"يهود سورية".. لماذا يعودون لدمشق الآن؟ كم عددهم؟ وهل ينقرضون؟

لا يختلف وضع "يهود سورية" المقيمين هناك كثيرًا عن وضع "يهود مصر" داخلها، ففي البلدين لا يتعدى عدد أفراد الجالية المتبقين سوي 7 أفراد أغلبهم من المسنين والنساء، لذا يحاول يهود الخارج أن يزوروا مصر وسورية لضمان استمرار الحفاظ على معابدهم وآثارهم.
ويوم 20
فبراير 2025م، استغل يهود سوريون يحملون الجنسية الأمريكية والأوروبية، نهج
التسامح واحتضان كافة الأعراق والأديان والقوميات، بسبب تركيبة سورية المعقدة،
وزاروا دمشق للتعرف على الواقع الجديد وزيارة معابدهم.
كان أبرز
هؤلاء الحاخام "يوسف الحمرا" الذي عاد إلى دمشق بعد أكثر من ثلاثة عقود
على مغادرتها، وقام بزيارة أبرز المواقع اليهودية التاريخية في العاصمة السورية.
وتزامنت
زيارة "الحمرا" مع وصول وفد من اليهود السوريين المقيمين في الولايات
المتحدة، وذلك للمرة الأولى منذ مغادرتهم لها عام 1992م بدعوى تزايد العداء ضدهم.
وضم الوفد
شخصيات بارزة من الجالية السورية في أمريكا، بينهم الحاخام آشر لوباتين، إلى جانب
عدد من السوريين اليهود.
استغل الوفد
اليهودي الزيارة في تفقد مواقع ذات أهمية تاريخية وثقافية لليهود، مثل مقابر
اليهود السوريين، ومعبد جوبر التاريخي الذي دمره نظام بشار الأسد خلال سنوات الحرب،
إضافة إلى الحي اليهودي في دمشق، وقبر الحاخام حاييم فيتال.
وكان النظام
السابق يمنع اليهود المتبقين في سورية من زيارة معبد (كنيس) جوبر، قبل أن يتمكن
رئيس الجالية اليهودية السورية، بخور شمنتوب، من زيارته بعد سقوط النظام، وفق
تقارير صحفية سورية.
وقد أقامت
الطائفة اليهودية الصغيرة في سورية "أول صلاة جماعية" لها منذ عقود، في
كنيس "فرنج" اليهودي بمدينة دمشق القديمة، مع عودة يهود من أمريكا،
وأعربوا عن فرحتهم بعودة آخرين كي يتمكنوا من الصلاة الجماعية (أكثر من 7 أفراد).
وقال الحاخام
السوري الأمريكي يوسف حمرا لوكالة الأنباء الفرنسية إنه كان الحاخام الأخير الذي
غادر سورية، وكان واحدًا من آلاف الأعضاء من الجالية اليهودية الذين غادروا سورية
في تسعينيات القرن العشرين.
كم
عددهم؟
مثل غالبية
يهود الدول العربية، تضاءل عدد يهود سورية في العقود الماضية من بضعة آلاف إلى
سبعة أشخاص فقط داخل سورية.
أحد هؤلاء
السبعة المتبقين هو "بخور شمنطوب"، وهو رئيس الطائفة اليهودية في سورية،
قال لوكالة الأنباء الفرنسية من بيته المبني على الطراز الدمشقي القديم في حارة
اليهود في دمشق: "كنا تسعة يهود، توفي منا اثنان في الآونة الأخيرة وبقي سبعة
فقط حاليًا".
قال:
"أنا أصغرهم، والباقون مسنّون يجلسون في بيوتهم"، وكشف أن السيدة اليهودية التي توفيت مؤخرًا
كان عمرها 90 عامًا، كانت تعتني بها سيدة فلسطينية مسلمة.
وتمني "
بخور شمنطوب" في تصريحات لوسائل إعلام غربية، عودة يهود من الخارج ليكونوا معي
في حارة اليهود"، وأن "يعود اليهود إلى حارتهم وشعبهم"، لكنه اعترف أن "الإغراءات في الدول
الغربية تجعل الكثير من اليهود لا يعودون"، ولا يتوقع أن يتجاوب كثيرون مع
دعوته إياهم الى العودة.
قال:
"ربما يأتون للزيارات والتجارة"، ولكن ليس للإقامة الدائمة، وحذر:
"في حال لم يعودوا ويتزوجوا وينجبوا هنا، سننتهي قريبًا".
وفي عام 2021م،
كان هناك 17 يهودياً يعيشون في سورية، حسبما ذكر "اتحاد الحاخامات في الدول
الإسلامية"، وهي منظمة يهودية غير حكومية، وصحيفة "يديعوت أحرونوت"
عن رئيس الاتحاد الحاخام مندي حيتريك، لكن عددهم تقلص مع وفاة بعضهم ليصل حاليا إلى
7 فقط.
