أوجه انتفاع المسلمين بالنبي ﷺ في الآخرة
تميز المؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم وجدوا حرصه عليهم، وسعيه لبيان ما يصلحهم وكشف ما يضرهم، فأصلح فطرتهم وهذّب أخلاقهم وسما بأرواحهم، وواعدهم باللقاء بين يدي الله تعالى يوم القيامة ليجدوا في لقائه منافع متعددة، منها:
أولاً: الشفاعة:
أعطى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم الحق في الشفاعة يوم القيامة لمن عصى من أمته ووجبت لهم النار، فالناس يوم القيامة مع طوله وشدة بأسه ووقوفهم في جو حار، يبحثون عمن يشفع لهم عند ربهم، فيأتون سيدنا آدم فيأمرهم بالذهاب إلى سيدنا نوح ويأمرهم سيدنا نوح بالذهاب إلى سيدنا إبراهيم ويأمرهم سيدنا إبراهيم بالذهاب إلى سيدنا موسى ويأمرهم سيدنا موسى بالذهاب إلى سيدنا عيسى فيأمرهم سيدنا عيسى بالذهاب إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فيأتوني، فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يُسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأُثني على ربي بثناء وتحميد يُعلمُنيه، فيحد لي حداً، فأخرج فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حداً، فأخرج فأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت له ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يُسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حداً، فأخرج فأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن(1)؛ أي: وجب عليه الخلود.
ثانياً: نيل دعوة النبي يوم القيامة:
من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته أنه ادّخر دعوة مستجابة لها يوم القيامة، وهذه الدعوة اختص بها من شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن لم يشرك بالله شيئاً،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُعطيتُ اللَّيلةَ خَمسًا، ما أُعطيَهُنَّ أحَدٌ قَبْلي، أمَّا أنا فأُرسِلتُ إلى الناسِ كُلِّهم عامَّةً، وكان مَن قَبْلي إنَّما يُرسَلُ إلى قَومِه، ونُصِرتُ على العَدُوِّ بالرُّعبِ، ولو كان بَيني وبَينَهم مَسيرةُ شَهرٍ لَمُلئَ منه رُعبًا، وأُحِلَّتْ لي الغَنائِمُ كُلُّها، وكان مَن قَبْلي يُعظِّمونَ أكْلَها، كانوا يُحرِقونَها، وجُعِلتْ لي الأرضُ مَسجِدًا وطَهورًا، أينما أدْرَكتْني الصَّلاةُ تمَسَّحتُ وصلَّيتُ، وكان مَن قَبْلي يُعظِّمونَ ذلك، إنَّما كانوا يُصلُّونَ في كَنائِسِهم وبِيَعِهم، والخامِسةُ هي ما هي، قيل لي: سَلْ؛ فإنَّ كُلَّ نَبيٍّ قد سألَ، فأخَّرتُ مَسألَتي إلى يَومِ القيامةِ، فهي لكم ولِمَن شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ»(2).
وقال أيضاً: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة، فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة، فهي نائلة، إن شاء الله، من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئاً»(3).
كما أن ادخار هذه الدعوة ليوم القيامة، من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه أنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره أنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين(4)، وهذه الدعوة لن تكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولن يجعلها إلا للمؤمنين بالله ورسوله.
ثالثاً: تميز المؤمنين:
تميز المؤمنين يوم القيامة بعدة أمور، منها:
أ- الوضوء؛ فإتقان الوضوء في الدنيا يُظهر معالم التميز يوم القيامة، فقد روى مسلم عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: «السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنّا قد رأينا إخواننا»، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي، وإخواننا الّذين لم يأتوا بعد»، فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمّتك يا رسول الله؟ فقال: «أرأيت لو أنّ رجلاً له خيل غرّ محجّلة -بياض في الوجه واليدين- بين ظهري خيل دهم بهم -سوداء لا بياض فيها- ألا يعرف خيله؟»، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «فإنّهم يأتون غرّا محجّلين من الوضوء».
ب- رؤية الله تعالى يوم القيامة؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة، أنّ ناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟»، قالوا: لا، يا رسول الله، قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟»، قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشّمس الشّمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى، في صورة غير صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيتّبعونه».
جـ- شهادة المؤمنين على الأمم السابقة؛ فقد روى ابن ماجه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء النّبيّ ومعه الرّجلان، ويجيء النّبيّ ومعه الثّلاثة، وأكثر من ذلك وأقلّ، فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، فيقال: من شهد لك؟ فيقول: محمّد وأمّته، فتدعى أمّة محمّد فيقال: هل بلّغ هذا؟ فيقولون: نعم، فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا بذلك أنّ الرّسل قد بلّغوا، فصدّقناه، قال: فذلكم قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة: 143)».
رابعاً: دخول الجنة:
خَصّ الله تعالى المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن يكونوا أكثر أهل الجنة تكريماً له والمؤمنين به، فقد روى مسلم عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟»، قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟»، قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة، وسأخبركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض».
وروى الترمذي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنّة عشرون ومائة صفّ، ثمانون منها من هذه الأمّة، وأربعون من سائر الأمم»، فالمؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم المتبعون لتعاليمه سيدخلون الجنة يوم القيامة، وإن دخل البعض النار فهو لتقصيره في طاعة الله ورسوله، ويخرج من النار ويدخل الجنة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يبقى في النار أحد آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
___________________________
(1) رواه البخاري (7002).
(2) رواه أحمد (7068).
(3) رواه مسلم (199)
(4) فتح الباري، ابن حجر العسقلاني (11/ 97).