٣ إلى ١٧٦.١٢٤ دونمًا عام ١٩٢٦.

في الثلاثينات: تراوحت ما بين ١٨.٨٩٣ دونماً سنة ١٩٣٢ إلى ٣٦.٩٩١ دونمًا عام ١٩٣٣، إلى ٦٧.١١٤ دونماً سنة ١٩٣٥.

في الأربعينيات(3) وفي نهاية سنة ١٩٤٦ قدرت السلطات البريطانية ما يملكه اليهود بمساحة ١.٦٢٤.٠٠٠ دونمًا، ومع ذلك فلم تكن تمثل غير ٧% من مساحة فلسطين.

وفي سنة ١٩٦٧: ملكت إسرائيل كل أرض فلسطين وأضعافها، وتحقيقًا للخط الثاني كانت محاولة الشرعية الأولى مع دولة الخلافة.

مع السلطان عبد الحميد رحمه الله. قيل: إن هرتزل قابل للسلطان عبد الحميد بنفسه".

وقيل: إنه أوفد إليه وفدًا من ثلاثة هم:

١- مزراحي قرصو "زعيم اليهود في سلانيك".

٢- جاك.

٣- ليون "وهما كذلك من زعماء اليهود".

وعرضوا على السلطان عبد الحميد "في حضور تحسين باشا رئيس الوزراء":

أ- أن يقوم اليهود بوفاء الديون المستحقَّة على الدولة العثمانية "وقدرها ١٣٣ مليون ليرة إنجليزية ذهبية".

ب- بناء أسطول لحماية الإمبراطورية العثمانية "يتكلَّف ١٢٠ مليون فرنك فرنسي".

ج- تقديم قرض بدون فائدة "قدره ٣٥ مليون ليرة ذهبية" لإنعاش مالية الدولة ومواردها، وذلك مقابل السماح لليهود بدخول فلسطين للزيارة في أيّ يوم من أيام السنة، والسماح ببناء مستعمرة لهم قرب القدس الشريف؛ وقد رفض الخليفة المفترى على تاريخه، وقيل: إنه بصق في وجه زعيمهم:

ب- أرض بلا شعب إلى شعب بلا أرض "إسرائيل زانغويل".

وكانت المحاولة الثانية في البحث عن الشرعية الدولية والحماية الاستعمارية عن طريق بريطانيا العظمى، واستطاع اليهود خلال الحرب العالمية الأولى والثانية أن ينجحوا في المشاركة في هذه الحرب، مما استمال بريطانيا العظمى إليهم، ثُمَّ كانت صلات هرتزل ووايزمان من بعد استثمارًا لهذه المشاركة، واستفادة منها(4).

وفي الوقت الذي كانت بريطانيا "العظمى" قد أعطت العهد للشريف حسين بمنح الاستقلال للدول العربية، والسماح بقيام خلافة "عربية إسلامية" يقوم عليها أحد الأصلاء من مكة أو المدينة -في نفس الوقت كانت الاتصالات باليهود قائمة، وكان التعاطف معهم أشد، وتَمَّ عقد اتفاقيتين سريتين في مارس سنة ١٩١٦ بين روسيا وإنجلترا وفرنسا، وفي مايو سنة ١٩١٦ بين الدولتين الأخيرتين "والتي عرفت بمعاهدة سايكس-بيكو"، وتقرَّر وضع إقليم فلسطين تحت حكم دولي يتمتَّع اليهود في ظله "بالمساواة السياسية والدينية والمدنية"(5).

ولم يعرف الشريف حسين الذي وثق في شرف بريطانيا "العظمى" بأمر هذه الاتفاقات إلّا بعد ستة شهور، وبعد قيام الثورة البلشفية في روسيا؛ حيث أعلنت عن هذه الاتفاقيات(6).

وفي ٢ فبراير سنة ١٩١٧ أصدر اللورد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا "العظمى" للتصريح التالي(7):

"إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي، وسنبذل جهدنا لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتَّع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وبهذا أعطي "من لا يملك" لمن لا يستحق أوَّل حماية يتمّ التصريح بها، وأوَّل خطوة على طريق الشرعية الزائفة، ومع ذلك اعتبرها الصهيونيون تصديقًا بريطانيًّا رسميًّا على إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وذلك عن طريق الهجرة الجماعية وابتياع الأراضي(8)، ووافقت على التصريح فرنسا وإيطاليا في فبراير سنة ١٩١٨، وأمريكا في أكتوبر سنة ١٩١٨(9).

