5 أوجه للعلاقة بين السياسة الشرعية والنظم الإسلامية
تطلق السياسة الشرعية على التصرفات المتعلقة بإصلاح حال بالراعي والرعية، فيما لم يرد فيه نص شرعي، وفق قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها، بينما تطلق النظم الإسلامية على القواعد والأحكام التي شرعها الإسلام لتنظيم بعض جوانب الحياة.
من خلال هذه التعريفات المستنبطة من تعريفات العلماء في مجال السياسة الشرعية والنظم الإسلامية، يتبين أن العلاقة بين السياسة الشرعية والنظم الإسلامية علاقة تكامل وترابط وتعاون، وأن بينهما عموماً وخصوصاً؛ حيث إن السياسة الشرعية تُعتبر الإطار العام الذي يوجّه النظم الإسلامية في مختلف مجالات الحياة وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية، بمعنى أن النظم الإسلامية تعد جزءاً من السياسة الشرعية المرتكزة على قواعد الشريعة الإسلامية.
ويمكن أن نقول: إن السياسة الشرعية هي الإطار النظري والمرجع القيمي للنظم الإسلامية، بينما النظم الإسلامية تُعتبر الجانب التنفيذي لهذه المبادئ في مختلف مجالات الحياة، وكلاهما يسعى لتحقيق العدل والمصلحة العامة وفقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية، وتظهر العلاقة بينهما من خلال النقاط الآتية.
أولاً: السياسة الشرعية قواعد مرجعية للنظم الإسلامية:
إن السياسة الشرعية هي الأساس الذي تستند إليه النظم الإسلامية، فهي تضع المبادئ العامة التي تُوجّه تنظيم أمور الدولة والمجتمع بما يحقق مقاصد الشريعة، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
ومن الأمثلة التي تدل على ذلك أن النظام الاقتصادي الإسلامي يهدف إلى كسب المال والتمتع به وإنفاقه بما يحقق المصلحة للفرد والأمة، هذا النظام الاقتصادي يستند إلى قواعد السياسة الشرعية في حفظ المال، من خلال الكسب الحلال، وعدم الإسراف في الإنفاق وغير ذلك، وكذلك النظام القضائي، يُبنى على قواعد السياسة الشرعية التي تهدف إلى إقامة العدل وردع الظلم.
ثانياً: النظم الإسلامية تطبيق عملي للسياسة الشرعية:
تمثّل النظم الإسلامية التطبيق العملي للسياسة الشرعية في مجالات متعددة، منها: النظام السياسي، فهو تطبيق لمبادئ الشورى، والطاعة، والعدل، والمساواة في الحكم، فإذا نظرنا إلى الشورى كمثال على ذلك، نجد أن السياسة الشرعية تؤسس لمبدأ الشورى وتقنن له، حيث قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران: 159)، وقوله عز وجل: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38).
وهنا يأتي النظام السياسي مبيناً قواعد الشورى وطريقة تنفيذها في الواقع الذي يعيش فيه الناس، فإما أن تكون مشورة عامة، أو من خلال مجالس نيابية أو تجمعات على شبكة الإنترنت، أو غيرها من الآليات التي يعتمدها النظام السياسي تحقيقاً لمبدأ الشورى، وكذلك النظام الاجتماعي، فهو تطبيق لسياسة تعزيز القيم الأسرية، والتضامن الاجتماعي، وحماية حقوق الأفراد والأمة، والنظام الاقتصادي يعد تطبيقا عمليا للكفالة والرعاية وإقامة مشروعات النفع العام.
ثالثاً: السياسة الشرعية والنظم الإسلامية تحققان المقاصد الشرعية:
تُرسي السياسة الشرعية القواعد الكلية التي تهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة، بينما تعمل النظم الإسلامية على تفعيل تلك القواعد ضمن المجالات المختلفة، ومن الأمثلة على ذلك ما يقوم به النظام التعليمي من حفظ العقل وتنميته وحمايته من خلال نظم الوقاية المتنوعة، فحفظ العقل مقصد شرعي، ويقوم النظام التعليمي بتعزيز جوانب البناء والحماية للعقل السليم، وكذلك تحقيق الأمن، فهو مقصد شرعي، تسعى السياسة الشرعية إلى تحقيقه من خلال سن القوانين المحققة له والرادعة لمن يخترقه، وكذلك يسعى النظام السياسي إلى تحقيق الأمن، من خلال تكوين الوحدات النظامية والإجراءات الواقعية التي توفر الأمن وتحمي الإنسان.
رابعاً: السياسة الشرعية والنظم الإسلامية تنظمان العلاقة بين الراعي والرعية:
تقوم السياسة الشرعية بتحديد الإطار العام للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، من حيث الواجبات عليهما والحقوق التي لهما، وكذلك تقوم النظم الإسلامية بضبط هذه العلاقة، حيث تُفصّل ذلك الإطار الذي وضعته السياسة الشرعية، من خلال قوانين وإجراءات تحقق الأمن والأمان والعدل والاستقرار.
ومن الأمثلة التي تدل على ذلك ما أقرته القواعد الشرعية من الرحمة والمودة بين الناس، هذه القواعد الشرعية تقوم السياسة الشرعية بوضع القوانين التي تحفظ حقوق الناس وتدعم التواصل الجيد بين أبناء الوطن الواحد، وفي الوقت نفسه تقوم النظم الإسلامية برصد الآداب اللازمة والخطوات المنظمة للرعاية بين الناس، وعدم التجاوز في حقوق الآخرين أو الاعتداء عليهم، فكأن السياسة الشرعية تقوم بدور التقنين والحماية لمبادئ الشريعة الإسلامية، بينما تقوم النظم الإسلامية بدور التوجيه والرعاية للمقاصد الشرعية.
خامساً: التكامل بين السياسة الشرعية والنظم الإسلامية في العمل على مراعاة الواقع والارتقاء بالمجتمع:
تحرص السياسة الشرعية والنظم الإسلامية على رصد الواقع رصداً جيداً كاشفاً عن جميع جوانبه، حيث ينطلقان من هذه المعرفة إلى التخطيط والتنظيم لجوانب التعامل مع هذا الواقع، ورصد سبل النهوض والارتقاء به، وذلك في جميع المتغيرات التي يشملها، سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم تعليمية، ويضاف إلى ذلك أن السياسة الشرعية تتسم بالمرونة، مما يُتيح للنظم الإسلامية أن تتكيف مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضمن حدود الشريعة، ويضمن هذا التكامل تطبيق النظم الإسلامية بأسلوب يتناسب مع العصر مع الحفاظ على الأصول الشرعية.