حياة زوجية سعيدة في رمضان

يمثل رمضان فرصة
ثمينة لاستعادة معالم السعادة الزوجية، وأجواء الود والتفاهم والحوار بين الزوجين،
بل وحلحلة الخلافات والمشكلات الحياتية والمعيشية.
هذا الشهر يمنح
المرء؛ رجلاً كان أو امرأة، مساحة للتأمل والتدبر، سعياً إلى صوم لا يشمل الطعام
والشراب والشهوة فحسب، بل يشمل اللسان والجوارح، فيمتنع كل منا عن إيذاء الآخر ولو
بكلمة أو نظرة.
إن البيت المسلم
في حاجة إلى شهر التراحم والتكافل؛ لالتقاط الأنفاس من مشقة الحياة، واللهث وراء
الماديات، والدوران في فلك الاستهلاكية، إلى البحث عن السكينة والطمأنينة، والتزود
بزاد التقوى؛ لإزالة ما علق بالنفس من آثام وذنوب.
رمضان قادر على
استعادة بهجة وفرحة الشهور الأولى للزواج، فهو يجمع الزوجين يومياً، يعدان الزينة
لاستقبال شهر الرحمات، يتشاركان في إعداد الطعام والشراب، وشعارهما قول النبي صلى
الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو
قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم» (رواه البخاري، ومسلم).
ما أجمل أن
يتجهز الزوجان لتناول الإفطار والسحور معاً! ويواظبان على التواجد اليومي خلال
الشهر الفضيل، مقارنة بسائر العام، حيث يتغيب الزوج -لظروف العمل مثلاً– عن مائدة
الأسرة، أو ينشغل بأمور أخرى، فينقطع لأيام أو أكثر عن تناول وجبة أو أكثر مع
زوجته.
جلسة
أسرية
يعد رمضان فرصة
للالتقاء على الطاعات، جلسة أسرية لقراءة القرآن الكريم، خاطرة إيمانية يلقيها أحد
الزوجين عن معاني الصيام، يذكران بعضهما بالصدقة وزكاة الفطر، يتواصيان بالذكر
والاستغفار، يصطحبان نفسيهما لأداء صلاة التراويح، يقومان بأداء ركعتين في الليل
تقرباً لله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا
أو صلى ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات» (رواه أبو داود)، وقال: «رحم
الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله
امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء» (رواه أبو داود).
10 خطوات تُحسِّن الحياة الزوجية
قد يكون رمضان
فرصة لمراجعة النفس من كلا الزوجين، عما بدر منهما في حق بعضهما بعضاً، تمهيداً
للعفو والصفح، وإزالة سوء التفاهم، وفتح صفحة جديدة، تمتزج فيها الطاعة والحب،
فينهمان من رحيق اللذة الحلال، وهم ينعمان بصفاء نفسي وروحاني، وقد صُفدت
الشياطين، وعاد صوت الذكر وقراءة القرآن يُعمر البيت الذي كان خرباً نكداً، يملؤه
الهم والحزن، وتعلو بين جنباته صرخات الخلاف والشجار.
ليشعر كل زوج
بما تعانيه زوجته من مشقة في المطبخ بشكل يومي لطهي الطعام وإعداد ما لذ وطاب، وهي
صائمة مرهقة، فيشكر لها صنيعها، ويدعو الله لها بحسن الأجر والثواب، وقد يساعدها
في إعداد بعض الوجبات، متمثلاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم
لأهله وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي)، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: أي شيء
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله
فإذا حضرت الصلاة قام فصلى» (رواه الترمذي).
اقرأ أيضاً: الخدمة المنزلية طاعة
ولتبدي كل زوجة
الامتنان لزوجها، تقدر عمله وجهده، وتثمن المشقة التي يتكبدها، وهو صائم؛ ليحصل
أسباب الرزق، ويوفر نفقات بيته وأولاده، من المال الحلال، فتثني عليه، وتمدح
صنيعه، وتدعو له، وتقبل يديه ورأسه، وتحث أبناءها على طاعة أبيهم، فينشرح صدره،
ويُسَر قلبه، ويسكن إليها.
صلة
الرحم
رمضان أيضاً
فرصة ثمينة يجب استثمارها في تعزيز صلة الرحم وترميم العلاقات الاجتماعية، وإصلاح
ما فسد منها مع أهل الزوجة، أو أهل الزوج، من خلال الإفطار الجماعي مع العائلة،
واستضافة أم الزوج (الحماة)، ووالد الزوج (الحمو)، والعكس، ما يزيل أي توتر بين
الطرفين، ويجبر الخاطر، فينصلح حال الزوجة إذا أقدم الزوج على دعوة والديها
للإفطار بصحبتهما، وتهدأ نفس الأم إذا دعتها زوجة ابنها، وأشعرتها بحفاوة
الاستقبال وكرم الضيافة.
وللأبناء نصيب
في رمضان، من نفحات المودة والرحمة التي تظلل الأسرة، من الاجتماع مرتين بانتظام،
على مدار ثلاثين يوماً، فيلتقون معاً على مأدبة القرآن، ويؤدون صلاة التراويح،
وينطلقون بصحبة والديهم؛ سعياً إلى إفطار الصائمين، وإخراج الزكاة، وإحياء سنة
الاعتكاف، فيعلو رصيد الإيمان والتقوى بين أفراد الأسرة، وتحل الخيرات والبركات
على الجميع.
لنا في الرسول صلى
الله عليه وسلم القدوة والأسوة الحسنة، تقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا دخل العَشْرُ أحْيَا اللَّيلَ، وأيْقظَ أهلَه، وجَدَّ،
وشَدَّ المئزَرَ» (متفق عليه)، فيا تُرى كيف ستكون حال الأسرة المسلمة إذا اقتدت
برسولها صلى الله عليه وسلم، وأحيا الزوجان رمضان بالذكر والصلاة والطاعات، فتسمو
روحاهما، ويصفو قلباهما، وتتعانق نفساهما، ليخرج البيت المسلم في نهاية السباق
ملتئماً سعيداً فائزاً ورابحاً في رمضان.