13 فبراير 2025

|

مستقبل الإسلام السياسي في سوريا

مصطفى عاشور

09 فبراير 2025

5507

بعد حكم استمر قرابة الـ(54) عاما سقط نظام عائلة الأسد، في الثامن من ديسمبر 2024، بعد (12) يوم من شن الفصائل المسلحة التي تتزعمها هيئة تحرير الشام بقيادة "أحمد الشرع" هجومها على دمشق، ليُختار "الشرع" فيما بعد رئيسا مؤقت لسوريا.

كان لسقوط نظام بشار الأسد تداعيات جيوسياسية، بعد ثلاثة عشر عاما من الثورة والصراع المسلح، راح ضحيته أكثر من نصف مليون شخص، وتم تهجير ما يقرب من نصف سكان سوريا داخليا وخارجيا، واستقبلت تركيا وحدها قرابة الثلاثة مليون سوري.

في ظل هذه الفوضى والضعف والفراغ الذي يضرب الدولة السورية، تثور تساؤلات حول مستقبل الإسلام السياسي بعد سقوط أعنف وأقسى نظام سياسي معادي للإسلاميين في المنطقة، وفي مقدمتها، هل أمام الإسلاميين فرص للنجاح في إدارة سوريا وإنهاضها وملء فراغها السياسي والأمني وانتشالها من أزمتها الاقتصادية والحيلولة دون نشوب حرب أهلية بين شركاء الثورة؟ أم أن المستقبل مكتظ بالعقبات التي تحول دون تقديم نموذج جديد لسوريا يرعاه الإسلاميون لتأسيس دولة وطنية تستوعب الجميع؟

فرص الإسلاميين في سوريا

المؤشرات تنبئ أن أمام الإسلاميين فرصا للاستمرار والنجاح في سوريا، وأن أغلب تلك الفرص يأتي من الخارج الذي لن يمارس ضغوطا أو عرقلة أمام إمساك الإسلاميين بالسلطة والاستمرار فيها، كما أن الداخل السوري يشجع على نجاح المشروع السياسي للإسلاميين.

*الفرص الداخلية:

-غياب الدول العميقة في سوريا: أحد أهم خبرات التجارب الفاشلة في الربيع العربي، والتي قادت إلى عودة الدولة المتسلطة بأبشع من صورتها التي قامت ضدها الثورات والانتفاضات، هو الدور الذي لعبته الدولة العميقة، والتي احتل فيها العسكريون والأجهزة الأمنية وبيروقراطية الدولة وحفنة رجال الأعمال والمال، الركائز الأساسية لإخفاق الإسلاميين، فقد استطاع هذا التحالف القوي، وبامتداده المؤسسي والشعبي أن يحاصر الربيع العربي ويُفشله ويعزله عن الجماهير، ثم كانت الضربة القاصمة بإطاحته وتغيبه في المنافي والسجون.

أما في الحالة السورية فإن هزيمة الجيش السوري، ثم حله هو والأجهزة الأمنية بالكامل، يعني غياب أهم فاعل في الدولة العميقة عن المشهد، كذلك فإن الجيش السوري بعد أربع سنوات من الثورة السورية أي بدءا من العام 2015م، أخذ يعتمد بشكل أساسي على الدعم الإيراني، وحزب الله اللبناني، وعلى القوات الروسية، وهو ما أدى إلى ضعف قوات الجيش السوري، خاصة وأن نظام الأسد شكل مجموعات أمنية ضيقة حازت ثقته على حساب الجيش.

ومن ثم فإن الجيش السوري كمؤسسة قوية وفاعلة، تراجع بقوة منذ العام 2015، وأصبح القرار العسكري في أغلبه مرتهنا للخارج سواء في موسكو أو طهران، إضافة إلى ذلك أن الجيش السوري تعرض لانشقاقات مع الثورة وتسرب ضباطه وجنوده إلى صفوف الثورة، فبدا الجيش السوري وكأنه جيش طائفي علوي خاصة وأن القيادة الكبرى المؤثرة كانت علوية، فالضعف ضرب بجذوره في الجيش على مدار عشر سنوات، حتى جاءت لحظة المواجهة النهائية في ديسمبر 2024.

حالة الفراغ في مؤسسات الدولة: على مدار سنوات الثورة السورية الثلاثة عشر، كانت مؤسسات الدولة تكاد تختفي، ثم تأكد شبح الانهيار مع هروب بشار الأسد، والمعروف أن الدولة التي قام حافظ الأسد بوضع أسسها في مطلع السبعينيات من القرن الماضي كانت دولة أمنية بامتياز، وهي الدولة التي حافظ عليها بشار، عقب توليه السلطة عام 2000م، وأدى انهيار تلك الدولة الأسدية إلى فراغ مؤسسي كبير، هذا الفراغ يتيح للقيادة الجديدة في سوريا بناء الدولة على أسس مغايرة لدولة الأسد.

