5 مهام للحكام في تهيئة أجواء الصيام والقيام

كتب عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه رسالة إلى أهل الأمصار يأمرهم في شهر رمضان بالاستغفار، حيث قال في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم عليه السلام: (قَالَا ‌رَبَّنَا ‌ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف: 23)، وقولوا كما قال نوح عليه السلام: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي ‌أَكُنْ ‌مِنَ ‌الْخَاسِرِينَ) (هود: 47)، وقولوا كما قال إبراهيم عليه السلام: (وَالَّذِي ‌أَطْمَعُ ‌أَنْ ‌يَغْفِرَ ‌لِي ‌خَطِيئَتِي ‌يَوْمَ ‌الدِّينِ) (الشعراء: 82)، وقولوا كما قال موسى عليه السلام: (قَالَ ‌رَبِّ ‌إِنِّي ‌ظَلَمْتُ ‌نَفْسِي ‌فَاغْفِرْ ‌لِي) (القصص: 16)، وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ‌سُبْحَانَكَ ‌إِنِّي ‌كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء: 87)⁽¹⁾.

في هذه الرسالة بيان لإحدى الوظائف المهمة للحاكم، وهي حث الرعية على الطاعة والإقبال على الله تعالى، خاصة في مواسم الطاعة والعبادة، وتحذيرهم من التهاون بحق الله تعالى أو التجاوز فيه، فالناس قد يخافون من السلطان أكثر من خوفهم من القرآن، وقد ثبت عن سيدنا عثمانَ بنِ عفانَ رضِيَ اللهُ عنه أنه قال: «إنَّ اللهَ يزعُ بالسلطانِ ما لا يزعُ بالقرآنِ»⁽²⁾،

وفيما يأتي بيان بعض الإجراءات التي يمكن للحكام القيام بها، من أجل إعانة الناس على الصيام والقيام وحسن اغتنام رمضان.

1- دعم المساجد وتيسير العبادات:

يقوم الحاكم بالتوجيه نحو تجهيز المساجد لاستقبال المصلين، خاصة في صلاة التراويح والتهجد، من خلال توفير الإضاءة والتهوية، وفرش المساجد بما يليق بها، ويريح المصلين، كما يوجه المؤسسات القائمة على المساجد إلى تنظيم الصلوات، وتقديم الأكفأ للإمامة، من حيث الإتقان والجودة، حتى يتحقق الخشوع والاستمتاع بأداء الصلوات.

فقد ثبت عن عمر بن الخطاب في خلافته أنه جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، وهو أبي بن كعب رضي الله عنه، وحرص على إنارة المساجد بالقناديل، قال الزركشي: يستحب فرش المساجد وتعليق القناديل والمصابيح، ويقال: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب في صلاة التراويح، ولما رأى عليّ رضي الله عنه اجتماع الناس في المسجد على الصلاة والقناديل تزهر وكتاب الله يتلى، قال: نورت مساجدنا، نور الله قبرك يا ابن الخطاب⁽³⁾.

وكذلك يقوم الحاكم بتشجيع الأئمة والخطباء على تقديم دروس دينية نافعة، تعين الناس على تدبر معاني الصيام والقيام، ويضاف إلى ذلك تنظيم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وكذلك صلاة العيد.

2- دعم العمل الخيري والتكافل الاجتماعي:

يحرص الحاكم على الإفادة من رمضان في دعم العمل الخيري وتحقيق التكافل الاجتماعي، من خلال تشجيع التبرعات، والصدقات، والزكوات، وترتيب ذلك من خلال حملات رسمية تدعم الفقراء والمحتاجين، وكذلك رعاية برامج إفطار الصائم، سواء داخل البلاد أو إرسال المساعدات للدول الفقيرة.

ويضاف إلى ذلك ما يمكن أن تقوم به الدولة من إقامة الموائد في الأماكن العامة أو مواقف السيارات لإعانة المسافرين على الإفطار في وقت المغرب، كما يستهدف به إعانة الدولة للصائمين المحتاجين.

3- التوعية الدينية والإعلام الهادف:

يستطيع الحاكم أن يعين الصائمين على حفظ صيامهم من المشاهد أو البرامج التي تفسد صيامهم، حيث يملك الحد من البرامج أو المشاهد التي تلهي الناس عن العبادات أو تشجع العادات السلبية، كما يمكن للحاكم أن يدعم البرامج الدينية والثقافية والدرامية الهادفة التي توجّه الناس للاستفادة من الصيام والقيام، وحسن اغتنام أيام رمضان ولياليه.

4- ضبط الأسواق والأسعار:

قد يتطلع بعض التجار في رمضان إلى مضاعفة كسب الأموال، من خلال استغلال حاجة الناس إلى التوسعة على أنفسهم وأهليهم، فيقوم بعض التجار بزيادة الأسعار، وهنا يجب أن يقوم الحاكم بالرقابة على الأسواق، لضمان توفر المواد الغذائية بأسعار عادلة، ومنع الاحتكار أو الغش أو التلاعب بالأسعار، وكذلك توفير السلع الأساسية للصائمين، كما يمكن للحاكم أن يعين الرعية على حسن اغتنام رمضان من حلال تخفيف أعباء العمل، وتنظيم أوقاته بحيث لا يتعارض مع أداء العبادات.

5- ضبط الأمن:

لا يصل المسلم إلى الاستغراق في الروحانية والخشوع إلا إذا كان آمناً على نفسه وأهله ووطنه، فتوفير الأمن يعزز الروحانية والخشوع، لذا يجب أن يحرص الحاكم على توفير الأمن للرعية، من خلال توفير الأمن في المساجد والأماكن العامة حتى يتمكن الناس من العبادة دون قلق، وكذلك الحد من المظاهر التي تفسد روحانية الشهر، مثل انتشار وسائل الترفيه غير اللائقة أو الضوضاء، وضبط الأمن في الأسواق لمنع أي اضطرابات قد تخرج الصائم عن أخلاقه الحميدة، كما يقوم الأمن بمكافحة السلوكيات الخاطئة مثل التهاون في الصيام أو المجاهرة بالإفطار دون عذر.

______________________

(1) لطائف المعارف: ابن رجب الحنبلي، ص 66.

(2) أدب الدنيا والدين: الماوردي، ص 135.

(3) إعلام الساجد بأحكام المساجد: الزركشي، ص 339.