ووفقا لمنظمة
"العدالة لليهود في الدول العربية" (JJAC) كان يعيش في سورية حوالي 30 ألف يهودي في
القرن الماضي، وهناك أدلة أثرية على وجودهم في مدن مثل دمشق وحلب.
ثم انخفض عدد
اليهود بين الأعوام 1943 و1958م، من 29770 إلى أقل من 5400 يهودي، وفي عام 1991م،
لم يبق في سورية سوى 100 يهودي.
وقد أعرب
اليهود الذين جاؤوا من الولايات المتحدة، للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود،
وأدوا صلاة جماعية في "كنيس الإفرنج" عن "فرحة لا توصف" بلقاء
طال انتظاره، بعدما بات سفرهم إلى سورية متاحًا مع انتهاء الحرب التي اندلعت عام
2011م، ووصول سلطة جديدة إلى دمشق.
وأكد أن
مؤسسات دفن الموتى الإسلامية تقوم بغسل الموتى اليهود، قبل أن يدفنوا في مدافن
خاصة بهم.
وانحسرت
زيارات اليهود السوريين بشكل كبير مع اندلاع الحرب بين الأسد وثوار سورية في عام
2011م، وأقفلت كل الكُنُس أبوابها، فيما تعرض كنيس النبي إيليا في حي جوبر الدمشقي
للنهب والدمار بعدما كان يشكل محجًا لليهود من أنحاء العالم.
وقد تمتع
اليهود الذين يعود وجودهم في سورية إلى قرون قبل الميلاد، بحرية ممارسة شعائرهم
الدينية خلال حكم عائلة الأسد، وجمعتهم علاقات ودية مع جيرانهم السوريين.
لكن نظام
الأسد الأب قيد حركتهم داخل البلد ومنعهم من السفر حتى عام 1992م، لينخفض بعدها
عددهم من نحو خمسة آلاف إلى بضعة أفراد يتولى شمنطوب رعاية شؤونهم، من دون أن
يتعرضوا "لأي مضايقات" خلال حكم بشار الأسد.
أسباب
العودة والزيارات
من الواضح أن
عودة يهود سورية وزيارة آخرين من الغرب لدمشق جاءت لاستكشاف سياسات الحكومة
السورية الجديدة تجاه الأقليات عمومًا واليهود خصوصًا في ظل الحروب والعداء
التاريخي بين سورية ودولة الاحتلال اليهودية (إسرائيل).
كما أن زيارة
الوفد تستهدف، كما فعل يهود مصر وأجانب، استكشاف ما جرى لمعابدهم ومقابرهم وآثارهم
القديمة ومحاولة المطالبة بتجديدها وحمايتها وترميمها للحفاظ على وجودهم هناك رغم
عدم وجود يهود سوريون إلا عدد يقدر بأصابع اليد.
وقد أكد "شمنطوب"
رئيس الطائفة اليهودية أنه يأمل أن يتمكن من إقامة جسر تواصل بين من بقي من اليهود
في سورية وآلاف اليهود المقيمين في الخارج لإحياء الإرث اليهودي السوري وترميم
المعابد والممتلكات المنتشرة في مناطق عدة في البلاد.
ويوجد في سورية
نحو 20 معبداً يهودياً ويأمل اليهود أن تبدأ أعمال ترميمها بحجة عودة يهود سوريين
يحملون جنسيات دول أخري، رغم قناعتهم أن هذا لن يحدث لأن اليهود المقيمين في الغرب
يعيشون في ظروف أفضل ولن يغامروا بالعودة لسورية للبقاء فيها وإنما يحضرون للزيارات
والتجارة.
ومنذ توليها
السلطة، أرسلت الإدارة السورية الجديدة عدة إشارات لانفتاحها على كل الأقليات بما
فيهم اليهود السوريين، في خطوة ربطها البعض بمحاولات تهدئة المخاوف "الإسرائيلية"
من سياسات النظام الجديد، وقال آخرون أنها سياسة عامة لا علاقة لها بدولة الاحتلال
تستهدف الحفاظ على وحدة سورية بكل مكوناتها لمنع الحروب والصراعات الداخلية
الأهلية.
واستفاد يهود
سورية من انهيار نظام الأسد وبدء حكم جديد لحكومة الإنقاذ السورية، وبدأوا في التواصل
مجددا لإعادة إحياء إرثهم الديني في البلاد العائد إلى قرون قبل الميلاد، مستفيدين
من زيارات وفود يهودية ممن تركوا سورية وتجنسوا بجنسيات غربية.
ويقول رئيس
الطائفة "شمنطوب" أنه عقب الإطاحة بالأسد 8 ديسمبر 2024م زاره أحد
المسؤولين في الإدارة السورية الجديدة بصفته رئيس الطائفة اليهودية، وطمأنه بعدم
التعرض للطائفة اليهودية وممتلكاتها.