مدينة الأنفاق الفلسطينية.. والتجربة الفيتنامية!

«إسرائيل في
حالة حرب، اليوم 532»، هكذا تُدوّن صحيفة «THE TIME OF ISRAEL» العبرية على موقعها؛ وهذا يعني أن الصحيفة تَعدّ الأيام منذ 7
أكتوبر 2023م، وحتى الساعة، وتعتبرها جميعاً أيام حرب!
وتعتبر
المواجهات الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال «الإسرائيلية» واحدة من
الملاحم التاريخية والحروب الدقيقة.
وقد كان
للأنفاق، بعد عزيمة رجال المقاومة الفلسطينية، الدور البارز في إشغال قوات
الاحتلال ومفاجأتها كل لحظة من مكان مختلف وهجمات جديدة أوقعت مئات القتلى في
أفرادها!
وأُدْخِلت
الأنفاق بشكل كبير في المعارك القديمة والحديثة، وقد استخدمت قديماً من قبل
الصينيين، وحروب العصور الوسطى، والحرب الأهلية الأمريكية.
وحديثاً استعملت
الأنفاق في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والاحتلال الأمريكي لفيتنام،
والصراع «الإسرائيلي» - اللبناني، والاحتلال الصهيوني لفلسطين والحرب الروسية –
الأوكرانية، وغيرها من الحروب!
وقد استثمرت
المقاومة الفلسطينية أسلوب الأنفاق لتحقيق العديد من الأهداف في مقاومة الاحتلال،
ورغم أن تجارب الأنفاق ليست محصورة بالتجربة الفيتنامية، فإن المقاومة الفلسطينية
أكدت بأنها استفادت من أسلوب المقاومة الفيتنامية في حربها المقدّسة لتحرير أرضهم!
وأهم الأنفاق
الفيتنامية هي أنفاق «كو تشي» التي أعطت القدرة للمقاومة الفيتنامية لتنفيذ هجمات
قاتلة ضد القوات الأمريكية!
ورغم أن المعارك
استمرّت لأكثر من 18 عاماً بين عاميّ 1955 – 1973م، فإن الصمود الفلبيني أجبر
واشنطن على الانسحاب الكامل منتصف أغسطس 1973م، وتمّت إعادة توحيد فيتنام الشمالية
والجنوبية في العام 1976م.
وقد نجحت
المقاومة الفلسطينية في توظيف الأنفاق في العديد من المواجهات مع الاحتلال،
وأبرزها العمليّة المعقّدة التي نفّذت يوم 25 يونيو 2006م، وتمكّن مجاهدو المقاومة
من اقتحام موقع «كرم أبو سالم» العسكري الصهيوني جنوبي غزة، وخوض معركة شرسة أدّت
إلى مقتل اثنين من جنود الاحتلال، وإصابة عدد آخر وأسر العريف جلعاد شاليط لـ5
سنوات، وفي نهاية العام 2011م أبرمت المقاومة صفقة «وفاء الأحرار» التي حُرّر فيها
1050 أسيراً وأسيرة!
وبعد أكثر من 10
سنوات، عادت المقاومة الفلسطينية للمواجهة الشاملة عبر هجمات 7 أكتوبر 2023م التي
استهدفت مواقع للجيش «الإسرائيلي» في غلاف قطاع غزة، وتمكّنت من السيطرة على نحو 20
مستوطنة «إسرائيلية» داخل منطقة الخطّ الأخضر، والسيطرة، كذلك، على قاعدة عسكرية
كبيرة وعدد من المواقع ونقاط المراقبة «الإسرائيلية» المنتشرة على حدود غزة، وأسفر
الهجوم المباغت، وفقاً لجيش الاحتلال، عن مقتل أكثر من 1200 عسكري ومدني «إسرائيلي»،
وإصابة نحو 3 آلاف، بينهم العديد من كبار الضباط، كما أسرت المقاومة أكثر من 130 «إسرائيلياً»!
وقد كان للأنفاق
الدور البارز في هجمات السابع من أكتوبر، وبعد أكثر من 540 يوماً من «طوفان
الأقصى»، تقف القدرات العلمية والميدانية «الإسرائيلية» عاجزة أمام مدينة الأنفاق
الفلسطينية تحت الأرض!
وسبق لصحيفة «نيويورك
تايمز» أن أكّدت، في يناير 2024م، استناداً إلى تقديرات مسؤولي الدفاع «الإسرائيليين»،
بأن طول أنفاق غزة تقدّر بحوالي 560 إلى 725 كيلومتراً!
ورغم الهجمات
القاتلة عليها لم تتوقّف المقاومة عن حفر الأنفاق، وهذا الكلام كشفه الأسير
الصهيوني المحرر طال شوهم، وفقاً لـ«تايمز أوف إسرائيل»، منتصف مارس 2025م، الذي كشف
أن حركة «حماس» تواصل توسيع شبكة الأنفاق الواسعة تحت الأرض في غزة دون هوادة، ولا
ليوم واحد!
وهكذا هي الشعوب
الأصيلة تُناضل رغم جميع الصعوبات، وعليه، ورغم التضحيات الجسيمة التي قدّمتها
المقاومة في غزة، فإن عملية «طوفان الأقصى» فرضت معادلة جديدة على الاحتلال، وأدّت
إلى نتائج جوهرية في مسار القضية الفلسطينية، كان من أهمّها إعادة إحياء الحقّ
الفلسطيني في الأرض والمقاومة، وكذلك إنعاش الوعي العالمي بحقوق الفلسطينيين
وتغييرها لمواقف الكثير من الدول لصالح الحقوق الفلسطينية!
والنتيجة الكبرى
تمثّلت في سقوط أسطورة الجيش الذي لا يُهزم، التي حاولت «إسرائيل» ترسيخها في
الوعي الجمعي العربي والعالمي!
__________________
dr_jasemj67@