لماذا نحب يوم العيد؟

جعل الله تعالى
لنا عيدين في الإسلام لا ثالث لهما، وربما تلك لحكمة عظيمة منها أن كثرة الأعياد
تطفئ بهجتها، وتقلل من الفرحة بها، ومنها أيضًا أن أعيادنا تأتي بعد فترة من
العبادة الشاقة على النفس فتروح عن هذه النفس وتخفف عنها أو تزيل عنها ما كان من
تعب.
ومن هنا كان يوم
عيد الفطر فرحة غامرة وبهجة كبيرة، كونه جاء بعد صيام شهر كامل وقيامه، فيأتي
العيد لنكبر الله تعالى فيه ابتهاجًا بما هدانا وأرشدنا إليه من الطاعة العظيمة من
صيام الشهر وقيامه، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185).
فرحتنا
بعيد الفطر
عندما كنا
صغارًا كانت لنا فرحة خاصة بعيد الفطر، فكان العيد نهاية لأيام الصيام والتعب،
وكنا نفرح فيه بالألعاب والزيارات للأهل والأقارب والجيران، فضلًا عما كنا نأكله
من الحلوى هنا وهناك، وكذا نجمع ما يسمى بالعيدية.
أما اليوم فهناك
فرح بالعيد كبير لكنه على وجه مختلف من فرحة الصغار به، وفرحة اليوم بالعيد أجمل
وأحلى، ومن أسباب الفرحة بالعيد ما يلي:
أولًا:
نفرح لما هدانا الله إليه من عبادته:
المسلم يفرح لأن
الله تعالى هداه للصوم، في حين أن كثيرًا من الناس لم يهتدوا إليه، والله سبحانه
يهدي للخير من يشاء، ولذا على العبد أن يؤدي العبادة ويكملها لربه سبحانه ثم يكبر
الله فرحًا لما هداه الله إليه، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ثانيًا:
إتمام فريضة الصوم لله تعالى:
المسلم يفرح إذا
أدى ما عليه من واجب ويتمنى من الله قبوله، ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم)ذلك
في قوله: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ
لِقَاءِ رَبِّهِ»(1)، والفرحة عند فطره تُحْمَلُ على أنها في نهاية يوم
الصيام، وتحمل أيضًا على أنها في نهاية الشهر الكريم؛ أي يوم العيد، وكلاهما يدل
على فرح الصائم بتمام العبادة التي فرضها الله تعالى عليه وفرحته بالثواب الذي
يرجوه مما وعده الله به، قال الإمام النووي: قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَمَّا
فَرْحَتُهُ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ فَبِمَا يَرَاهُ مِنْ جَزَائِهِ وَتَذَكُّرِ
نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ لِذَلِكَ وَأَمَّا عِنْدَ
فِطْرِهِ فَسَبَبُهَا تَمَامُ عِبَادَتِهِ وَسَلَامَتُهَا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ
وَمَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِهَا(2).
ثالثًا:
فرحتنا لفرح المسلمين:
المسلم مطالب أن
يفرح لفرح إخوانه المسلمين، والمسلمون جميعًا عادة ما يفرحون بالعيد، وخاصة
الفقراء منهم لما ينالهم من التكافل الاجتماعي من إخوانهم الأغنياء في مثل هذه
المناسبات، ومنها صدقة الفطر التي أوجبها النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين.
ومن علامة إيمان
المرء فرحه لفرحة إخوانه، وذلك لأن المؤمنون إخوة، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
(الحجرات 10)، وقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي
تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى
عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»(3).
فكل ذلك يبين أن
من واجب المسلم مشاركة إخوانه أحوالهم من الفرح والحزن وغير ذلك، بل واجب عليه أن
يصنع لهم الفرح والبسمة وأن يدخل السرور عليهم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب
الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على
مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة
أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، (يعني مسجد المدينة) شهراً»(4).
رابعًا:
حضورنا لصلاة العيد:
حضور صلاة العيد
في المصلى مع المسلمين سُنة مؤكدة، بل أوجبها كثير من الفقهاء، وذلك لأنها شعيرة
من شعائر الإسلام، كما أنها مظهر من مظاهر وحدة المسلمين، وصلاة العيد بما فيها من
شعائر فإنها تشعر المسلم بالعزة التي حباه الله بها، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي
الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ،
فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ
الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جلباب،
قال: «لتلبسها أختها من جلبابها»(5).
ولذلك نفرح بيوم
العيد لأجل مشاركة المسلمين صلاة العيد، فيزداد في قلوبنا حب المسلمين، ونشعر
بالعزة التي افتقدناها دهرًا طويلًا، ولعل هذا يساعد المسلمين على السعي لاستعادة
عزتهم ومجدهم.
خامسًا:
العيد فرصة عظيمة لصلة الرحم:
كلنا يعلم فضل
صلة الرحم، وعظيم ثوابها عند الله تعالى، ومن هنا كانت حاجة المسلم لأن يحافظ على
صلة رحمه.
فصلة الرحم من
الإيمان كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»(6).
ولصلة الرحم فضل
عظيم في الدنيا يعود على الواصل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ
رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»(7)،
وصلة الرحم سبب لصلة الله تعالى للعبد، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن
قطعني قطعه الله»(8).
ومما يؤسف
كثيرًا أن الناس لا يهتمون بصلة الرحم طوال العام، وينتظرون أيام الأعياد، فيأتي
يوم العيد فيفرح المسلم أنه يصل رحمه يوم العيد، وهو من الأعمال الصالحة يوم
العيد، ويفرح بها جميع المسلمين.
__________________
(1) من حديث أبي
هريرة في صحيح مسلم (1151).
(2) شرح النووي
على مسلم (8/ 31 – 32).
(3) رواه
النعمان بن بشير في صحيح البخاري (6011).
(4) من حديث عبد
الرحمن بن قيس الضبي، السلسلة الصحيحة (906).
(5) صحيح مسلم (883).
(6) صحيح
البخاري (6138).
(7) صحيح
البخاري (2067).
(8) صحيح مسلم (2555).