وهو ما تجلى في القرارات التي اتخذتها القيادة الجديدة أثناء ما سمي بـ"مؤتمر النصر" في 29/1/2025م الذي عقده القادة العسكريين الجدد، فقد قرار هذا المؤتمر حل دستور 2012، وحل مجلس الشعب ولجانه، وكذلك الجيش والأجهزة الأمنية وحل حزب البعث، واختيار أحمد الشرع رئيسا مؤقتا في الفترة الانتقالية.

وكان أهم ملمح ركز عليه "الشرع" في خطابه مسألة ملء الفراغ في السلطة بالوسائل القانونية الشرعية، وهو ما يعني أن الإسلاميين سيكونون حاضرين بأفكارهم وعناصرهم في عملية بناء الدولة ومؤسساتها، وأن الانتقال من الشرعية الثورية إلى شرعية الدولة يجري بحضور وقوة الإسلاميين، والأهم امتلاكهم القوة العسكرية لحماية هذا الانتقال دون خشية من تلاعب الدولة العميقة.

ومن الخطوات المعلنة في ذلك الخطاب لملء الفراغ، حل جميع الفصائل المسلحة ودمجها في الجيش الوطني الجديد وفق أسس وطنية ومهنية، وإعادة تشكيل المؤسسة الأمنية، والبدء في خطوات لتحقيق التعافي الاقتصادي وتشغيل دولاب الدولة بما يساهم في تخفيف معاناة الشعب.

*المحدد الخارجي:

السياق الخارجي والإقليمي يمنح الإسلام السياسي في سوريا فرصة لتثبيت أقدامه والانتقال من مرحلة الفوضى إلى مرحلة ملء الفراغ وبناء نظام سياسي قوي وفاعل، وهذا لا يرجع إلى إيمان القوى الكبرى والإقليمية بالمشروع السياسي للإسلاميين، ولكن لأن هذا التغيير الذي جرى في سوريا بقيادة الإسلاميين حقق تغيرات جيوسياسية ستؤثر على ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة بما يحقق بعضا من مصالح القوى الكبرى والإقليمية، فالقوى الكبرى حريصة أن تنجح تجربة الإسلام السياسي في سوريا في المرحلة الحالية، نظرا لأن نجاحها سينهي الوجود والدور الإيراني في سوريا وسيضعف حضور الإيرانيين  في لبنان، وسيؤثر سلبا على قوة حزب الله في لبنان، وهذه أهداف إستراتيجية للسياسة الأمريكية في المنطقة سعت لتحقيقها منذ امتداد النفوذ الإيراني بعد الثورة عام 1979م إلى لبنان وسوريا.

كذلك فإن الدور الروسي سيتقلص إلى أدنى حضور له في سوريا، ومن المتوقع أن يفكك الروس قواعدهم العسكرية في "حميميم" و"اللاذقية" و"طرسوس" و"القامشلي".

وبالنسبة للولايات المتحدة فإنها لم تكن ترغب في استمرار بشار الأسد في الحكم، ولا ترغب في حدوث فوضى في سوريا، وما دام الأسد قد رحل، فإن عدم وقوع سوريا في الفوضى يمكن تحقيقه من خلال عدم إعاقة الإسلاميين الجدد في سوريا، والتوجه الأمريكي -حتى الآن- هو إعطاء فرصة وربما دعم للنظام الجديد في سوريا، وحث حلفاء الولايات المتحدة على تقديم الدعم والمساندة والنصائح منعا للانزلاق في الفوضى، والإسلاميون في تلك اللحظة هم الأقدر على تجنب سيناريو الفوضى.

أما البعد الإقليمي خاصة الدور التركي والخليجي فإنهما سيشكلان عامل دعم للنظام السوري الجديد، فتركيا التي استقبلت قرابة الثلاثة ملايين لاجئ، لعدة سنوات شكلوا عبئا اقتصاديا واجتماعيا خاصة مع تصاعد دعوات معاداة الأجانب في تركيا، واستقرار سوريا سيسمح بعودة هؤلاء اللاجئين، كما أن تركيا قلقة من تواجد كردي قوي على حدودها خاصة أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تسيطر على قرابة ثلث سوريا، وتحظى بدعم أمريكي واضح.

المصالح العليا لتركيا تفرض عليها التحالف مع النظام الجديد في دمشق، وتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري، لأن فشل دمشق لا يعنى إلا الفوضى التي ستمتد حتما إلى تركيا، وستكون أنقرة مضطرة للتدخل بنفسها لضبط الأمور، وهو خيار ذو تكلفة عالية للغاية، أما دول الخليج فإن إزاحة إيران بعيدا عن دمشق يعني إضعاف النفوذ الإيراني وهو هدف سياسي لغالبية الدولة الخليجية.

الإسلام السياسي يعتبر بديلا جيدا وعمليا ومقبول دوليا وإقليميا، ويمتلك الإسلاميون قدرة على مواجهة سيناريو الفوضى والتطرف وإعادة تقديم أنفسهم وخياراتهم بطريقة مقبولة دوليا وإقليميا.
 


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة