مجاهدون ارتبطت أسماؤهم برمضان..

الفاروق عمر بن الخطاب

محرر أعلام

16 مارس 2025

34

دعا له النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: «اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ فكان أحبُّهما إلى اللهِ عمرَ بنَ الخطابِ» (أخرجه الترمذي)، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الله به ليعز دينه، وليكن فاروقاً بمجرد أن أتى.

من هو عمر بن الخطاب(1)؟

هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل عبد العزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، وينسب إلى عدي فيقال له: العدوي، وأمه خثمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، وكان نفيل جد عمر شريفًا نبيلًا تتحاكم إليه قريش، كانت عشيرة بني عدي من أواسط أهل مكة، لكنها لم تبلغ من الشرف والمكانة التي بلغتها بنو هاشم وبنو أمية وبنو مخزوم، فليس لهم من الثروة الكبيرة، بقدر ما كان لهم من العزة والمنعة، وكان أهلها مناصب المتحدثين عن قريش في أوقات الخلافات مع الغير.

نشأة عمر بن الخطاب وعدائه للإسلام

ولد عمر بن الخطاب بمكة المكرمة قبل الهجرة بأربعين عاماً، كان أبوه يكلفه بالأعمال الشاقة ويعامله بفظاظة وعنف حتى اشتد عوده وصار فارساً من فرسان مكة وبطلاً من أبطالها، تعلم القراءة والكتابة وحفظ الشعر وورث دور آبائه في السفارة بين القبائل.

وحين أضاء الإسلام عتمة العالم، كان عمر بين سادة قريش مشاركاً لهم في عداء الدين الجديد، حيث يرى أنهم خرجوا على دين آبائهم وقد وجبت محاربتهم، فكان من أكثر أهل مكة خصومة للمسلمين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم شخصية عمر وحميته لما يؤمن به وشجاعته وفهمه وقوته في أفكاره، ولذلك فقد كان يرجو إسلامه، ويعلم القوة التي سوف تحملها فكرته إذا آمن بها عمر، ولذلك فقد كان يلح على الله بالدعاء.

وقد رأى عمر أن القضاء على الفكرة لن تكون إلا بالقضاء على صاحبها، فذهبت به حميته لأن يفكر في قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وحين اشتد الإيذاء على الصحابة فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة، فاهتم لذلك صناديد الكفر وقد فرغت مكة من أهلها فزادهم الأمر غلظة وكراهية للنبي صلى الله عليه وسلم.

فقرر عمر أن ينهي الأمر سريعاً، عاد إلى بيته ليتوشح سيفه ليقوم بما عزم عليه، وبينما هو يمر لبيته على بيت جارة له تقف أمام البيت تنتظر زوجها ليهاجرا معاً للحبشة فقال لها: «إنه للانطلاق يا أمَّ عبد الله»(2)، وكان يتحدث بهدوء وشفقة لفقدان جيرانه حتى إنها كانت ترجو إسلامه، فأجابته: «نعم، والله لنخرجنَّ في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله فرجًا»(3)، فأخبرت زوجها بما كان منه فقال: «فلا يُسلم الذي رأيته حتى حمار الخطاب»(4).

إسلام أحب العمرين إلى الله

أما عمر الذي قد قرر أنه ينهي الفتنة (من وجهة نظره) فخرج من بيته متوشحاً سيفه، وميمماً وجهه نحو بيت الأرقم التي يجتمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، ليقتله وينهي المسألة برمتها، وبينما هو في طريقه فالتقى بنعيم بن عبدالله النحام -وكان قد أسلم سراً- فسأله عن وجهته، فأخبره عمر أنه ذاهب إلى محمد الذي فرق قريشاً ليقتله.

فخشي نعيم على النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يصرفه عن عزمه فقال له: «والله لقد غرَّتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمَّدًا، أفلا ترجع إلى أهل بيتك، فتُقيم أمرهم»(5).

ولم يكن عمر يعلم بإسلام أخته فاطمة رضي الله عنها، فنسي غايته التي خرج من بيته لأجلها، وتوجه نحو بيت أخته غاضباً، وحين وصل سمع صوت رجل غريب يهمهم، فطرق الباب طرقاً شديداً حتى فزع من بداخله وسألوا: من؟ فأجاب «أنا عمر»؛ فارتبك الجميع، واختبأ خباب بن الأرت وهو الذي كان يعلمهما القرآن، وأخذت فاطمة الصحيفة فأخفتها خلفها، وفتح زوجها الباب، فإذا بعمر هائجاً يبحث بعينيه عن ذلك الذي كان يهمهم بصوته منذ لحظات، فلم يجد غير أخته وزوجها، فقال: «ما هذه الهيمنة التي سمعت؟!»، فأنكرا خوفاً.