وكانت تتمَّة المؤامرة البريطانية-الغربية، إعلان الانتداب على فلسطين بعد ضمِّها مع شرق الأردن والعراق إلى بريطانيا، واكتشف الشريف حسين ومن وراءه من العرب أنَّ فلسطين قد سُلِّمت لليهود، وأنَّ العرب جرى اقتسامهم بين الدول الحليفة(10).

وكانت المحاولة الثالثة والأخيرة إعلان دولة إسرائيل في ١٥ مايو سنة ١٩٤٨ في ظلّ حماية دولية إنجليزية أمريكية فرنسية روسية ...

وسبقتها خطوة خطيرة على طريق الشرعية الدولية، هو قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ قبل الإعلان بشهور ستة.

هذا ما يراه البعض.

ونحن معهم أنَّ هذا التسلسل كان السبيل لتنفيذ المخطَّط عمليًّا.

ج- تاريخ أقدم:

- لكننا مع البعض الآخر الذي يرجع الأمر إلى ما قبل هرتزل بقرنين أو يزيد، حين دعا الحاخام ليفا "١٥٢٠-١٦٠٩" من براغ- دعا إلى اتخاذ فلسطين وطنًا لليهود(11).

وأعقبه مورس هس "١٨١٢-١٨٧٥" الذي بدأ علمانيًّا، ثم صبأ إلى الماركسية مرتبطًا مع ماركس، لكنه أعرض عن الماركسية متجهًا إلى مثالية يهودية مغرقة في حب اليهود، وأصدر كتابه "روما والقدس" سنة ١٨٦٢ بسط فيه أفكاره، وتحدَّث عن أن اليهود "مدعوون مصيريًّا لتحويل العالم".

وبدأت الصهيونية المنظَّمة، وظهرت حركة "أحباء صهيون" تحت زعامة ليوبنسكر "١٨٢١-١٨٩١" في مطلع الثمانينات.

وفي أواخر الثمانينات والتسعينات جرت صياغة عقيدة الصهيونية على يد مدارس متعددة(12).

فالصهيونية العملية: ومن أشهر زعمائها دافيد غوردون "١٨٥٦-١٩٢٢"، وقد جدَّد حركة "أحباء صهيون" التي تقوم على العمل في أرض إسرائيل، وإنشاء المستوطنات والمستعمرات.

والصهيونية السياسية: ويقوم على زعمامتها ليوبنسكر في أوربا الشرقية، واليهودي الهنغاري تيودر هرتزل "١٨٦٠-١٩٠٤".

ويقال: إن كليهما في البداية لم يكن مقتنعًا باتخاذ فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، وإن هرتزل كان في البداية يفضّل مواقع أخرى مثل: الأرجنتين وقبرص وشبه جزيرة سيناء، لكنه مع المؤتمرات الصهيونية التي انعقدت تغلَّب الاتجاه إلى فلسطين.

وقد يؤكّد القول بأن هرتزل في البداية لم يكن متجهًا إلى فلسطين محادثائه مع الزعماء الإنجليز التي تَمَّ بناءً عليها إيفاد بعثة إلى سيناء سنة ١٩٠٦؛ لبحث مدى صلاحيتها على الطبيعة، لكنه من ناحية أخرى: فإن سيناء ملاصقة لفلسطين، وهي من ناحية التقديس عندهم لا تقل عن فلسطين، ففيها كلَّم الله نبيه موسى، وفيها كتبت الألواح، ونزلت الوصايا العشر، ثم هي امتداد طبيعي لدولة إسرائيل الموسَّعة، كما تكشَّفت أطماعهم عنها بعد ذلك "من الفرات إلى النيل، ملكك يا إسرائيل".

أما الصهيونية الثقافية: فقد تزعَّم جناحها أحدها عام "١٨٥٦-١٩٢٧"، وقد أعلن أن وجود الأمة اليهودية بخصائصها المتأصّلة هو ما يحقق الإنسان الأكثر كمالًا(13).






_________________

(1) أوضح هرتزل الهدف من المؤتمر بقوله: "نحن هنا لكي نضع حجر الأساس للبيت الذي يؤوي الأمة اليهودية". وتبنَّى المؤتمر بيانًا أكَّد الغرض الصهيوني بقوله: "إن هدف الصهيونية هو خلق وطن في فلسطين للشعب اليهودي يضمنه القانون العام". وجرى تعيين أربع وسائل لهذا الغرض:

- تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

- تنظيم يهود العالم كافَّة، وربطهم سويًّا بواسطة الطرق الملائمة.

- تعزيز الشعور والوجدان القومي اليهودي وتنميتهما.

- اتخاذ الخطوات الكفيلة بنيل موافقة حكومية على أهداف الصهيونية.

"تصريح بلفور في نظر القانون الدولي -د. ت مالسون "جونيور" ص٧٨ من كتاب تهويد فلسطين. المرجع السابق.

(2) راجع مقال جون رودي حركات استلاب الأرض. تهويد فلسطين ص٣٣-١٥٤.

(3) راجع معركة الإسلام -أو وقائعنا في فلسطين بين الأمس واليوم، الأستاذ محمد محمود الصواف، ص٦٤. وراجع كذلك العرب واليهود في الماضي والحاضر والمستقبل للمستشار محمد عبد الرحمن حسين، وفيه يشير إلى مقابلة هرتزل للسلطان ص٩١.

وكذلك Esco Foundalion Porestino، Porestinre: Astudy of Jewish Arab، snd british Poiuies، Zvols (New Havan ١٩٤٧) I، ٤٣.

(4) كان ثَمَّة تفكير آخر لبسط حمايتها ولاستمرار الشرعية عن طريقه، ففي أكتوبر سة ١٨٩٨ كتب هرتزل في مذاكراته "يوميات هرتزل - ترجمة وتحرير مارتن لوفنثال نيويورك سنة ١٩٥٦، ص٢٥٢ كتب يقول: "إن العيش تحت حماية ألمانيا القوية والعظيمة، الأخلاقية والمحكومة بشكل رائع، ألمانيا في تنظيمها الشامل، سوف يكون من شأنه دون ريب إحداث تأثيرات بالغة الفائدة على الخلق القويم لليهود، وكذلك سوف يتاح لنا بضربة واحدة الحصول على وضع قانوني تام من الناحيتين الداخلية والخارجية ... ".

(5) George Lenezowski، ed، The Middle East in world Affairs P. ٧٧-٧٨.

(6) انطونيوس -تغطية العرب ص٢٠٨- مشار إليه في كتاب العرب واليهود للمستشار محمد عبد الرحمن حسين ص١٠٥، وانظر الخطابات المتبادلة بين الشريف حسين وبريطانيا، ص١١٨ وما بعدها من كتاب فلسطين إليكم الحقيقة.

(7) وذلك بعد تعديل اتفاقية سايكس بيكو بما يكفل حذف شرط تدويل فلسطين من الاتفاقية Elizabcth Monroc Britania in the middle East ١٩١٤ - ١٩١٤ -١٩٥٦ P. ٣ P.

(8) انظر Ziomismeand the World peace -١٩١٩-٣٦٩.

(9) وقد كشف الصهاينة عن شعورهم في مؤتمرهم المنعقد عام ١٩١٨ بمدينة بيتنسبورج "بعد إقناع الحكومات القوية لكلٍّ من بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا، وبعد الحصول على المصادقة من رئيس الولايات المتحدة، صرنا نشعر بأننا كسبنا قضيتنا أمام العالم، وأنه لا لزوم البتَّة لهدر طاقات ثمينة على محاولة إقناع معارضة تافهة الأهمية، إن الكومنولث اليهودي في فلسطين هو حقيقة قائمة، ونحن الآن نقوم بتعيين حدود الدولة".

Zinoisme the paces Conference، public، XX ١١ (february J,١٩١٩) ١١Z.

(10) الصهيونية كمرحلة من مراحل الإمبريالية الغربية، ريتشارد ب. ستيفنز، ص٧١ من كتاب تهويد فلسطين لإبراهيم أبو لغد.

(11) الرؤيا والقصد في الفكر الصهيوني، آلان ر. تايلور، المرجع السابق: تهويد فلسطين ص٢٥.

(12) المرجع السابق ص٢٨، ٢٩.

(13) Easays Litcrs، Memoirs Trans. Leon Simon Opford East and West Lilrary ١٩٤٠ P. ٨١.

المصدر: كتاب «حاضر العالم الإسلامي».


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة