10 جوائز لسباق الطاعة في رمضان

قال ابن الجوزي:
مَرَّ الْحسن الْبَصْرِيّ بِقوم يَضْحَكُونَ فَوقف عَلَيْهِم وَقَالَ: إِن الله
تَعَالَى قد جعل شهر رَمَضَان مضماراً لخلقه يَسْتَبقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ
فَسبق أَقوام ففازوا وتخلَّف أَقوام فخابوا، فالعجب للضاحك اللاعب فِي الْيَوْم
الَّذِي فَازَ فِيهِ المسارعون، وخاب فِيهِ الباطلون(1)،
في اغتنام هذا
الشهر الكريم تحقيق للفوز بالعديد من الجوائز والحسنات، التي وعد الله بها عباده
على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الجوائز ما يأتي:
1- عظم
الجزاء:
روى البخاري،
ومسلم، في صحيحيهما، عن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا
الصِّيَامَ، هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، فلم يحدد ربنا سبحانه وتعالى ثواباً
للصيام؛ لأن ثوابه أعظم من أن يحدد؛ لذا جعل الله تعالى ثواب الصيام بيده وحده.
2- أعظم
من أجر الشهيد:
أخرج الإمام
أحمد، وابن ماجه، بسند صححه الألباني عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ
رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ
اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ
مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ
فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا،
فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ
مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ،
فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ
يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ!
فَبَلَغَ ذَلِكَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ،
فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ
هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟»، قَالُوا:
بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ
سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
3- أنفاس
الصائمين أطيب عند الله من ريح المسك:
حين تخلو المعدة
من الطعام والشراب تتغير رائحة الفم، ويأنف الناس من شمها، لكراهتها في الواقع
الإنساني، لكن الله تعالى يرفع من شأن عبده الصائم، ويعطيه هدية تعبر عن رفعة
مقامه وعلو منزلته، وكأن ما يكرهه الناس من الأثر الجانبي لهذه العبادة هو عند
الله تعالى عظيم، لعظم الطاعة التي يقوم بها، فقد روى البخاري، ومسلم، في صحيحيهما،
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ
اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
4- مضاعفة
الأجور:
يستطيع المسلم
في رمضان أن يكتسب من الأجر والثواب أضعاف ما يمكن له تحصيله في غير رمضان، ففي
رمضان يقوم بإفطار الصائمين، فيأخذ مثل أجورهم، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد
في مسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ، أَوْ كُتِبَ لَهُ،
مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ
شَيْئًا»، وفي الحديث الذي رواه الطبراني، وابن خزيمة، بسند فيه ضعف، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ
كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، كَانَ
كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ».
5- بركة
العمر وزيادة الأجر:
في رمضان تأتي
ليلة القدر، وبحسن قيامها يكتسب المسلم أعماراً فوق عمره في طاعة الله تعالى، حيث
قال شبحانه: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ
شَهْرٍ) (القدر: 3)، وفي مسند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا
حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ
جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ،
تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ،
وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ،
مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ».
6-
استجابة الدعاء كل يوم:
جعل الله تعالى
للصائم دعوة عند فطره لا ترد، ففي سنن ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو، أن رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ
لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ»، كما روى أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ..
الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ».
7- وقاية
من الشهوات ومن النار:
وهب الله تعالى
عباده الوقاية من الشهوات والوقاية من النار بالصيام، حيث جعل الصيام جُنَّة، ففي
صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَالصَّوْمُ جُنَّة»؛
يعني وقاية من النار، أما وقايته من الشهوات، فروى البخاري، ومسلم، عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ
الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ
لَهُ وِجَاءٌ»؛ يعني وقاية من الشهوات.
8- مغفرة
الذنوب:
وعد الله تعالى
من صام إيماناً واحتساباً بمغفرة الذنوب، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
9- العتق
من النار:
روى ابن ماجه،
والترمذي، بسند صححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ،
صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ،
فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ
مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ
الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ
لَيْلَةٍ».
10- ضمان
الشفاعة ودخول الجنة:
أكد النبي صلى
الله عليه وسلم أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة، ففي مسند أحمد عَنْ عَبْدِاللهِ
بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ
الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ،
فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ،
فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»، كما جعل الله تعالى في الجنة باباً
للصائمين، ففي صحيح مسلم، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ
يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ
غَيْرُهُمْ يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ
آخِرُهُمْ أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».
_______________
(1) بستان
الواعظين: ابن الجوزي، ص: 233.