ثم صرخ في وجهيهما: «لقد أُخبرت أنَّكما تبعتما محمَّدًا على دينه»، فضرب زوج أخته بمقبض سيفه، وحين قامت أخته تدافع عن زوجها، فضربها فشج رأسها، فقالت له: «نعم قد أسلمنا، فاصنع ما بدا لك»(6)، رق قلب عمر لأخته حين رأى الدماء، فهدأ وطلب من أخته أن يطلع على الصحيفة في يدها، فاشترطت عليه الاغتسال، ففعل وبدأ في القراءة.

فقال: «ما أحسن هذا الكلام وأكرمه»، وسمع خبَّاب وهو في مخبئه قول عمر رضي الله عنه، فاندفع إليه قائلًا: يا عمر فإني أرجو أن يكون الله خصَّك بدعوة نبيِّه؛ فإني سمعته أمس يقول: «اللَّهمّ أَيِّدْ الْإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، أَوْ بِعُمَر بْنِ الْخَطَّابِ»(7).

فتوجه فوراً إلى دار الأرقم ففتح له حمزة وأمسكه من طرف ردائه وجذبه بقوة حتى ارتعد عمر، ولم يفق حتى سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: «مَا جَاءَ بِكَ يَا بْنَ الخَطَّابِ؟ فَوَالله مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ قَارِعَةً»، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، جئتك لأؤمن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله، قال: فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرةً عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عمر رضي الله عنه قد أسلم(8).

ومنذ تلك اللحظة التاريخية، خرج المسلمون للمرة الأولى إلى الكعبة في صفين في العلن على أحدهما حمزة، وعلى الثاني عمر بن الخطاب الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاروق، وقد فرق الله به بين الحق والباطل، وكان وقتئذ ابن تسعة وعشرين سنة وبضعة أشهر، في العام السادس للبعثة النبوية المطهرة، وقد  قال عبدالله بن مسعود: «إنَّ إسلام عمر رضي الله عنه كان فتحًا، ولقد كنَّا لا نُصلِّي عند الكعبة حتى أسلم عمر رضي الله عنه، فلمَّا أسلم قاتل قريشًا حتى صلَّى عند الكعبة وصلَّينا معه»(9)، وليكن من العشرة المبشرين بالجنة.

جهاد عمر بن الخطاب ومكانته في الإسلام

لم يكن عمر مجرد جندي رغم أهمية الجندية في الإسلام، لكنه كان من أبرز وأهم القادة العسكريين في الدولة المسلمة الوليدة، شارك في كافة المشاهد التي شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاد بعض السرايا التي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليها، فخاض غزوات «بدر» و«أُحد» و«الخندق»، وكانت شجاعته غير مسبوقة.

ويتفوق عمر بين الصحابة في أن يتوافق رأيه مع القرآن في مواقف عديدة، ومن أبرزها: قوله رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فتنزل الآية الكريمة: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة: 125)، وقوله: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) (الأحزاب: 53)، وقوله لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمعن عليه في الغيرة: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ) (التحريم: 5)، فنزلت الآية، ولذلك فقد النبي صلى الله عليه وسلم فيه: «جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه».

الفتوحات الإسلامية في عهد الفاروق

في عهد الفاروق عمر، امتدت أطراف الدولة الإسلامية شرقاً وغرباً واتسعت مساحتها حتى شملت العديد من البلاد التي خضعت طويلاً للفرس والروم ليكون من قادته الفاتحين: المثنى بن حارثة، وسعد بن أبي وقاص المنتصر في موقعة «القادسية» التي كانت معركة فاصلة في التاريخ بعد أن أعادت العراق للمسلمين، ومنها إلى المدائن عاصمة الفرس ثم عبور نهر دجلة لنهاوند ليصلي سعد بن أبي وقاص في إيوان كسرى.

ومن أهم الفتوحات التي تمت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كانت فتح مصر، فبعد القضاء على ملك الفرس فتحت الشام وفلسطين، نحو مصر حتى صارت كلها إمارة إسلامية.

وفي فجر يوم الأربعاء 26 من ذي الحجة 23هـ، بينما كان الفاروق يصلي بالمسلمين اخترق أبو لؤلؤة المجوسي صفوف المصلين شاهرًا خنجرًا مسمومًا وراح يسدد طعنات حقده الغادرة على الخليفة العادل عمر بن الخطاب حتى مزق أحشاءه، فسقط مدرجًا في دمائه وقد أغشي عليه، وقبل أن يتمكن المسلمون من القبض على القاتل طعن نفسه بالخنجر الذي اغتال به عمر فمات من فوره ومات معه سر جريمته، رحم الله الخليفة العادل عمر بن الخطاب ورضي عنه، وجزاه الله عنا وعن الإسلام خيراً.

 

 

 

 

______________________

(1) البلاذري: أنساب الأشراف، ج10، ص286.

(2) ابن هشام: ج2، ص95.

(3) المرجع السابق.

(4) المرجع السابق.

(5) المرجع السابق.

(6) ابن هشام: ج2، ص95-96.

(7) المرجع السابق.

(8) المرجع السابق.

(9) المرجع السابق.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة