6 أدلة على ارتباط العبادات بالأخلاق

 

تسهم العبادات الإسلامية في تهذيب الأخلاق، فقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدد من المواضع، كما بيَّنت السُّنة هذا الارتباط بين العبادة والأخلاق أكثر من مرة، وذلك حرصاً على إبراز الصورة السليمة للإنسان الذي صاغه الإسلام، فلا يوجد انفصام في شخصيته، بحيث يكون في محراب العبادة متبتلاً، وفي ميادين العمل والمعاملات فاسقاً أو فاجراً.. فالمسلم في محراب عبادة لله تعالى، سواء كان ذلك في المسجد، أم البيت، أم الشارع، أم السوق. 

وفيما يأتي بيان أوجه الارتباط بين العبادة والأخلاق.

1- الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر:

الصلاة هي العبادة الكبرى والأولى في الإسلام، وقد أوضح الله تعالى أن لها أثراً مهماً في ضبط الأخلاق، حيث إنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ ‌تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت: 45)

وروى أحمد عن قتادة والحسن، قالا: من ‌لم ‌تنهه ‌صلاته عن الفحشاء والمنكر فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بُعدًا، وفي حلية الأولياء قال الأوزاعي: سمعت بلالاً بن سعد يقول: إن أحدكم إذا ‌لم ‌تنهه ‌صلاته عن ظلمه لم تزده صلاته عند الله إلا مقتاً، فالصلاة تهذب طباع فاعلها، وتحمله على الاستقامة، فإذا لم يكن لها ثمرة في أخلاق من يؤديها، فإن ذلك يدل على نقص في عبادته.

2- الزكاة تطهر النفس وتزكيها:

تؤدي الزكاة دوراً مهماً في تزكية نفس فاعلها، بل وآخذها أيضاً، حيث قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ‌صَدَقَةً ‌تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: 103)، فالزكاة تضبط أخلاق من يؤديها ومن يأخذها، أما المعطي فهي تطهر نفسه من البخل والشح، وتغرس في نفسه قيمة العطاء والبذل والجهاد بالمال، وأما أثر الزكاة في ضبط أخلاق من يأخذها فتظهر في غرس قيم المحبة والشكر، وتطهير النفس من الغل والحقد والحسد، كما أنها تكون كافية لسد حاجة المحتاج، وبالتالي تمنعه من السرقة والغصب والاحتيال لكسب المال.

3- الصيام يهدف إلى تحقيق التقوى:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، فالصيام الصحيح يثمر في نفس فاعله تقوى الله تعالى، والتقوى في غالب التصورات تعني أن يستقيم المسلم على صراط الله، فيفعل ما أمر الله وينتهي عما نهى الله تعالى.

وأكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام يقي صاحبه من سوء الأخلاق، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ».

4- الحج يمنع من الرفث والفسوق والجدال:

قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا ‌رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة: 197).

وفي صحيح مسلم عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»؛ والرَّفَثُ اسمٌ للفُحشِ مِن القولِ، ولَم يَفسُقْ، أي: ولَم يَرتكِبْ إثمًا أو مُخالَفةً شَرعيَّةً -صَغيرةً أو كَبيرةً- تُخرِجُه عَن طاعةِ اللهِ تعالَى.

5- المفلس هو الذي لا تؤثر عبادته في ضبط أخلاقه: 

روى مسلم في صحيحه عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا ‌الْمُفْلِسُ؟»، قَالُوا: ‌الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: «إِنَّ ‌الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»، في الحديث تأكيد أن الصلاة والصيام والزكاة إذا لم تؤثر في أخلاق صاحبها؛ فإن صاحبها يأتي يوم القيامة مفلساً، وذلك من كثرة ما يأتيه من الأخلاق السيئة، التي تضيع حسنات عباداته، ثم يُلْقَى بعد ذلك في النار.

وروى أحمد في «مسنده»، والحاكم في «المستدرك» بسند صحيح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فُلَانَةَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا فَقَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهَا ‌هِيَ ‌فِي ‌النَّارِ»، قِيلَ: فَإِنَّ فُلَانَةَ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَتَصَدَّقُ بِأَثْوَارٍ مِنْ أَقِطٍ وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا بِلِسَانِهَا قَالَ: «هِيَ فِي الْجَنَّةِ».

6- الدمج بين العبادات والأخلاق في صفات المؤمنين:

حين ذكر الله تعالى صفات المؤمنين المفلحين جاء بالعديد من صفاتهم، وهي مقسمة إلى عبادات وأخلاق، في صورة متداخلة، بحيث تأتي العبادة ثم يأتي بعدها خلق ثم عبادة ثم خلق، وهكذا، ويظهر هذا في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون).

 

 

 


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة