03 فبراير 2025

|

ثم كذَّبوك يا محمد (1).. هل ينشق القمر؟!

الأديب مصطفى المكبر

03 فبراير 2025

33

غالت قريش في تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وإيذائه هو ومن اتبعه، ولم يتركوا من الإيذاء باباً إلَّا وَلَجُوه، ومن الاستهزاء سبيلاً إلا سَلَكُوه، وفي صبر وثبات تحمل صلى الله عليه وسلم وأتباعه خرق قريش في معركة الاضطهاد. 

ولما أعيا المشركين الإيذاءُ، راحوا يعرضون عليه صلى الله عليه وسلم صور الإغراء، فعرضوا عليه جمع المال له حتى يكون أغناهم، والسيادة عليهم حتى يكون أعلاهم، ورفض صلى الله عليه وسلم المساومة والإغراء، فسألوه أن يشاركهم عباده الأصنام ويشاركوه عباده الله، فأوحى الله إليه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (الكافرون)، فعادوا يسألونه أن يَكُفَّ عن إذلال كبريائهم ويرفع من القرآن كلمات الوعيد وتحقير الآلهة، فعاد الوحي: (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) (يونس: 15)

فلما أيسوا منه تمامًا اجتمعوا وتشاوروا في طَرْقِ بابٍ آخر وهو تعجيزه بطلب المعجزات منه، فأقبلوا عليه قائلين في تعنت وعناد: يا محمد، إن كنت صادقًا فَأَرِنا آية نطلبها منك، ثم حددوا الآية قائلين: وهي أن تشق لنا القمر فلقتين!

يَشُقُّ القمر وأنف حجمه راغم؟! إن قُطْرَهُ يُقارب ربع قطر الأرض تقريبًا أو يزيد عليه قليلًا.

يَشُقُّ القمر وأنف المسافة بينه وبين الأرض راغم؟! إنه يبتعد عن الأرض بحوالي 384 ألف كم، والمسافة بينهما ثابتة، فهو لا يقترب ولا يبتعد بسبب قوة الجاذبية الأرضية.

وكان صلى الله عليه وسلم يعي أنه إذا كان الفعل يتناسب مع قدرة الفاعل فإن الفاعل هو الله، ولاذ بقدرته، فتعالوا إلى جولة رائعة من جولات الصراع بين الحق والباطل.

الزمان: قبل الهجرة الشريفة، وفي ليلة مقمرة من ليالي نصف الشهر، وقد باتت الدنيا لا تلقي بالًا للقمر (هذه الكتلة الصخرية الهائلة التي تدور حول الأرض على هيئة جُرْم سماوي، وأسفر البحث والتحليل الحديث لعيِّنات من فوق سطحه أنه من نفس جنس تربة الأرض فقد كانا كتلة واحدة وانفصل عنها منذ زمن بعيد، وهذا الانفصال جعل للأرض ابنًا وحيدًا يُضيء ليلها)، أجل باتت الدنيا لا تلقي بالًا للقمر، بعدما نما واستدار وبدا في الأفق بدرًا منيرًا، والسبب الحقيقي وراء اختلاف شكل القمر أنه عندما يكون -أثناء دورانه- بين الشمس والأرض، فإن الجانب المواجه للشمس يُضيء، ويُظلم الجانب المواجه للأرض ليوم أو يومين، ويُسمَّى القمر في حالة الظلام هذه المحاق، ويدور القمر وتشرق الشمس على جزء صغير من جانبه المواجه للأرض فيضيء فيبدو لنا هلالًا. 

وعندما يتم القمر ربع دورته حول الأرض تُضيء الشمس نصف وجهه، وبعد يومين أو ثلاثة يُضيء ثلاثة أرباع وجهه، وعندما تكون الشمس والقمر متضادين فإنها تُضيء وجهه كله، ويبدو لنا بدرًا. 

وتستغرق دورة القمر من المحاق للبدر نصف شهر، فهو ليس مضيئًا من تلقاء نفسه، ولكنه يستمد ضوءه من نور الشمس ويعكسه؛ (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً) (الفرقان: 61)، ومن المستغرب أن رواد الفضاء شاهدوا الأرض من فوق سطح القمر على شكل قمر كبير، وذلك لأن الأرض هي الأخرى تعكس أشعة الشمس فتبدو لغيرها من الكواكب والنجوم مضيئة كالقمر. 

المكان: وفي فيض من سنا القمر بدت مِني بجوار مكة (العاصمة الدينية لوثنية العرب وقتذاك)، وبدا الجبل المبارك حراء ساكنًا في خشوع في أحضان ضوء القمر.

الشهود: ووقف غُمَار من الناس يجمعهم ترقب وانتظار، وخوف وإنصات، وقد اشرأبت منهم الأعناق إلى أعالي الآفاق وتعلقت أبصارهم بالقمر، ووقف محمد صلى الله عليه وسلم وبجواره قِلَّة صدَّقوا أمره واستيقنوا منه، بين كثرة كذبوه وعقدوا عزمهم على تكذيبه، حتى ولو سقط فوق رؤوسهم القمر، ومن المليك المقتدر صدر أمر للقمر، فأزعن القمر راضيًا، وجعل ينشق هامساً: لبيك يا ربي.

رويدًا رويدًا ينشق، وشيئًا فشيئًا يبتعد شطراه، حتى قال عبدالله بن مسعود: لقد رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق.

ومن الخطأ الشديد أن نطلب من العلم أن يثبت قضية حدثت في الماضي، ولكن يقول موقع وكالة الفضاء الأمريكية: إن كسرًا مركزيًا مؤكدًا يظهر في بعض الأماكن من سطح القمر طوله أكثر من 300كم، وعرضه أكثر من 125م، وهذا الشق لعله من بقايا الحدث الكبير الذي وقع كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الأصل في المعجزات أنها لا تُعَلل فهي خارقة للقانون خارقة للسُّنَّة الكونيَّة، ولكن إذا بقي أثر هكذا -في سطح القمر- لا بد أن نشير إليه.

ويُذْكر أن أرشيف وكالة ناسا كان قد نشر صورة التقطتها مهمة أبولو عام 1969م، يظهر فيها أحد الشقوق أو الأخاديد القمرية، وعلقت وكالة ناسا على هذه الصورة بأن هذا الأخدود هو جزء من شق طوله 300كم، بينما لم تُقدم الوكالة تفسيرًا علميًا واضحًا لظهور هذا الشق الذي وصفته بأنه مثير للجدل على سطح القمر الذي تعلوه السهول الرمادية، والعديد من الجبال التي يبلغ ارتفاع بعضها 8 كم؛ أي في مستوى ارتفاع أعلى الجبال على سطح الأرض. 

وسُجِّلَ الحَدَثُ في الكتاب الخالد (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) (القمر: 1)، انشق القمر فهيا انظروا يا من تأبون على محمد حقه في تبليغ رسالة ربه، وبينما كان صلى الله عليه وسلم يرفع يده نحو القمر وقد ابتدرهم قائلًا بقلب ولسان ثابتين: «اشهدوا..»، كان بصر المؤمنين ثابتًا على شطري القمر، ينشدون منهما راحة وثباتًا، وقد اغرورقت عيونهم بعبراتها لكأنها تغتسل لتحدَّ بصرها وتتمتع بصورة القمر. 

وبدا بصر الفريق الآخر حيران، يسقط على الأرض بطريقة سريعة وبأسرع منها يصعد للقمر، يود التكذيب فيعجز، يطلب مهربًا وفرارًا فيعجز، وتحت وطأة المعجزة وهزَّتها الشديدة استرابوا في حال اليقظة التي هم عليها، وتخيلوا أن ما يبصرونه ليس إلا أضغاث أحلام، فهل ينشق القمر؟! أجل إنها حقيقة وقعت، وكان من وقعها أن توقظهم من سباتهم المستديم، وتكفَّهم عن البغي والعناد.

هل ينشق القمر؟! ضعوا إرادة الله في الفعل أيها الحمقى الأغبياء، ولكن كيف يضعونها؟ إنهم لو وضعوا إرادة الله في الفعل؛ لوضعوا دعوة محمد في الصدق.. ثم كذَّبوك يا محمد، فَعَدَلُوا عن الحق، وَلجُّوا في الضلال، وأسعفتهم الحيلة فانطلقوا يصخبون ليغيب أثر المعجزة، ويغيب معها صداها: سحرنا محمد، سحر القمر حتى انشق!

لتفرض كلمتهم على النتيجة أخذ وجهة غير التي كانت متوقعة لها، وشاء الله أن يثبت الأمر، فمن المستغرب أن يفطنوا لأمر رشيد كيما يستوثقوا من حدث الانشقاق حدث أم لم يحدث؟ فقالوا: انظروا ما يأتيكم به السُّفار، فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، وصدقوا فلئن كان السحر هو تخيُّل الأمر على غير حقيقته، فإن عمل الساحر هو تخييل البصر وخداعه بحيث يرى المسحور الأمور على غير حقيقتها، ولكن الساحر لا يستطيع أن يسحر الناس جميعًا لا سيما لو اختلف المكان، وطرأ عليهم المسافرون من كل جهة، فأسرعوا إليهم لكأنهم يستجدون منهم التكذيب والإنكار. 

وجعل المسافرون يؤكدن لهم أن الأمر وقع، وفي تلكم الليلة رأوا القمر شطرين، قال عبدالله بن مسعود: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين، فقال كفار قريش أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا السُّفار، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهذا سحر سحركم به، قال: فَسُئِل السُّفار، وقدموا من كل جهة، فقالوا: رأينا.

وكما لطم مشهد المعجزة أبصارهم لطم جواب المسافرين أسماعهم، فقال أبو جهل: هذا سحر فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا أَرَأوا ذلك أم لا؟ فأَخْبَر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقًا، فقالوا: هذا سحر مستمر، ثم كذَّبوك يا محمد؛ (وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) (يونس: 101).


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة