ما دلالات إعلان دول غربية وازنة عزمها الاعتراف بدولة فلسطين؟

إياد القطراوي

07 سبتمبر 2025

623

في الأعوام الأخيرة، شهد العالم تحولات سياسية ودبلوماسية بارزة حول ملف الاعتراف بدولة فلسطين، من أبرز هذه التحولات إعلان عدد من الدول الغربية، مثل: فرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وبلجيكا نيتها الاعتراف بفلسطين كدولة خلال الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025م.

تأتي هذه التطورات في سياق دولي متغير، متمثل في الحرب المستمرة في غزة، وتصاعد الضغط على دولة الاحتلال، وتنامي المطالب الدولية لإنهاء النزاع، فما الدلالة الحقيقية لهذه التطورات؟

تحوّل تدريجي في أوروبا

بدأ هذا الزخم في عام 2024م، عندما اعترفت كل من أيرلندا والنرويج وإسبانيا وسلوفينيا رسميًّا بدولة فلسطين، وقد أعقب ذلك إعلان دول مثل فرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، ومالطا وبلجيكا عن اعتزامها الاعتراف بطريقة رسمية أو مشروطة.

الأزمة الإنسانية بغزة دفعت البعض لاعتبار الاعتراف خطوة ضرورية للضغط على دولة الاحتلال

الدول التي أقدمت أو تعتزم الإقدام على الاعتراف بالدولة الفلسطينية كانت نتيجة ضغط شعبي لاستعادة دورها الأخلاقي والدبلوماسي، فالأزمة الإنسانية في غزة وتزايد أعداد الضحايا دفع البعض لاعتبار الاعتراف خطوة ضرورية للضغط على دولة الاحتلال وفتح باب السلام.

هذا التحول التدريجي في الموقف الأوروبي لا يمكن عزله عن التغيرات العميقة في الرأي العام داخل هذه الدول، حيث أظهرت استطلاعات واسعة تنامي التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين، والغضب الكبير تجاه دولة الاحتلال وتزايد الانتقادات للحكومات المتهمة بغض الطرف عن الانتهاكات الصهيونية، كما أدت منظمات المجتمع المدني، والهيئات الحقوقية، والإعلام دورًا محوريًا في إبراز حجم المعاناة الإنسانية؛ الأمر الذي جعل الاعتراف بفلسطين وسيلة لإعادة التوازن إلى صورة هذه الدول أمام مواطنيها وأمام العالم.

على المستوى الدبلوماسي، يُقرأ هذا التوجه باعتباره محاولة لإعادة إحياء مسار «حل الدولتين» الذي تراجع خلال العقد الأخير، للتأكيد على أن غياب أي أفق سياسي عادل سيُبقي المنطقة رهينة دوامة العنف وعدم الاستقرار، ومن زاوية أخرى، فإن الاعتراف لا يعكس فقط تضامنًا إنسانيًا، بل هو أيضًا أداة ضغط سياسية ورسالة واضحة لدولة الاحتلال بأن استمرار القتل والاستيطان ورفض المفاوضات والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني لن يبقيا بلا كلفة.

أوروبا أدركت أن الاستقرار الإقليمي لا يتحقق إلا بإعطاء الفلسطينيين حقهم في دولة مستقلة

يمكن القول: إن أوروبا، ومعها بعض حلفاء الغرب، تحاول استعادة موقعها كقوة وازنة في الصراع؛ بما يعكس إدراكها أن الاستقرار الإقليمي لا يتحقق إلا بإعطاء الفلسطينيين حقهم في دولة مستقلة، وأن سياسة الانتظار أو الاكتفاء بالدعم الإنساني لم تعد مجدية في ظل الواقع الدموي المستمر.

اعتراف تسبقه شروط وضغوط

ثمة شروط وضغوط وضعتها الدول التي تنوي الاعتراف بفلسطين تهدف لتحويل الاعتراف الرسمي من «خطوة رمزية» إلى مؤشر على تحوّل دبلوماسي حقيقي، كاستجابة للغضب الدولي ضد دولة الاحتلال بسبب الوضع الإنساني في غزة، وضغط على القيادة الفلسطينية للإصلاح، وتوجيه رسالة بأن الدولة الفلسطينية المستقبلية يجب أن تكون سلمية وضمن إطار دولي مقبول.

  • بريطانيا: أكد رئيس الوزراء كير ستارمر نية بلاده الاعتراف رسميًّا بدولة فلسطين في سبتمبر 2025م، ما لم تتخذ دولة الاحتلال خطوات ملموسة للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، وتلتزم بحل الدولتين، وتمتنع عن ضم الضفة الغربية.
  • كندا: أعلن رئيس الوزراء مارك كارني أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الجاري، موضحًا أن الهدف هو الإبقاء على فرص حل الدولتين، وأن هذه الخطوة مشروطة بالتزام السلطة الفلسطينية بإصلاحات تشمل إصلاحًا جذريًا للحوكمة، وإجراء انتخابات عامة في عام 2026م، ومنع «حماس» من المشاركة فيها.
  • أستراليا: ربط رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز اعتراف بلاده بدولة فلسطين بالتزام السلطة الفلسطينية بمعايير مثل الاعتراف بدولة الاحتلال، ونزع السلاح، واستعدادها لإجراء انتخابات جديدة.
  • بلجيكا: وضعت شروطًا للاعتراف بدولة فلسطين تضمنت الإفراج عن الرهائن في غزة، ومغادرة «حماس» المشهد السياسي، إلى جانب فرض عقوبات على المنتجات القادمة من المستوطنات.

تأثيرات دبلوماسية وإستراتيجية

انطلاقًا من هذه الموجة الجديدة من الاعترافات وما رافقها من شروط وتباينات في المواقف، يبرز سؤال جوهري حول انعكاساتها العملية على الأرض، فهل يشكل الاعتراف إضافة نوعية للقضية الفلسطينية، أم يظل خطوة رمزية محدودة التأثير؟

كلما زاد الاعتراف بفلسطين تضاءل الاستثناء الأمريكي في حماية حليفتها داخل الأمم المتحدة

الإجابة تكمن في قراءة التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لهذا التوجه على الصعيدين الدبلوماسي والإستراتيجي، وهو ما يمكن تلخيصه في المحاور التالية:

  • تعزيز الوضع القانوني لفلسطين: يمنح الاعتراف الدولي فلسطين إمكانية الوصول إلى اتفاقيات دولية مثل «نظام روما» للمحكمة الجنائية؛ ما يمهد لمساءلة قانونية على مستوى دولي، ويكسبها أرضية قانونية وسياسية أكثر صلابة.
  • ضغوط دولية على دولة الاحتلال: كلما زاد عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين؛ تضاءل الاستثناء الأمريكي في حماية حليفتها الصهيونية داخل الأمم المتحدة، ويزيد من إجهادها دوليًا، ويسلط الضوء على تراجع حصانتها السياسية.
  • دفعة لعملية السلام: اعتماد الاعتراف كأداة ضغط يمكن أن يعيد توازن المفاوضات ويجبر الأطراف على الجلوس مجددًا إلى طاولة الحوار، إن كانت هناك إرادة حقيقية لتحقيق تسوية.

ردود الفعل.. بين الرفض والاحتجاج والتأييد

لم تمرّ هذه التطورات من دون ردود فعل متباينة، فبينما رأت بعض الأطراف فيها خطوة إيجابية تعزز المسار السياسي، تعاملت أطراف أخرى معها باعتبارها تهديدًا مباشرًا لمصالحها أو محاولة غير مقبولة لفرض واقع جديد، وتباينت المواقف بين رفض قاطع، وترحيب حذر، ودعم مشروط؛ الأمر الذي يعكس عمق الانقسام حول مستقبل القضية الفلسطينية.

  • الولايات المتحدة: بادرت بمنع سفر مسؤولين فلسطينيين إلى الأمم المتحدة كوسيلة احتجاجية، ورفضت الاعتراف أحادي الجانب.
  • دولة الاحتلال: وصفت هذه التحركات بأنها «مكافأة للإرهاب»، ورأت فيها تهديدًا لأمنها وإضعافًا للسلام المحتمل.
  • السلطة الفلسطينية: رحبت بهذه التحركات واعتبرتها نتاج جهود دبلوماسية طويلة، مشددة على أن الاعتراف خطوة نحو الدولة وليس الأخيرة.
  • «حماس»: أعلنت مبايعتها لهذه القرارات، لكنها علّقت بأن الخطوة جاءت نتيجة عملية أكتوبر، ورأت أن نزع سلاحها لن يكون جزءًا من الدولة المستقبلية.
  • الرأي العام الشعبي: أظهر تباينًا؛ فبعضهم رأى أن الاعتراف رمزي ويغير القليل مما يعيشونه يوميًا، وآخرون اتهموا الدول الغربية بالنفاق بسبب استمرارها في دعم دولة الاحتلال بالسلاح.

    تباين ردود الفعل حول الاعتراف بدولة فلسطين بين الرفض والترحيب الحذر والدعم المشروط

    خطوة حقيقية أم استراتيجية متوازنة؟

    هذه الموجة الجديدة من الاعترافات، خصوصًا من دول الغرب العظمى، تُعد منعطفًا دبلوماسيًا مهمًا، تحمل رسالة قوية مفادها أن استمرار الصمت غير مقبول، لكنها ليست بديلاً عن السلام والاعتراف الكامل بحقوق الفلسطينيين، بل خطوة قد تدفع نحو إعادة إطلاق مفاوضات حقيقية.

    ديناميكيات المنطقة وبنية العلاقات الدولية اليوم تتطلب إستراتيجية متوازنة؛ فالاعتراف يجب أن يقترن بدعم اقتصادي، وإصلاح فلسطيني، وضغط مستمر لإنهاء الاحتلال وضمان الأمن والكرامة للفلسطينيين، والاعتراف بحقوقهم كاملة في أرضهم وتقرير مصيرهم بعيدًا عن سياسة العنف والقوة التي تمارسها دولة الاحتلال في المنطقة.


    اقرأ أيضاً:

    تطور الفعل الاحتجاجي العالمي في ضوء العدوان «الصهيوني أورو-أمريكي» على غزة

    دعم بلدان أوروبية ولاتينية للفلسطينيين.. مواقف تستحق التقدير

     

     

    الرابط المختصر :

    تابعنا

    الرئيسية

    مرئيات

    جميع الأعداد

    ملفات خاصة

    مدونة