لماذا تخلَّفنا وتقدم غيرنا؟!

عامر شماخ

13 مارس 2025

40

سيظل هذا السؤال: لماذا تخلَّفنا وتقدم غيرنا؟!، مطروحًا، حتى يستعيد المسلمون حضارتهم المفقودة، والتي تزعّمت العالم لقرون، فكانت –كما وصفها المؤرخ الأمريكي وول ديورانت: «مثالًا في القوة والنظام، وبسطة الملك، وجميل الطباع والأخلاق، وفي ارتفاع مستوى الحياة، وفي التشريع الإنساني الرحيم، والتسامح الديني، والآداب، والبحث العلمي، والعلوم والطب، والفلسفة»، إذًا هو سؤال قديم حديث، يحثُّ الغيورين على البحث عن أسباب هذا التردي الذي تعيشه الأمة الآن رغم امتلاكها كل أسباب النهوض، وكيف تستعيد دورها الريادي للحاق بركب التقدم والازدهار.

مقومات فريدة

تمتلك الأمة الإسلامية مقومات فريدة تميزها عن غيرها من الأمم، وتمكّنها –إن أرادت- من الوحدة الجامعة وامتلاك أسباب القوة؛ فالمسلمون يجمعهم دين واحد وتاريخ واحد وثقافة مشتركة، وتجمعهم اليوم تحديات مشتركة، ويقع العالم الإسلامي في قلب الكرة الأرضية، مطلًّا على العديد من البحار والمحيطات، ممتلكًا الكثير من الأنهار، والمساحات الشاسعة من الأراضي المكتظة بالثروات الزراعية والحيوانية والمعدنية.

وهذا الموقع الفريد الممتد وفّر له أفضل أنواع المناخ، وما يترتب عليه من تنوع في النباتات والأحياء، كما يشكِّل المسلمون ربع سكان العالم بما يناهز الملياري شخص، ودينهم هو الأسرع انتشارًا بين الأديان.


اقرأ أيضاً: المسلمون قادمون


واقع مرير

ورغم هذه المقومات وغيرها فإن الأمة الإسلامية اليوم هي الأكثر تخلفًا بين الأمم، والأقل فاعلية وتأثيرًا، وبدت دولها ممزقة متفرقة لا يجمعها رابط، مصابة بعلل التخلف والوهن.. فهناك أُميَّةٌ عمّت شعوب هذا العالم، على عكس ما أرادها الله من العلم والقراءة والفهم، زادت نسبتها على خمسين بالمائة في بعض الدول، وهناك إهمال للبحث العلمي ووسائل التقنية، ساهم في هجرة عقول الأمة وأكفائها إلى الشرق والغرب، وترتب على هذه وتلك تخلفٌ عملي طال شتى جوانب الحياة؛ فهناك عجزٌ في الغذاء يزداد يومًا بعد يوم؛ للفارق بين معدل النمو وزيادة السكان، وهناك عجز صناعي تمثّل في استيراد الشعوب الإسلامية كل احتياجاتها من الخارج، رغم امتلاكها مدخلات الصناعة من نفط ومعادن ومواد خام، لكنها عاجزة عن الاستفادة منها بتشكيلها أو تحويلها إلى منتجات استهلاكية.

التبعية للآخر

ونتج عن التخلف الذي ابتُليت به الأمة وتغلغل في ثناياها أن صارت تابعة ذليلة للغرب، الحريص على إبقائها في هذا التخلف؛ للاستفادة من خيراتها من ناحية؛ ولمنع خروج مارد الإسلام من قمقمه فيكتب بذلك نهاية لهذه التبعية.. وقد تمكّن الغرب أيضًا من الوصول إلى مراكز صنع القرار في بلاد المسلمين، فاستطاع بذلك التحكُّم في أمورهم الثقافية والسياسية والاقتصادية.


اقرأ أيضاً: لماذا تقدم الغرب.. وفشل المسلمون؟


ونتج عن ذلك انعدام الاستقرار السياسي، وانتهاك حقوق الإنسان، وهما مقومان أساسان لاستدامة التبعية والهوان، فغابت الشورى والحرية، وانمحت الحياة السياسية الرشيدة التي تضمن وصول الحكام إلى السلطة بإرادة شعبية، بل صار المعتاد وصول الحاكم إلى كرسي الحكم بانقلاب، ويكون نزوله من فوقه بانقلاب مضاد، وقد قُننت الديكتاتورية وتأصّل الاستبداد، وتقزّمت الشعوب، وأُغلقت –من ثمَّ- أبواب التغيير وتكرّس الجمود.

الظلم الاجتماعي

ويعدُّ الظلم الاجتماعي في عالمنا الإسلامي أحد مظاهر الاستبداد؛ حيث تستحوذ فئة قليلة قريبة من هرم السلطة بخيرات البلاد، وتمنع الآخرين من الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم، فاختلّت بذلك الموازين، وغابت العدالة الاجتماعية، واستتبع ذلك فساد عريض سلب مقدرات المجتمع، وأفرز أوضاعًا زادت من الهوّة بين الشعوب وحكامها، وخلقت تفاوتًا طبقيًّا واختلالات خطيرة داخل المجتمع الواحد، فهنا تقتير وهناك تبذير، هنا فقراء يموتون جوعًا وهناك أغنياء يموتون تخمة، ونشأ –بالتالي- صراع وغضب يهدد الأمن السلمي للبلاد جرّاء هذه التناقضات المرذولة.   

لماذا تقدم الغرب؟

والناظر إلى واقع الغرب، في تقدمه وحضارته ونهضته، ليعجب أشد العجب من استلهامه النموذج الإسلامي، أي: مرتكزات الحضارة الإسلامية، وإن لم يسمّها باسمها، في هذا التقدم وتلك النهضة، فقد نجا من التخلف والانهزامية بتعزيز الإصلاحات السياسية بعيدًا عن نظم الجبر والطغيان، باعتماد أنظمة ديمقراطية أقرب إلى الشورى الإسلامية، ضمنت لدوله الاستقرار السياسي والمحافظة على حقوق الإنسان.، وفي الإصلاحات الاقتصادية بتشجيع الابتكار والمنافسة باعتماد اقتصاد السوق الراعي للملكيات الخاصة، الحاضّ على الإنتاج وزيادة الثروة، وفي الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، والاستثمار في الصناعة والتكنولوجيا.، وفي الإصلاحات الاجتماعية بإيجاد أنظمة قانونية ومؤسسات مختلفة تحمي حقوق الأفراد وتضمن العدالة والشفافية، وتمنع الفساد والمحسوبية.

ما المخرج؟

لا سبيل للخروج من هذا التيه الذي عمّ العالم الإسلامي فبدا مهترئًا ممزقًا، إلا بالعودة إلى منهج الإسلام المتكامل، وليس بجزء منه، وهو منهج شامل، صحيح متوازن، يستوعب كل مجالات الحياة، يوجه أتباعه نحو النهوض، فيجب:

- ترسيخ الإيمان كدافع للتقدم؛ ما يعزز الأخذ بالأسباب، والعمل والاجتهاد، والبعد عن الكسل والتواكل، ونشر قيم الأمانة والإخلاص؛ لبناء مجتمع متماسك قائم على التساند والتكافل.

- تعزيز الوحدة الإسلامية والتعاون بين الدول؛ وتجاوز الخلافات، وبناء المؤسسات التي تدعم التكامل الاقتصادي والسياسي في مختلف المجالات، وتحريم الربا، وتشجيع الاقتصاد الإنتاجي، وتفعيل الوقف الإسلامي والمشاريع التنموية؛ بما يعزز الاستقلال المالي للأمة.


اقرأ أيضاً: نحن والاستبداد في ممارساتنا اليومية!


- محاربة الفساد والاستبداد، وتكريس الحكم الرشيد، بترسيخ الشورى وإقامة أنظمة عادلة تهدف إلى المصلحة العامة وترعى حقوق المواطنين.

- دعم العلم والبحث العلمي، وعدم الفصل بين التعليم الديني والتعليم الدنيوي، وتشجيع الابتكار، ومواكبة التطور الرقمي في شتى المجالات.  

- دعم الأسرة والاهتمام بالمرأة؛ إذ الأسرة نواة المجتمع وأساس نهضته، وذلك بتعزيز القيم الإسلامية داخلها، وحمايتها من التفكك، ومحاربة الظواهر السلبية الطارئة، والاهتمام بالمرأة بدعمها تعليميًّا واقتصاديًّا وتشريعيًّا وسياسيًّا، بما يؤهلها لأداء دورها المنوط بها في النهوض، وهو لا يقل بحال عن دور الرجل.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة